الذي يصلى بالأجبية يضع أمامه حياة السيد المسيح كل يوم يتأملها ويتغذى بها روحيًّا.
فيشبع ويرتوى وتنطبع فيه صورة الرب يسوع واضحة جلية:
يتذكر ميلاد السيد المسيح الأزلي من الآب قبل كل الدهور، كما يتذكر تجسده من العذراء مريم وميلاده البتول وحلوله بيننا كنور حقيقي أشرق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي ينير لهم السبيل إلى الحياة الأفضل كما تنير الشمس للناس.
كما يتذكر قيامة الرب يسوع في فجر الأحد منتصرا على الموت وظلمة القبر. وقد قام بقوة وهدوء كشعاع الشمس الذي يمزق ظلمة الليل بقوة وهدوء.
يتذكر المحاكمة الظالمة التي أجريت للرب يسوع وانتهت بإصدار الحكم عليه بالصليب وسط لصين وهو البار المنزه عن كل شر لكي تتم النبوة "وأحصى مع أثمه" (مز 15: 28)". لكي يحتمل المؤمن كل ما يأتي عليه من تجارب أو ظلم ناظرًا إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه (فداء الإنسان) احتمل الصليب مستهينا بالخزي" (عب 12:2). كما يتذكر في هذه الساعة صعود المسيح الباهر إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب في الأعالي على عرش مجده متذكرا وعده الإلهي القائل "من يغلب فسيجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21). كما يتذكر في هذه الساعة أيضا حلول الروح القدس على التلاميذ في شبه ألسنة نارية، فطهرهم وشجعهم وأعطاهم المواهب الروحية اللازمة للكرازة والخدمة فيطلب لنفسه نصيبًا من مواهب الروح القدس لأن الله "يعطى حتى الروح القدس للذين يسألونه" (لو 11: 13).
يتذكر الفداء العجيب الذي صنعه الرب على الصليب فيفيض قلبه بالشكر والامتنان والحب لذاك الذي أحبنا فضلا وبذل ذاته لأجلنا راضيا.
يتذكر موت الرب من فرط حبه لنا "لأنه ليس حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13) "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16).
كما يتذكر وعد الرب يسوع للص اليمين التائب "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43) في هذه الساعة صرخ الرب قائلًا "الهي الهي لماذا تركتني؟"(مت 27:46)
وفيها اشتد العطش فطلب أن يشرب فسقوه خلا (يو 19: 28، 29) ثم قال "قد أُكْمِل" ونكس رأسه وأسلم الروح (يو 19: 30).
يتذكر المصلى أيضا أن الرب في هذه الساعة قد طعن في جنبه بالحربة بعد موته فنزل منه دم وماء تكفير وتطهير لخطايا كل العالم (يو 19: 34). (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وعندما مات الرب على الصليب في الساعة التاسعة "إذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل" (مت 27: 51).
علامة على فتح الطريق بين الله والإنسان ونقض الحاجز المتوسط وإتمام الصلح بدم المسيح وموته الكفاري عن الإنسان. وفى هذه الساعة أيضا انقشعت الظلمة التي سادت الأرض كلها من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة (مت 27: 45) وهذا دليل على ابتعاد غضب الله عن الإنسان وعودة رضاه عليه بعد أن أوفى المسيح العدل الإلهي حقه وأتم فداء الإنسان بصلبه وموته المحيى على عود الصليب.
أعلن الله غضبه بالظلمة كنبوة عاموس "ويكون في ذلك اليوم السيد الرب أنى أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور (عا 8: 9). وعندما رفع الرب غضبه وأعلن رضاه انقشعت الظلمة وحل محلها النور حسب قول المرنم "رضيت يا رب عن أرضك. رددت سبى يعقوب.غفرت آثام شعبك. سترت جميع خطاياهم. حللت كل رجزك. رجعت عن سخط غضبك" (مز 85: 1 – 3) "قد أضاء علينا نور وجهك يا رب. أعطيت سرورا لقلبي" (مز 4: 6).
لو تذكر المصلى كل هذه الحوادث أثناء صلاة الساعة التاسعة لامتلأ قلبه بالشكر لفادى ولتعمق في محبة الله كثيرًا جدًا.
فيتذكر المصلى إنزال الرب عن الصليب وتكفينه بواسطة يوسف ونيقوديموس بعد وضع الحنوط والأطياب على جسده الطاهر.
ويحاول المصلى أن يقدم للرب عطر فضائله وطيب دموعه يسكبها عند قدميه في توبة وخشوع فيأخذ نصيب المرأة التي سكبت الطيب على قدميّ المخلص فمدحها قائلًا "قد سبقت ودهنت بالطيب جسدي للتكفين. الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في العالم يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكار لها" (مر 14: 8، 9).
كذلك يتذكر أصحاب الساعة الحادية عشر الذين قبلهم الرب وعملوا بجد واجتهاد فأعطاهم أجرا كاملا كالذين عملوا من أول النهار (مت 20: 12) فلا يصيبه اليأس من مراحم الله ومحبته وحنانه.
يتذكر الموت والدفن في القبر، تلك الساعة الرهيبة المخوفة التي قال القديس أرسانيوس "إني منذ جئت إلى الرهبنة وذكر ساعة الموت لم يفارق عقلي"، وبذلك يكون الإنسان مستعدًا دائمًا لهذه الساعة بالتوبة والنقاوة، ويكون مثل مار اسحق الذي كان يخاطب فراشه كل ليلة عند النوم قائلًا: "أيها الفراش لعلك في هذه الليلة تصير قبرا لي".
يتذكر مجيء المسيح الثاني وكيف يجب أن يستعد له بالسهر والجهاد ويستقبله فرحا مثل الخمس عذارى الحكيمات.
يتذكر المرأة التائبة التي بلت قدميّ المخلص بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها ويطلب إليه أن يعطيه ينابيع دموع كثيرة وغفران خطاياه مثلها.
يتذكر العبد الحكيم والوكيل الأمين الذي جاء سيده فوجده يقوم بواجبه خير قيام فيقيمه على جميع ماله قائلا له "نعمًا أيها العبد الصالح والأمين. كنت أمينًا على القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك" (مت 25: 21) ويحذر لئلا يتوانى في حياته الروحية كالعبد الكسول غير الأمين فيحرم من الميراث الأبدي ويكون نصيبه مع عديمي الأيمان" (لو 12: 46). تضع الكنيسة كل هذه التذكارات المقدسة أمام أبنائها كل يوم عن طريق صلوات الأجبية حتى يتصور المسيح فيهم حسب قول معلمنا بولس الرسول "يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" ( غل 4: 19) وهكذا تصير صورة المسيح مرسومة في أذهانهم وحوادث وأقوال وأعمال مخلصنا الصالح حية دائما في ذاكرتهم فيصدق عليهم قول الرائي "لهم اسم الله مكتوب على جباههم" (رؤ 14: 1).
"وهم سينظرون وجهه واسمه على جباههم" (رؤ 22: 4). أليس من الخطأ في حق أنفسنا أن نحرم ذواتنا من مثل هذه التذكارات المقدسة حينما نهمل الصلاة بالأجبية، ونظن أنه يمكن أن نقدم لله صلوات خاصة أعمق وأشمل مما وضعه الآباء القديسون بإرشاد الروح القدس، ناسين تواضع معلمينا الرسل الذين على الرغم من معرفتهم وروحانيتهم صرخوا قائلين "يا رب علمنا أن نصلى" (لو 11: 1) .
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k4knvp5