بعد أن دُونت الأناجيل الثلاثة الولي قبل سنة 70م، دون القديس يوحنا تلميذ الرب والرسول الذي كان أحد التلاميذ الثلاثة المقربين من الرب، بل والتلميذ الذي كان الرب يحبه والذي اتكأ على صدره وقت العشاء، والذي سلمه السيد المسيح والدته وهو على الصليب ليرعاها كأمه. وقد دون الإنجيل في نهاية القرن الأول الميلادي حيث كان التلميذ الوحيد الباقي من تلاميذ الرب على قيد الحياة، فقد سبق أن وعده الرب بالعمر الطويل (240). وكان القديس يوحنا بطبيعته مؤهلًا من الروح القدس ليحفظ أعمق كلمات السيد المسيح اللاهوتية والروحية، وقد دون الإنجيل كما قال في نهايته "وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا إن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (241)". ولأنه دون هذا الإنجيل بهدف تأكيد الإيمان بأن يسوع هو "المسيح ابن الله"، كما دونه بعد انتشار الأناجيل الثلاثة الأولى بسنوات، لذا فقد تجنب ذكر أكثر ما دُون فيها وركز على تدوين أعمال السيد وأقواله التي تمت في قانا الجليل واليهودية والسامرة وبيت عنيا وحواراته مع رؤساء اليهود في أورشليم والهيكل وخطابه الوداعي الطويل بعد العشاء وصلاته الأخيرة قبل القبض عليه، كما دون شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح كحمل الله الذي يرفع خطية العالم وكونه ابن الله النازل من السماء. وقد بدأ القديس يوحنا هذا الإنجيل بمقدمة لاهوتية تبرهن كون المسيح "كلمة الله" الأزلي والخالق الذي نزل في ملء الزمان و"اتخذ جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده (242)". وقد ركز على تسجيل أقوال المسيح التي تعلن إنه "كلمة الله" و"ابن الله" و"نور العالم" و"مخلص العالم" و"الواحد مع الآب" في الجوهر والإرادة والعمل، و"الطريق والحق والحياة" و"حمل الله الذي يرفع خطية العالم" و"الراعي الصالح" و"الملك السمائي" و"النازل من فوق" و"ماء الحياة" و"خبز الحياة" و"شافي الأمراض الميئوس من شفائها" و"خالق العينين للأعمى" و"محي الميت الذي تعفن جسده" وكلى القدرة الذي لا يستحيل عليه شيء "مهما عمل ذاك (الله الآب) فهذا يعمله الابن كذلك (243)" وكلى المعرفة الذي لا يخفى عليه شيء، ومرسل الروح القدس، والموجود في كل مكان، في السماء وعلى الأرض في آن واحد،.. إلخ. ومن ثم فقد وصفه بعض آباء الكنيسة مثل إكليمندس الإسكندري "بالإنجيل الروحي"، فهو "قدس أقداس" الأناجيل الأربعة بل والعهد الجديد.
وكما ركز القديس يوحنا على لاهوت المسيح فقد ركز أنها على ناسوته وإنسانيته وسجل أقوال كثيرة للرب عن تعبه وآلامه وجوعه وعطشه وأكله وشربه وكماله الجسماني كإنسان مكون من لحم ودم وعظام، وكماله الإنساني كإنسان مكون من جسد ونفس وروح. فقد سجل القديس يوحنا أقوال السيد وأعماله التي تبرهن على أنه ابن الله وكلمة الله الذاتي الذي نزل من السماء وحل بين البشر في صورة إنسان بعد أن اتخذ جسدًا "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا"، ومن ثم فقد قدم المسيح الإله والإنسان، الإله المتجسد، الذي كان هو ابن الله وكلمة الله وابن الإنسان وآدم الثاني، كلمة الله الذي صار جسدًا وابن الإنسان الآتي على سحاب السماء وديان البشرية.
وقد دون القديس يوحنا الإنجيل الرابع وكتبه بالروح القدس، والقديس يوحنا هو الوحيد من الإنجيليين الأربعة الذي ذكر ودون أقوال السيد المسيح عن إرساله للروح القدس من الآب، ضمن خطابه الوداعي الطويل بعد العشاء الأخير وأوضح فيه عمل الروح القدس في التلاميذ والرسل أثناء شهادتهم للمسيح ودوره معهم: "يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم"، "فهو يشهد لي"، "فهو يرشدكم إلى جميع الحق.. ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأن يأخذ مما لي ويخبركم (244)". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وهذا ما عمل الروح القدس تمامًا مع القديس يوحنا أثناء كرازته وعند تدوينه للإنجيل، فقد علمه ما لم يكن يعلمه وذكره بما قاله وعمله الرب وشهد للسيد المسيح ومجده. كان الروح القدس هو ضامن الحق للصورة الإلهية في الإنجيل الرابع وفى كل العهد الجديد، هذه الصورة التي لا يمكن لفنان مهما كان إيداعه في فنه أن يرسمها بدون وحي إلهي وعمل الروح القدس، وقد أصبح الإنجيل الرابع وكل العهد الجديد، كما يقول المؤرخ الكنسي فيليب شاف لغز في تاريخ الأدب وغير قابل للحل العقلي.
وقد آمنت الكنيسة ولمدة ثمانية عشر قرنًا تقريبًا على امرأة كاتب الإنجيل الرابع هو القديس يوحنا الرسول، تلميذ المسيح الذي كان يحبه إلى امرأة جاء من يدعى إيفانسون Evanson الإنجليزي (1792م) وقال بناء على ما تصور إنه اختلاف بين أسلوب سفر الرؤيا وأسلوب الإنجيل الرابع وزعم امرأة هذا الإنجيل لم يكتبه القديس يوحنا بل كتبه فيلسوف أفلاطوني من القرن الثاني، وانقسمت أراء النقاد بعد ذلك ودار بينهم صراع ما تزال آثاره موجودة، وتلقف أراء النقاد هذه بعض المهتمين بدراسة مقارنة الأديان في الشرق دون امرأة يهتموا بالمرة بالبراهين التي قدمها علماء الكنيسة أو بما تطورت إليه أراء هؤلاء النقاد بعد ذلك لأنها لا تحقق أهدافهم. وقد تراجع النقاد ومن تبعهم من العلماء عن هذه الآراء أمام البراهين الساطعة التي تأكدت تباعًا حتى وصلوا إلى حقيقة هامة ومجمع عليها، وهى أن هذا الإنجيل، الرابع وثيق الصلة بالقديس يوحنا ولا يبعد عنه بأي حال من الأحوال، فقد خرج من دائرته ومن تسليمه ومن تعليمه. وانقسمت أراء هؤلاء النقاد والعلماء إلى ثلاثة اتجاهات كلها تبدأ من القديس يوحنا وتنتهي إليه، وهي:
أن القديس يوحنا قد كتب هذا الإنجيل بمعونة أحد تلاميذه الذين كانوا معه، وهذا التلميذ لم يذكر اسمه وتحت ضغط القديس يوحنا لم يجعل أسمه، اسم القديس يوحنا، واضحًا في طيات الكتاب.
أن واحدًا من تلاميذ القديس يوحنا قد جمع هذا الإنجيل واستخدم في ذلك مذكرات أو مواعظ القديس يوحنا التي سمعها منه.
إنه كانت هناك مدرسة أسمها مدرسة يوحنا انتشرت فيها أفكار ومواعظ ومذكرات القديس يوحنا عن السيد المسيح، وهذه المدرسة هي المسئولة عن جمع هذا الإنجيل وكتابته.
ولكننا نؤمن إيمان راسخ مبنى على الحق والواقع ومؤيد بالدليل والبرهان على أن مدون هذا الإنجيل، الرابع، وكاتبه بالروح القدس هو القديس يوحنا، وبنفسه، سواء كان قد كتبه بقلمه أو أملاه على أحد تلاميذه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/a6szfcv