ما بين التفكير في الماضي، والأرق بسبب ما فيه من مريرة، وما يصحبه من ندم، وما يترتب عليه من صغر نفس وشك في المصداقية.
وبين القلق على الغد، وعدم التأكد من النجاح فيه، والاستمتاع به، وإصابة الأهداف وتحقيق الآمال، وإدراك الطموحات:
يضيع الحاضر
يضيع الحاضر وهو الأهم... إذ نملكه، فالأمس مرَّ وافلت منّا بكل ما فيه، وتحوَّل إلى ذكرى.
والغد كذلك... لا نملكه... ولا نعرفه، إذ هو في فكر الله.
فليتحول الأمس إلى خبرة تفيدنا في الحاضر.
وليصبح الغد أملًا مشرقًا وأمنية جميله، وثقه في أن الله يرتب لنا فيه الخير.
والحديث هنا عن الحاضر... إنه اليقين، إن كان هناك يقين غير الله!
فالأمس قد مرّ بكل ما فيه، إن كان خيرًا وان كان شرًا... إن كان كسبًا وكان خسارة، لم يعد سوى ذِكرى(1)... إن كنا أخطأنا فيه، فقد غفر الله لنا الماضي، ابتلعه بكل ما فيه من شر... من خيانة... من ضعف... أسدل عليه ستارًا فصار وكأنه لم يكن... ألم نتب عنه؟! ألم نعترف به؟! إذًا فهو غير باق... غير قائم ولا سلطان له... ألم يقل القديس يوحنا سابا المعروف بالشيخ الروحاني: "إن التوبة تحوِّل الزناة إلى بتوليين"؟! أي كأنهم لم يخطئوا أصلًا... "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ" (سفر إشعياء 1: 18) (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
إننا لا نستطيع أن نسترجع الماضي، وبالتالي فنحن لا نقدر أن نصلحه، ونعدله. لقد خرج من أيدينا وصار في ضمير الزمن...! ولكننا نستطيع أن نجعل اليوم أفضل منه...
وفى محاسبة النفس والتي اعتدنا فيها أن نُقَيِّم الماضي ونستخْلِص منه الخبرة، ونندم على ما صدر عنا فيه، إنما نبغي من وراء ذلك أن نجعل الحاضر أفضل من الماضي، ومن هنا فإن محاسبه النفس متى كانت إيجابية، فهي لا تقتصر على الندم، وإنما هي مزيج بين الملامة والرجاء... الملامة على جهلنا وضعفنا وهفواتنا، والرجاء في تحسين الحاضر.
المهم انك حتى اليوم نفسك حيه... سليمة، أشرق عليك صباح جديد... وُهِبت يومًا جديدًا وأملًا جديدًا...
تخيَّل أنك استيقظت في الصباح لتجد الله مثل أب حنون يضع في يدك (مصروف اليوم) ونفقة اليوم، لتستطيع المواصلة، ولكنه هنا بضع ليس بعض الجنيهات وبعض الجنيه! وإنما وحدة زمنية كاملة؛ أربع وعشرين ساعة كاملة، لتحقق فيها ما لم تستطيع أن تُحَقِّقهُ في الأمس، لأن مراحم الرب جديدة في كل صباح... "إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ" (مرا 3: 22، 23). وكأنها إعادة خلق يومية!!
وفي أمثالهم يقول اليهود: "ثلاثة لا يمكن استعادتها: سهم انطلق، كلمة خرجت، وفرصة ضاعَت".
غير أنه من الرائع أن نكون راضيين عن الأمس، غير نادمين... فإن كنا قد أخفقنا، فإن الله يحول النتائج إلى خيرنا دائمًا، مهما كانت الأسباب، ومهما كانت الأعراض.
في الأمس أنجزنا خيرًا... واليوم يتضاعَف الخير...
كما يجب أن لا يفصل الإنسان نفسه عن ماضيه، فإننا نتعلَّم من الماضي؛ بل من الضروري أن تكون هناك خطوط عريضة تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، مثل الإيمان والقومية والمبادئ الإنسانية، فإننا نتحدث هنا عن تنقيه الحاضر والأمانة فيه والاستمتاع به.
_____
(1) هناك فرقًا بين الذكرى والانفعال؛ فقد تستمر الذاكرة نشيطة تجاه بعض الأحداث، بينما يتراجع الانفعال المرتبط بها رويدًا رويدًا.
ما هو
المستقبل بالنسبة لنا؟ |
تقديس الحاضر كتب الأنبا مكاريوس - الأسقف العام |
فهرس الكتاب |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/xx6ay5f