نظرًا
لامتلاء سفر إشعياء النبي بالنبوّات الكثيرة التي تخصّ
الربّ يسوع المسيح، المسيح
المنتظر، ابن
إبراهيم وإسحق
ويعقوب ويهوذا وداود، فقد أسماه الدارسون بالنبيّ
الإنجيليّ. ولذا لجأ بعض الكتّاب من غير المسيحيّين لاستخدام بعض آياته وتحويرها
وإخراجها من قرينتها ومضمونها الأصلي وسياق الكلام، وتصويرها على أنّها
نبوّات عن نبيّ المسلمين دون سندٍ أو دليلٍ!!
ونقول لهؤلاء الكتّاب أنَّ هناك فرقًا بين أسلوب لوي
الحقائق وإخراج الآيات من مضمونها وجوهرها لتبدو في صورة ليست لها!! وبين النبوّات
الحقيقيّة الواضحة المباشرة، سواء في معناها أو في جوهرها أو في وضوح الشخص الذي
تتحدّث عنه بصورة واضحة وصريحة ومباشرة. كما نؤكّد لهم ونكرّر أنَّ الربّ يسوع
المسيح
شرح هذه النبوّات
لتلاميذه وفسّر لهم معانيها، كما بيّنا، وأشار إليها هو وتلاميذه وطبّقوها بدقّة
حسب توقيتها ومناسبتها على شخص الرب يسوع المسيح.
فيما يلي ما استخدمه هؤلاء الكتّاب من آيات:
1- الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة:
قال إشعياء النبي بالروح: "
لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ
سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ. الأَنْبِيَاءُ وَرُؤَسَاؤُكُمُ النَّاظِرُونَ
غَطَّاهُمْ. وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا الْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ السِّفْرِ
الْمَخْتُومِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ الْكِتَابَةِ قَائِلِينَ:
"اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ: " لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُومٌ".
أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ:
" اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ"" (أشعياء29: 10-12).
تصوّر بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ الآية التي تقول: (أَوْ يُدْفَعُ
الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: " اقْرَأْ هَذَا
" فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ)، تُشير إلى مجيء نبيّ أميّ!! فقال
السيد أحمد ديدات " إنَّ اعتكاف محمّد وتعبّده في غار حراء المعروف اليوم بجبل
النور واستجابته لبدء التنزيل وحيًا عن طريق جبريل الملاك إنّما هو إنجاز لهذه
النبوة" (1)!! وقال أحد الكتّاب أنَّ أميّة النبي وكيفية
بدء الوحي إليه لأوّل مرّة موجودة عند أهل الكتاب إلى يومنا هذا، ثم حَرَّفَ في
نصّ الآية ونقلها هكذا " ويدفع الكتاب للأميّ: ويقال له اقرأ هذا أرجوك
فيقول: أنا أمّيّ"!! أي لست بقارئ(2)!!
ونقول لكليهما أنكما سلكتما في طريق خاطئ واتّخذتما منهجًا
خاطئًا، من الأساس، فلا نصّ الآية ولا مضمون الآيات التي وردت بها يفيدانكما في
شيء.
فقد جاءت الآيات في نصّها العبري "
ותהי לכם
חזות הכל
כדברי הספר
החתום
אשׁר־יתנו
אתו אל־יודע
הספר לאמר קרא
נא־זה ואמר לא
אוכל כי חתום
הוא׃
ונתן
הספר על אשׁר
לא־ידע ספר
לאמר קרא
נא־זה ואמר לא
ידעתי ספר".
وترجمتها العربية الحرفية هكذا " فَصَارَت جميعُ
رُؤيَاكُم غامضة كأقوال كتاب مختوم تُناولونه لمنْ يَعْرف القراءة وتقولون
له" " اقرأ هذا " فيُجيب: " لا أقدر لأنَّه مختوم". ثم
تناولونه لمن لا يعرف القراءة وتقولون له: " اقرأ هذا". فيُجيب: " لا أعرف
القراءة".
“ And the
vision of all is become unto you as the words of a book that is sealed, which
men deliver to one that is learned, saying, Read this, I pray thee: and he
saith, I cannot; for it is sealed: And the book is delivered to him that is not
learned, saying, Read this, I pray thee: and he saith, I am not
learned”.
أي أنَّ هذا الحديث الذي وردت به الآية ليس نبوّة عن نبيّ
أميّ ولا غير أميّ،
إنما هو توبيخ من الله لانغماس بني
إسرائيل في الخطية والإثم وعدم فهمهم لأقواله ورؤاه وإعلاناته، كما سبق أن
وبّخهم في بداية السفر قائلًا "
اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيهِ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ
صَاحِبِهِ أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ" (أشعياء1: 3). لذا يقول لهم في
هذه الآيات "
الرب سكب عليكم روح ذهول. وأغمض عيون
أنبيائكم وغطي رؤوس الرائين بينكم فصارت جميع رؤياكم غامضة كأقوال كتاب مختوم
تناولونه لمن يعرف القراءة وتقولون له أقرأ هذا فيجيب لا أقدر لأنّه مختوم. ثم
تناولونه لمن لا يعرف القراءة وتقولون له اقرأ هذا فيجيب لا أعرف القراءة"!! أي لا يستطيع أن يقرأه سواء من كان يعرف القراءة
لأنّه مختوم، ولا من لا يعرف القراءة لأنه لا يعرف القراءة أصلًا سواء كان السفر
مختومًا أو حتى غير مختوم!! هذا هو معنى الآيات لا أكثر ولا أقل ولا يحتمل تفسير
أو تأويل أو معني غير من ذلك!!
(1) أحمد ديدات ص39 و40.
(2) بينات الرسالة :
2- عبد الرب، من هو؟ وما هي صفاته وأعماله؟
ورد في سفر إشعياء مجموعة من النبوّات في الإصحاحات (42 إلى 62)، عن شخص دُعي بـ"عبد الربّ" ولم تذكر له، هذه النبوّات،
اسمًا محددًا،
وقد
أجمع المفسّرون المسيحيّون على أنَّ هذا الشخص المذكور في هذه النبوّات هو الربّ
يسوع المسيح، المسيّا الآتي والمنتظر. كما رأت الغالبية العظمى من الربيّين اليهود،
خاصّة القدماء الذين كتبوا في فترة ما قبل المسيح وما تلاها وحتى القرن الخامس عشر
الميلادي، سواء في التلمود أو
المشناه أو
الجمارا أو المدراش، وكل كتب التقليد
اليهوديّ بكافة أنواعها أن هذا العبد هو "المسيّا"، وعلى سبيل المثال
يقول ترجوم بسيدو يوناثان
Targum
Pseudo Jonathan(3): " ها هو عبدي المسيا، سأقربّه إليّ، مختاري الذي
يتبارك به شعبي".
(1) " العبد الرب الوديع ":
جاء في سفر إشعياء قوله: "
هُوَذَا عَبْدِي
الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي
عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ
يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً
خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. لاَ
يَكِلُّ وَلاَ
يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ
شَرِيعَتَهُ. هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ
وَنَاشِرُهَا بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا
نَسَمَةً وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا. أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ
بِالْبِرِّ فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ
وَنُورًا لِلأُمَمِ لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ
الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ" (أشعياء42: 1-7)
(انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
ويتحدث هذا الإعلان عن دعوة " العبد الوديع " لكي
" يُخرج الحق للأمم " مؤيدا بروح الله، في مهمة لا يمكن أن تفشل. ويقول
رابي ديفيد كيمي
Rabbi David Qimhi" هوذا عبدي أي أنه المسيا
الملك، الذي سيكون مباركًا من الرب ويعمل أعمالًا خارقة" (4)!!
(3) أما إسرائيل فلا
يعرف ص99.
(4) السابق ص99.
ولكن بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين قالوا أنَّ هذه نبوّو
عن نبيّ المسلمين(5)!! مخالفين بذلك
كلّ ما جاء في الكتاب المقدّس ومفهومه عن عبد الربّ!! ولكن عندما نتفحّص هذه النبوّة
وندرسها بعناية على ضوء ما سبق وعلى ضوء بقيّة أسفار الكتاب المقدّس بعهديه نجد
أنَّ الشخص المذكور لا يُمكن أنْ يكون سوى الرب يسوع المسيح وذلك للأسباب التالية:
(1)
أنَّ لقب عبد الرب
المقصود هنا هو لقب المسيح بعد التجسّد فقد قال الكتاب عنه "
لَكِنَّهُ
أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" (فيليبي2: 7)، وهو شخص مختار
من الله "
عَبْدِي
الَّذِي اخْتَرْتُهُ" (إشعياء34: 10)، ليقوم بعمله كما
وصفه الكتاب ب "
حَجَرًا
حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ" (1بطرس2: 4).
(2)
وقد سُرّ الله به
" مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي"، بل وهو
الوحيد الذي خاطبه الله من السماء في العماد وفي التجلي بقوله "هَذَا
هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متي3: 17)، و"
وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ
نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هَذَا هُوَ ابْنِي
الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا" (متي17: 5).
(3)
وهو الذي وضع الله
عليه روحه "
وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ"، أو كما قال
إشعياء بالروح " ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة
روح المعرفة ومخافة الرب"، وقد حل الروح القدس عليه أمام شهود "
وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ
بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ
قَائِلًا: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ!" (لوقا3: 22)، وقال القديس
بطرس بالروح "
يَسُوعُ
الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ
وَالْقُوَّةِ الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ" (أعمال10: 38).
(4)
ولن تكون رسالته
لإسرائيل فقط، كما تصوّر اليهود، بل لجميع الأمم فيخرج الحق للأمم... وأجعلك عهدًا
للشعوب ونورًا
للأمم"، كما قال الرب
(5) المستشار محمد عزت الطهطاوي ص23و24.
(5)
وقد طبّق الرب يسوع
المسيح نفسه هذه النبوّة حرفيًا على نفسه، بقول الكتاب "
فَلَمَّا
خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، فَعَلِمَ
يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ
جَمِيعًا. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ
بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: "هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي
الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ
بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ
صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ
يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ
رَجَاءُ الأُمَمِ" (متي12: 14-21). وبعد هذا
فليستدّ كل فمّ لأن فمّ الرب تكلم، ولا مجال للحديث عن شخص غير المسيح!!
(2) العبد المتألم عن خطايا البشرية:
" أَنَّكُمْ لاَ تَخْرُجُونَ بِالْعَجَلَةِ
وَلاَ تَذْهَبُونَ هَارِبِينَ. لأَنَّ اَلرَّبَّ سَائِرٌ أَمَامَكُمْ وَإِلَهَ
إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُ سَاقَتَكُمْ. هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ يَتَعَالَى
وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا. كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ
مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ اَلرَّجُلِ وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ
بَنِي آدَمَ. هَكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ
مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ وَمَا
لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ" (إشعياء52: 13-15).
" مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ
اِسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ اَلرَّبِّ؟. نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ
أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ
مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ اَلنَّاسِ رَجُلُ
أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ اَلْحُزْنِ وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا مُحْتَقَرٌ
فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا
تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اَلْلَّهِ
وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ
آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا
كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ
عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ
فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى اَلذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ
جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ اَلضُّغْطَةِ وَمِنَ اَلدَّيْنُونَةِ
أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ
أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا
وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا اَلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ
بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ
أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ اَلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى
وَيَشْبَعُ وَعَبْدِي اَلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ
وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ اَلأَعِزَّاءِ
وَمَعَ اَلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ
نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ
فِي اَلْمُذْنِبِينَ" (إشعياء53)
ويقول بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ هذا الإصحاح
نبوّة عن نبيّ المسلمين للأسباب التالية، من وجهة نظرهم طبعًا(6)!!
(1) لأنه ولد في بلاد العرب وكان كعرق من أرض يابسة!!
(2) لأنه دُفن في المدينة فجُعل مع الأشرار قبره!!
(3) لأنه رأى ثمرة أتعابه وعليه تمّت النبوة القائلة من تعب
نفسه يرى ويشبع!!
(4) قيل عنه مع العظماء يقسّم غنيمة وقسّم نبي المسلمين
الغنيمة مع أنصاره!!
(5) تمّت فيه هذه الكلمات سَكَب للموت نفسه في حين أنّهم
يُنكرون موت المسيح ويقولون أنّه ارتفع إلى السماء حيًا!!
ونقول لهؤلاء أنه لا مضمون ولا محتوى النبوّة يمكن أن ينطبق
على أحد غير المسيح، وقد أجمع كل من علماء اليهود والمسيحيين على أنَّ هذا العبد
المتألم هو شخص المسيح، المسيا الموعود والمنتظر الذي سيأتي من إسرائيل لخلاص
البشرية. فهي تقدّم لنا صورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض عن شخص آتٍ بلقب "عبد الرب"، هذا الشخص المُعيّن من الله يرتفع ويتسامَى جدًا فوق البشر، فهو
عبد بار لم يعمل خطية ولم يوجد في فمه غش ومع ذلك يقدّم نفسه ويقدمه الله ذبيحة
إثم، كحمل الله الذي يرفع خطية العالم. كما أنَّه سيتحمل آلام البشرية وأوجاعها
(6)
عن كتاب " هل تنبأ
التوراة أو الإنجيل عن محمد؟ للقمص سرجيوس.
أحزانها، سواء الجسمانيّة أو العقليّة أو النفسيّة، ويُجرح
لأجل معاصينا ويُسحق بالأوجاع والآلام لأجل آثامنا ويُشفينا بجروحه، في صمت ودون
أنْ يفتح فاه، فهو العبد البار الذي بمعرفته يُبرّر كثيرين وخطاياهم هو يحملها على
أساس تقديم نفسه ذبيحة إثم نيابة عن الخطاة، وهو سيشفع في المذنبين ويحمل خطية
كثيرين بموته عن معاصي البشرية. ومع ذلك يُحسب مع الأشرار عند موته: لكنه يفرح في
النهاية مع المؤمنين به. وهذه الأمور لم تتم ولا يمكن أن تنطبق على أي أحد غير
الربّ يسوع المسيح، بل هي في الحقيقة قد تمّت كلها في شخص العبد المتألم ابن الله
المتجسّد الرب يسوع المسيح:
(1) فهو البار الذي أخلى ذاته أخذًا صورة عبد (فيليبي2: 5-11) وجاء في ملء الزمان مولودًا من امرأة(غلاطية4: 4)، وقدم نفسه فدية عن خطايا العالم، يقول الكتاب " يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا" (1يوحنا2: 1-2).
(2) ويؤكّد العهد الجديد، أنَّ هذه النبوّة بحذافيرها تمّت
حرفيًا في الرب يسوع المسيح، " حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ
الْعَالَمِ" (يوحنا1: 29). فقد طبق الرب
يسوع نصّ النبوة كاملًا على نفسه قائلًا " لأَنِّي أَقُولُ
لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هَذَا الْمَكْتُوبُ:
وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ" (لوقا12: 37)، وأيضًا قول
الكتاب " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَ
أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا" (متي8: 17)، وأيضًا " فَتَمَّ
الْكِتَابُ الْقَائِلُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ" (مرقس15: 28). وقال القديس
يوحنا بالروح " لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ:" يَا رَبُّ
مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ لِهَذَا لَمْ
يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا: قَدْ أَعْمَى
عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ
وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا
حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ " أي مجد المسيح(يوحنا12: 38-41).
كما طبقها عليه تلاميذه في كرازتهم، وأما فصل الكتاب الذي
كان يقرأه الخصيّ الحبشيّ فكان هذا " مِثْلَ شَاةٍ
سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ
هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. فِي تَوَاضُعِهِ انْتَزَعَ قَضَاؤُهُ وَجِيلُهُ مَنْ
يُخْبِرُ بِهِ لأَنَّ حَيَاتَهُ تُنْتَزَعُ مِنَ الأَرْضِ؟" (أعمال8: 32-33). وكذلك القديس
بولس بالروح " لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ
خَبَرَنَا؟" (رومية10: 16). وقال القديس
بولس بالروح " هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً
لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ
لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" (عبرانيين9: 28)، وأيضًا " الَّذِي
أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رومية4: 25). " فَإِنَّنِي
سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ
الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ" (1كورونثوس15: 3)، " لأَنَّهُ
جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ
بِرَّ اللهِ فِيهِ" (2كورونثوس5: 21). وقال القديس
بطرس بالروح " فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً
مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا
إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ" (1بطرس3: 18).
(3) إنَّ قوله " عَلَى أَنَّهُ
لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا اَلرَّبُّ فَسُرَّ
بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى
نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ اَلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ". لا يناسب
نبي المسلمين كيفما كانت الحالة، كما أنه لم يقدّم نفسه ذبيحة إثم ولا يوجد في
الإسلام نظام الذبائح الموجود في الشريعة اليهودية ولا فكر الفداء الموجود في
المسيحية. وقد أكّد الكتاب أن المقصود هنا هو الرب يسوع المسيح فقال القديس بطرس
بالروح " الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ
عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي
بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لَكِنَّكُمْ
رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا" (1بطرس2: 24-25).
(4) أما من حيث كونه يقسّم غنيمة فليس المقصود بها غنائم
الحروب، فالآية تصرّح بأنَّ ذلك يتم بعد موته وتمّ ذلك فعلًا للمسيح بمعنى روحي
أكمل وأعظم لأنَّ بعد موته وصعوده حالًا ابتدأ الناس من كافة الأمم والشعوب يؤمنون
به ويحبونه كفاديهم وإلههم وليس هناك غنيمة أعظم من أن نكون مع المسيح.
(5) أمّا كون نبي المسلمين قد دُفن في المدينة وليس في مكة
ومن أجل ذلك جُعل مع الأشرار قبره فلا ندري لأي سبب اعتبروا المدينة شريرة مع أنَّ
أهلها الأنصار هم الذين دافعوا عنه جهد استطاعتهم في حين أنَّ أهل مكة رفضوه
وناصبوه العدوان!! ولم يقل أحد أنَّ أهل المدينة الذي ناصروه ونصروه كانوا من
الأشرار!! وهذا يتناقض ويخالف ما جاء في سورة
التوبة الآيتين100و117:"
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ...
لَقَد تَّابَ الله
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي
سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ
مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " ولا
تعليق!! أما المقصود بقوله " وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ " فهو صلب
المسيح بين لصين ودفنه في قبر أناس لم يكونوا قد أعلنوا إيمانهم به (متي27: 38و57-60).
(6) وأخيرًا نؤكد أنَّ كل جزئيات هذه النبوة تمّت في المسيح
ولا يُمكن تطبيقها على
نبي المسلمين ولا تتفق مع أسلوبه ولا طريقة حياته وأسلوب
دعوته، فهو لم يحمل خطية أحد ولم يقدّم نفسه فدية عن أحد ولم يغفر خطية أحد، كما
يقول القرآن "
اسْتَغْفِرْ
لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة80)، و"
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ" (محمد19). كما أنَّ شريعته
لا تعرف نظام الفداء إنما القصاص والحدود " فَإِذَا انسَلَخَ
الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ
وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ
وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ
اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (التوبة5)، ولم يكن كشاه
تساق للذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها بل كان مقاتلًا ورجل حرب كما جاء في كتب
الأحاديث والسيرة. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "
عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم قال: "
أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاة، فإذَا فَعَلُوا ذلكَ
عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ،
وَحِسابُهُمْ على اللّه تعالَى" رويناه في صحيحيهما البخاري ومسلم وسنن
أبي داود، وسنن النسائي، وسنن الترمذي، وشرح مسند ابن حنبل، وغيرهم الكثير من
المراجع الأصولية ومن أهمها السيوطى في الجامع الصغير الذي أقرّ بصحة هذا الحديث
المتواتر وأضاف "
هذا الأمر هو عام مخصوص، خص
منه من أقر بالجزية كما ذكره المناوي، وعليه الإجماع وعمل الأمة، فليتنبه". وقال أيضًا
نبي المسلمين"
بعثت
بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالَى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل
رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم " [ أخرجه أحمد وابن داود
].
(7) كما أجمع علماء اليهود عبر تاريخهم السابق للمسيح واللاحق له أنَّ هذا الإصحاح نبوّة عن المسيا المنتظر، وقد لخّص القمّص صموئيل البرموسي في كتابه "أمّا إسرائيل فلا يعرف"خلاصة رأي علماء اليهود كالآتي "كل الرابيين ما عدا راشي – بلا استثناء (الذي رأى أنَّ العبد المتألم هو شعب إسرائيل) يرون أنَّ هذه المقاطع من سفر إشعياء تصف آلام المسيّا كشخص فرديّ". ويُضيف أنَّه جاء في ترجوم يوناثان الذي يعود للقرن الأول "هوذا عبدي المسيّا يعقل.." كما أنَّ الرابّي دون أتسحاق (حوالي 1500 م.) يقر و" يقول بدون تحفّظ، أنَّ غالبية الرابيّين في مدراشهم يقرّون أنَّ النبوّة تشير إلى المسيّا " وقال الرابّي سيمون ابن يوخيا من القرن الثاني الميلادي [ في جنّة عدن يوجد مكان يسمَّى " مكان أبناء الأوجاع والآلام". في هذا المكان سيدخل المسيّا ويجمع كلّ الآلام والأوجاع والتأديبات التي لشعب إسرائيل، وكلذها ستوضع عليه، وبالتالي يأخذها لنفسه عوضًا عن شعب إسرائيل. لا يستطيع أحد أن يخلص إسرائيل من تأديباته لعصيانهم الناموس. إلا هو، المسيا. وهذا هو الذي كُتب عنه لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها" ]. وينقل عن تلمود بابل، أنَّ المتألّم [ هو "المسيا" ما هو اسمه..؟ أنه عبد يهوه المتألم". كما قيل عنه " لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها " ]. ومسجّل في كتاب الجلجاليم ["هوذا المسيا الملك يعقل يتعالَى ويرتقي ويتسامَى جدًا" ويقول علماؤنا الرابيون: "سيكون أعلى من إبراهيم ويتسامَى فوق آدم"]. أما مدراش كوهين حينما يشرح إشعياء 53: 5، يضع الكلمات التالية على فم إيليا النبي، حيث يقول إيليا للمسيا [ أنت أبرّ من أن تتألّم وتُجرح. كيف كلّيّ القدرة يُعاقب هكذا من أجل خطايا إسرائيل، ويُكتب عنك " مجروح لأجل معاصينا. مسحوق لأجل آثامنا". إلى أن يحين الوقت حيث تأتي نهاية الأمم ]. ويقول رابي يافيث ابن عالي " بالنسبة لرأيي فأنا أنحاز إلى رابّي بنيامين النهاوندي في تفسره لهذا الإصحاح كونه يشير إلى المسيا. فالنبي إشعياء يريد أن يُفهمنا شيئين: في المرحلة الأولى إن المسيا هو الوحيد الذي سيصل إلى أعلى درجة من الكرامة والمجد، لكن بعد محن طويلة ومريرة، ثانيًا: هذه المحن ستوضع عليه كعلامة، لدرجة لو وجد نفسه تحت نير هذه المحن وظلّ مطيعًا وتقيًا في تصرفاته وأفعاله، يُعرف أنَّه هو المختار... والتعبير " عبدي " يعود إلى المسيا". وفي كتاب " Bereshith Rabbah"، يقول مؤلفه رابي موشى هادرشان، أنَّ القدوس أعطى فرصة للمسيا أن يخلص النفوس، ولكن بضربات وتأديبات عديدة، يقول [... على الفور قبل المسيا تأديبات وضربات المحبّة، كما هو مكتوب " ظلم أم هو فتذلل ولم يفتح فاه"... عندما أخطأ شعب إسرائيل، طلب المسيا لهم الرحمة والمغفرة. كما هو مكتوب "وبحبره شفينا" وقوله "وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين"].
3- ترنيمة جديدة للمؤمنين باسمه:
وقال إشعياء بالروح أيضًا " غَنُّوا
لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى اَلأَرْضِ. أَيُّهَا
اَلْمُنْحَدِرُونَ فِي اَلْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَاَلْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا،
لِتَرْفَعِ اَلْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا اَلدِّيَارُ اَلَّتِي سَكَنَهَا
قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ اَلْجِبَالِ
لِيَهْتِفُوا. لِيُعْطُوا اَلرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي
اَلْجَزَائِرِ. الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ
غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ" (إشعياء42: 10-13).
ولأنَّ هذه الآيات وردت بها كلمة قيدار إحدى قبائل العرب
فقد ظنّ الإخوة المسلمون أنَّ هذه الآيات المذكورة فيها "قيدار" نبوّة
عن نبيّ المسلمين وأنَّ الترانيم الجديدة المنوّه عنها هي كناية عن اعتناق قبائل
العرب للإسلام
(7)!! وقال بعضهم أنَّ
الترنيمة الجديدة هي " شريعة جديدة " في البلاد التي سكنها قيدار "ابن إسماعيل" وهذا إشارة إلى شريعة الإسلام التي جاء بها محمد
الذي هو من
نسل إسماعيل. وأنَّ تمجيد الربّ والإخبار بتسبيحه من الجزائر إشارة إلى الآذان
(7) هيمنة القرآن المجيد
ص 98- 108. وأظهار الحق ص 221و222.
ولكنا نؤكّد بحسب مضمون الكتاب المقدس ومفهومه وأسلوب الوحي
فيه أنَّ هذه النبوة لا تخصّ الإسلام ولا نبي المسلمين، وذلك للأسباب الآتية:
(1)
لأن الأغاني
الروحية والتسابيح هي من صميم العبادة اليهوديّة والمسيحيّة اللتين تقومان في
الأساس على ذلك، يقول المرنّم في العهد القديم "هَلِّلُويَا.
سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى
قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ
الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفٍّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ
بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ
بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا" (المزمور150). ويقول القدّيس
بولس بالروح "
مُكَلِّمِينَ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ،
مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ" (أفسس5: 19). وأيضًا "لِتَسْكُنْ
فِيكُمْ كَلِمَةُ اَلْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ
وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ
رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ" (كولوسي3: 16). كما يرنم
السمائيون أيضًا ويُسبّحون الآب والابن وهم يترنّمون ترنيمة جديدة قائلين "
وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً
قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ
(أيها الحمل–
المسيح) أَنْ تَأْخُذَ اَلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ
ذُبِحْتَ وَاِشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ
وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلَهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ
عَلَى اَلأَرْضِ. ونَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ
اَلْعَرْشِ وَاَلْحَيَوَانَاتِ وَاَلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ
رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ،
قَائِلِينَ
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مُسْتَحِقٌّ هُوَ اَلْحَمَلُ اَلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ
اَلْقُدْرَةَ وَاَلْغِنَى وَاَلْحِكْمَةَ وَاَلْقُوَّةَ وَاَلْكَرَامَةَ وَاَلْمَجْدَ
وَاَلْبَرَكَةَ. وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي اَلسَّمَاءِ وَعَلَى اَلأَرْضِ
وَتَحْتَ اَلأَرْضِ، وَمَا عَلَى اَلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا
قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى اَلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ اَلْبَرَكَةُ
وَاَلْكَرَامَةُ وَاَلْمَجْدُ وَاَلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ اَلآبِدِينَ. " (رؤيا5: 9-13).
(2)
كما لا يمكن أن
تشير الترانيم إلى شيء في الإسلام ولا هي معروفة عن المسلمين، مثلما هي عند
المسيحيين واليهود. بل تقوم العبادة الإسلامية في
(3)
كما أن قيدار ليست
مذكورة دائمًا بما يُرضي هؤلاء الكتاب، يقول الكتاب بالروح "وَيْلِي لِغُرْبَتِي فِي مَاشِكَ لِسَكَنِي
فِي خِيَامِ قِيدَارَ! طَالَ عَلَى نَفْسِي سَكَنُهَا مَعَ مُبْغِضِ السَّلاَمِ.
أَنَا سَلاَمٌ وَحِينَمَا أَتَكَلَّمُ فَهُمْ لِلْحَرْبِ" (مزمور120: 5-7)، "فَإِنَّهُ
هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ
يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ، وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي
قِيدَارَ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ" (إشعياء21: 16-17)، "
كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ.
كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ" (إشعياء60: 7)، "
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ. قُومُوا اصْعَدُوا
إِلَى قِيدَارَ. اخْرِبُوا بَنِي الْمَشْرِقِ" (إرميا 49: 28).
(4)
وليس من المحتّم أن
تشير قيدار إلى الإسلام وإن كانت من قبائل العرب لأنَّ من المؤكّد أنَّ كثيرًا من
قبائل العرب كانت قبل الإسلام، تُدين بالدين المسيحي مثل قبيلة حمير وغسان وربيع
ونجران والحيرة!! وتشير بقية الآيات إلى انتشار الديانة المسيحية سواء في بلاد
العرب أو في جزائر البحر (الآية 10).
(5)
كما أنَّ الاحتجاج
بانطباق النبوّة على نبي المسلمين بالقول أنَّ سالع هي مكة أكبر خطأ تاريخي
وجغرافي فهناك معجم البلدان، أطلس المدن والمواقع العربية للجزائري وكلاهما
يقولان: إنَّ سالع منطقة ذو جبال صخرية توجد في الشام وبالتحديد في منطقة بالأردن
تسمَّى البتراء اليوم. ولا علاقة نهائيًا بين مكّة وسالع ولا تشابه حتى من النوع
الذي قد يقترب من الشك.
4- ترنّمي أيتها العاقر المستوحشة:
"
تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ.
أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ لأَنَّ بَنِي
الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ قَالَ الرَّبُّ" (أشعياء54: 1).
ظنَّ بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ هذه الآية نبوّة
تشير إلى نبيّ المسلمين ومكة باعتبار كونه من ذرية إسماعيل وأن يزداد أتباعه عن
أتباع أنبياء إسرائيل!!
وقال الشيخ رحمه الله الهندي "إن المراد بالعاقر مكّة لأنَّه لم يظهر منها
نبيّ بعد إسماعيل ولم ينزل فيها وحي بخلاف أورشليم، وبنو المستوحشة إشارة إلى
أولاد هاجر لأنّضها كانت بمنزله المطلقة". وقال عما ورد في (الآية 12) قوله "هَئَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ
وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ"(8)!!
ولهذه الآية معنيان؛ معنًى حرفيّ ومعنًى روحيّ، فالحرفي هو
أنَّ بني إسرائيل سيُعتقون من أسر بابل ويُرَدّون إلى أورشليم وتمّت هذه النبوة
بالمعنى الحرفيّ المذكور في أيام كورش ملك فارس سنة 536 ق م " وَفِي
السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ
بِفَمِ إِرْمِيَا نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ
نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا قَائِلًا: هَكَذَا قَالَ
كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ
إِلَهُ السَّمَاءِ وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ
الَّتِي فِي يَهُوذَا. مَنْ مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِهِ لِيَكُنْ إِلَهُهُ
مَعَهُ وَيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا فَيَبْنِيَ بَيْتَ
الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. هُوَ الإِلَهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ " (عزرا1: 1-3).
والمعنى الروحي شرحه القديس بولس بالروح "
قُولُوا لِي، أَنْتُمُ اَلَّذِينَ تُرِيدُونَ
أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ اَلنَّامُوسِ، أَلَسْتُمْ تَسْمَعُونَ اَلنَّامُوسَ؟
فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ
لإِبْرَاهِيمَ اِبْنَانِ، وَاحِدٌ مِنَ اَلْجَارِيَةِ وَاَلآخَرُ مِنَ
اَلْحُرَّةِ. لَكِنَّ اَلَّذِي مِنَ اَلْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ اَلْجَسَدِ،
وَأَمَّا اَلَّذِي مِنَ اَلْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ. وَكُلُّ ذَلِكَ رَمْزٌ،
لأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا اَلْعَهْدَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ
اَلْوَالِدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، اَلَّذِي هُوَ هَاجَرُ. لأَنَّ هَاجَرَ جَبَلُ
سِينَاءَ فِي اَلْعَرَبِيَّةِ. وَلَكِنَّهُ يُقَابِلُ أُورُشَلِيمَ اَلْحَاضِرَةَ،
فَإِنَّهَا مُسْتَعْبَدَةٌ مَعَ بَنِيهَا. وَأَمَّا أُورُشَلِيمُ اَلْعُلْيَا،
اَلَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعًا، فَهِيَ حُرَّةٌ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: {افْرَحِي
أَيَّتُهَا اَلْعَاقِرُ اَلَّتِي لَمْ تَلِدْ. اِهْتِفِي وَاُصْرُخِي أَيَّتُهَا
اَلَّتِي لَمْ تَتَمَخَّضْ، فَإِنَّ أَوْلاَدَ اَلْمُوحِشَةِ أَكْثَرُ مِنَ
اَلَّتِي لَهَا زَوْجٌ.
(8) إظهار الحق؛ ج2ص 222-225.
وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ فَنَظِيرُ إِسْحَاقَ،
أَوْلاَدُ اَلْمَوْعِدِ. وَلَكِنْ كَمَا كَانَ حِينَئِذٍ اَلَّذِي وُلِدَ حَسَبَ
اَلْجَسَدِ يَضْطَهِدُ اَلَّذِي حَسَبَ اَلرُّوحِ، هَكَذَا اَلآنَ أَيْضًا. لَكِنْ
مَاذَا يَقُولُ اَلْكِتَابُ؟ { اطْرُدِ اَلْجَارِيَةَ وَاِبْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ
يَرِثُ اِبْنُ اَلْجَارِيَةِ مَعَ اِبْنِ اَلْحُرَّةِ.
إِذًا أَيُّهَا
اَلإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ اَلْحُرَّةِ" (غلاطية4: 21-31). حيث تمّ عندما رجعت
الأمم عن
عبادة الأصنام التي دانوا لها من قديم الزمان إلى عبادة الله قبلوا إنجيل
المسيح ومن غريب الاتفاق أنَّ بولس قرّر في
هذا الإصحاح عدم أفضلية بني هاجر على بني سارة الروحيّين عدا حرمانهم من الميراث.
5- الآتي من أدوم بثيابٍ حمر:
جاء في سفر إشعياء قوله بالروح القدس "مَنْ ذَا الآتِي
مِنْ أَدُومَ بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هَذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ.
الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. " أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ
الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ". مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ وَثِيَابُكَ
كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟ " قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي وَمِنَ
الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي وَوَطِئْتُهُمْ
بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي.
لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ.
فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ
فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي وَغَيْظِي عَضَدَنِي. فَدُسْتُ شُعُوبًا بِغَضَبِي
وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي وَأَجْرَيْتُ عَلَى الأَرْضِ عَصِيرَهُمْ" (إشعياء63: 1-6).
يقول بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ المحارب المشار
إليه في هذه الآيات هو نبيّ المسلمين بدليل أنَّه من حملة السيف ويظنون أنَّ بصرة
المذكورة هنا هي مدينة بصرة الشهيرة!!
غير أننا نجد في العدد الأول أنَّها من بلاد أدوم وتدعى
اليوم البصيرة واقعة على مسافة قصيرة من جنوب
البحر الميت. ثمّ إذا قابلنا (الآية 5)
من هذا الإصحاح مع (إشعياء 59: 15و16) نجد أنَّ المحارب المشار إليه هو رب الجنود
الذي انتقم
من أدوم على خطاياها وورد مثل هذا الوصف في (رؤيا19: 11-16)،
حيث يظهر ذلك المحارب إنما هو كلمة الله الذي سيعاقب الفجّار ويهزمهم نهائيًا ويضع
كل أعدائه تحت قدميه (1كورونثوس 5: 25).
6- بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد:
" أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا.
وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: "هَئَنَذَا هَئَنَذَا" لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي. بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى
شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ.
شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِمًا يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ وَيُبَخِّرُ
عَلَى الآجُرِّ. يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ
لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. يَقُولُ: "
قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ". هَؤُلاَءِ
دُخَانٌ فِي أَنْفِي. نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ. هَا قَدْ كُتِبَ
أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ" (إشعياء65: 1-6).
قالوا أنَّ هذه الآيات نبوّة عن اهتداء العرب إلى الإسلام
والآيات التي بعدها تنبئ عن خطايا اليهود والنصارى التي بسببها رفضهم الله
(9)!!!
والحقيقة هي أنَّ (الأية1) نبوة عن اهتداء كثير من الأمم
إلى المسيح ولو أن الآيات من (2 إلى6) تذكر خطايا اليهود ولكن من (الآية 8) يصرّح أن الله لا
يرفض شعبه المحبوب رفضًا نهائيًا بل يعود ويقبلهم. ثم إشعياء يتجاسر ويقول وجدت من
الذين لم يطلبوني وصرت ظاهرا للذين لم يسألوا عنّي. أمّا من جهة إسرائيل فيقول طول
النهار بسطت يدق إلى شعب معاند ومقاوم فأقول ألعل الله رفض شعبه. حاشا... لم يرفض
الله شعبه الذي سبق فعرفه (رومية10: 20-20؛ 11: 1-2). ولم يرد هنا شيء
بخصوص المسيحيين ولا عن نبي المسلمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ytynp55