بعد أنْ زاغت البشريّة واتّجهت
لعبادة الأصنام، سواء مع الله، أي
أشركوا به، أو من دون الله، أي عبدوها كآلهة أو كما يقول
الكتاب المقدّس "
الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اَلْلَّهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا
وَعَبَدُوا اَلْمَخْلُوقَ دُونَ اَلْخَالِقِ اَلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى
اَلأَبَدِ" (رومية1: 25). كان
الله قد رتب، بحسب مشورته الإلهيّة وعلمه السابق، أنْ يحفظ لنفسه شعبًا مختارًا
يؤمن به ولا يحيد عن عبادته لكي يأتي منه، بحسب ما سبق أن عينت ورتبت مشورته
الإلهيّة، نسل تتبارك به جمع القبائل والأمم والشعوب في وقت سبق أن عينه أسماه
" مِلْءِ
اَلزَمَانِ" (غلاطية4: 4).
1- وعد الله لإبراهيم:
ومن ثم طلب الله من إبراهيم أبي الآباء أن يترك أرضه وعشيرته، في أور
الكلدانيين فيما بين النهرين، ويذهب إلى أرض كنعان ليكوّن فيها أمّة ويأتي منه نسل
تتبارك به جميع الأمم ويرد العالم إلى عبادة الله الحي ويعود به إلى الفردوس
الذي سبق أن خرج منه " وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ:
اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى
الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ
وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ
أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ
جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ
" (تكوين12: 1-3). فأتى وسكن في حاران، وفي سن الخامسة
والسبعين خرج إبراهيم ومعه لوط ابن أخيه من حاران إلى أرض كنعان (أعمال الرسل7: 1-4).
2- إبراهيم وأبنائه الثمانية وبركة اسحق:
وقد أنجب إبراهيم فما بعد ثمانية أبناء، حسب تسلسل مواليدهم، إسماعيل
ابن هاجر الجارية المصرية، واسحق ابن زوجته سارة، وزمران ويقشان ومدان
ومديان
ويشباق وشوحا أبناء قطّورة (تكوين25: 2)
التي تزوجها بعد وفاة سارة. فهل كانت البركة الموعودة في قوله لإبراهيم
تَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ
قَبَائِلِ الأَرْضِ
ستتحقق
من خلال جميع هؤلاء، كأبناء إبراهيم، أم من خلال واحد منهم فقط؟. والإجابة هي من
في خلال واحد منهم فقط. والسؤال من خلال من منهم ستكون هذه البركة؟ ويجيب الكتاب
من خلال أبنه اسحق، وليس كل أبناء اسحق، بل من خلال ابنه يعقوب. وهذا ما أكده
الكتاب حيث يقول " بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا
غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ
مَعَهُ
لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ" (عبرانيين11: 9). وجاء في القرآن أيضًا "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي
ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا
وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ" (العنكبوت27).
وقد ظهر الله لإبراهيم في رؤيا، قبل أنْ يُولد إسماعيل واسحق، وقطع معه
عهدًا على أساس أنَّ هذا الوعد مرتبط بالأرض، أرض كنعان، التي سيذهب إليها إبراهيم
ونسله المقصود، والتي ستكون المقر والمصدر الذي سيخرج منه من سيأتي بالبركة. وأنه
سيسبق دخوله أرض كنعان البقاء، بقاء هذا النسل، تحت نير العبودية في مصر مدة
أربعمائة سنة يقول الكتاب " فَقَالَ (الله) لأَبْرَامَ: اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ
نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ
فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ
سَنَةٍ. ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا....
وَفِي الْجِيلِ
الرَّابِعِ يَرْجِعُونَ إِلَى هَهُنَا لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ
لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلًا..... فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ
الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ
مِيثَاقًا قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى
النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ
الْفُرَاتِ" (تكوين15: 13-18).
وكان بقاء نسل إبراهيم في أرض كنعان مرتبطًا بمجيء من ستتبارك جميع الأمم بمجيئه وقد تحقق ذلك في مجيء الرب يسوع المسيح الذي طرد اليهود من الأرض بعد صعوده إلى السماء بحوالي 40 سنة.
3- هل
يستحيل على الله شيء؟
كان إبراهيم
وزوجته لا يُنجبان عندما أعطاهما الله هذا الوعد، في أور
الكلدانيّين، فانتظرا تحقيق هذا الوعد سنوات طويلة، ولأنَّ إرادة الله شاءت أنْ
يحقق وعده لإبراهيم بمعجزة عجيبة وباهرة، فقد تأخّر هذا الوعد أكثر مما توقعا،
ووصل سنّ سارة إلى حوالي سن الخامسة والسبعين وظلّت كما هي عاقر، فأشارت على
إبراهيم أن يدخل بجاريتها المصرية هاجر، حسب العادات البشرية التي كانت مُتبعة في
زمانها، ليُنْجِب منها ابنًا لأنَّها تصوّرت أنَّها لنْ تُنجب في شيخوختها طالما
أنَّها لم تُنجب في شبابها "
أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي
تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ!" (تكوين 18: 12)، غير مدركه لوعد الله لإبراهيم. وسمع
إبراهيم لكلامها!! فقد يتحقق وعد الله الذي وعد به!! فهل يعجز الله عن تحقيق وعوده
حتى يتصوّر بشر ما أنَّه سينجح فيما تصور، الإنسان، أنَّ الله فشل فيه؟!!
فأنجب إبراهيم من هاجر اِبنًا دعاه إسماعيل (تكوين6: 1-15). ولكنه لم يكن هو ابن الموعد والوعد
الذي وعد الله به إبراهيم لأنَّ وقت ميلاده الذي كان مقررًا حسب مشورة الله
الأزليّة وعلمه السابق لم يكنْ قد حان بعد. وكان إسماعيل ابن المشورة البشرية وليس
ابن الموعد المقصود بحسب إرادة الله ومشورته وعلمه السابق، فلم يشر الله على
إبراهيم أن يدخل على هاجر وإنما كانت هذه مشورة سارة والتي لم تكنْ بحسب إرادة
الله ولا صلة لها بمواعيده!! سمع إبراهيم لسارة ولم ينتظر وعد الله الذي يحقق
مواعيده بحسب إرادته الإلهية!! ولنا هنا سؤال جوهري وهو " هل كان الله عاجزًا
عن تحقيق وعوده لإنسان حتى يتصوّر، الإنسان، أنَّه يحقق لله ما تصوّر أنْ عجز
عنه؟!! وهل يزعم أحد أنَّه أدرك فكر الله أو طرقه أو أنه فهم ما يدور في مشورته
الإلهية، يقول الكتاب:
"
يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ
أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ
فِكْرَ
الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ
لأنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ.
آمِينَ" (رومية11: 33-36) (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
كانت مشورة سارة، البشريّة، شيء وإرادة الله شيء آخر. كانت إرادة الله
أنْ يُولد اِبن الموعد، الذي ستمتدّ في ذرّيته النبوّة ويأتي منه النسل الموعود
الذي ستتبارك به جميع
البشريّة،
ويأتي بمعجزة، فقد أراد الله أنْ تحبل به العاقر وتلده العجوز المُسِنّة في سن
التسعين سنة!!
وفي الوقت المعيّن، حسب مشورة الله الأزليّة وعلمه السابق، حقق الله
وعده لإبراهيم وأعطاه إسحق من زوجته سارة وهو في سنّ المئة وهو في سنّ التسعين
(تكوين16: 17). وأكّد له أنَّ عهده سيُقيمه مع اسحق
وسيكون عهدًا أبديًا مع نسله من بعده، أمّا إسماعيل فقد وعد الله أنْ يُباركه من
جهة العدد وسيكون أمّة عظيمة في العدد لأنَّه ابن إبراهيم. فبعد أنْ وُلد إسماعيل
وصار له ثلاث عشرة سنة قال الله لإبراهيم " فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ
اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْنًا وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ
عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا
إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ
وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ
أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي
تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ" (تكوين17: 19-21).
وعندما أكد الله لإبراهيم على حتميّة ميلاد إسحق في الموعد المعيّن
بحسب مشورته الأزليّة ضحك إبراهيم لأنَّه لم يتصوّر أنَّ امرأته ذات التسعين عامًا
والعاقر التي لم تلد في شبابها يُمكن أنْ تلد!! وقال لله " وقال إبراهيم لله
ليت إسماعيل يعيش أمامك!!"، ولكن الله أكّد له أنَّ " غَيْر المُسْتَطَاعِ عِنْدَ
اَلنَاسِ مُسْتَطاع عِنْدَ اَلله" (لوقا18: 27). وأنَّ ما سبق أنْ وعده به لابد أنْ
يُحقّقه هو بنفسه. كما استغربت سارة أيضًا التي لم تستوعب فكر الله وحتمية تحقيق
وعده وضحكت عندما عاد الله ليؤكّد ما سبق أنْ وعد
به
ويحدّد الموعد، موعد ولادة ابن الموعد " قَالَ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ
نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِِِمْرَأَتِكَ اِبْنٌ.
وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ، وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ وَقَدِ
اِنْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ. فَضَحِكَتْ سَارَةُ
فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي
قَدْ شَاخَ! فَقَالَ اَلرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ
قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟ هَلْ يَسْتَحِيلُ
عَلَى اَلرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي اَلْمِيعَادِ أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ
اَلْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِبْنٌ" (تكوين18: 10-14).
كان إسحق، المولود بمعجزة إلهية، هو اِبن الموعد الإلهي وصاحب العهد
مع الله أمّا إسماعيل فكان اِبن العادات والتقاليد والمشورة البشريّة التي أشارت
بها سارة على إبراهيم وعانت هي وإبراهيم بل وهاجر أيضًا بسببها.
وعندما امتحن الله إبراهيم وطلب منه أن يُصْعِد اِبنه اسحق محرقة على
جبل المريا وأطاع إبراهيم الله ومدّ يده وأخذ السكين ليذبح اِبنه إسحق ظهر له ملاك
الربّ وقال له لا تمد يدك على الغلام وقدّم له كبشًا فدية عن اسحق " نَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ
إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ
الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ
اِبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا
كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ
نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ
اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تكوين22: 15-18). وهنا يتكّلم الله عن إسحق باعتباره
ابن إبراهيم الوحيد بالرغم من أنَّه أصغر من إسماعيل لأنَّه ابن الموعد يقول
الكتاب "
بِالإِيمَانِ قَدَّمَ
إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ
الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى
لَكَ نَسْلٌ" (عبرانيين11: 17،
18).
4-
تأكيد الوعد لإسحاق:
وبعد وفاة إبراهيم أكد الله هذا الوعد عينه لإسحق يقول الكتاب "
وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ اللهَ بَارَكَ
إِسْحَاقَ اِبْنَهُ" (تكوين25: 11)، وأعطاه البركة وأكّد له الوعد من
جديد: "
وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ
وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ.
تَغَرَّبْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ لأَنِّي لَكَ
وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي
أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ
وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ
أُمَمِ الأَرْضِ" (تكوين26: 2-4).
5- تأكيد الوعد ليعقوب:
وأنجب إسحق يعقوب وعيسو من رفقة في بطن واحدة وكان الله في سابق علمه
ومشورته الأزليّة قد اختار يعقوب وحدة ليأتي منه النسل الموعود وتمتدّ في ذرّيته
النبوّة "
يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ
يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ" (ملاخي1: 2،
3). ومن ثمّ فقد
جدّد الله الوعد ليعقوب قائلًا " وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ
إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ
مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ
الأَرْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشِمَالًا وَجَنُوبًا. وَيَتَبَارَكُ
فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" (تكوين28: 13، 14).
وبعد يعقوب بعدة أجيال تنبّأ بلعام بن بعور عن هذا النسل الموعود والفادي المنتظر
قائلًا بالروح القدس "
أَرَاهُ وَلكِنْ ليْسَ الآنَ.
أُبْصِرُهُ وَلكِنْ ليْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ
وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ
كُل بَنِي الوَغَى" (عدد24: 17).
6-
بركة إبراهيم للأمم في المسيح:
وأكد الكتاب المقدّس بعهديه أنَّ بركة للأمم هي في الرب يسوع المسيح،
يقول المرنّم بالروح "
أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ
الْبَرِّيَّةِ وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ.
مُلُوكُ تَرْشِيشَ
وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ
هَدِيَّةً وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ....
يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ.
وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ" (مزمور27: 9-17). وهذا ما تحقّق حرفيًا في الرب يسوع
المسيح الذي قدّم له المجوس الهدايا وسجدوا له وانتشر اسمه في كل الأمم سواء بين
المسيحيين أو المسلمين أو بعض الأديان الأخرى التي تعترف بأنَّه كلمة الله وروح
منه وتعترف بمعجزاته الثي فاقت كل حدود البشر حتى وصلت إلى مقدرته إنزال
الطعام من
السماء وعلى الخلق وعلم الغيب!!
وقال القدّيس بطرس بالروح لشيوخ وعامّة اليهود " أَنْتُمْ أَبْنَاءُ
الأَنْبِيَاءِ وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلًا
لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ.
إِلَيْكُمْ أَوَّلًا إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ
يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ" (أعمال الرسل3: 25، 26).
وقال القديس بولس بالروح " وَالْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى
أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ
فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ ألأُمَمِ... لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ
لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ... وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ... لاَ يَقُولُ وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ
عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ. وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي
هُوَ الْمَسِيحُ" (غلاطية3: 8، 17).
7-
القول بأن البركة من إسماعيل (1):
ولكن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين أخذوا بعض الآيات من أحاديث الله
مع إبراهيم وهاجر واقتلعوها من جذورها وقطعوها عمّا قبلها وما بعدها وأخرجوها عن
سياقها وقرينتها وموضوعها الأصلي ليوحوا بأنَّ هناك بركة لإسماعيل وهذه البركة
تعني نبوة قادمة في نبي من غير بني إسرائيل!!
(1) فقالوا تعليقا على قول الله لإبراهيم في (تكوين12: 1-3) أنَّ إبراهيم الذي هو بطريرك التوحيد
والأب المشترك لكلٍّ من اليهود والمسيحيّين والمسلمين، أنجب من خلال ابنه الثاني
إسحق كل الأنبياء الإسرائيليين مثل يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان ويسوع. وكان
مجيء هؤلاء الأنبياء هو الإتمام الجزئي لوعد الله هذا. ويتضمّن هذا الوعد أيضًا
الإسلام الذي يؤمن بهؤلاء الأنبياء ويُقدّرهم.
(1) أنظر على سبيل المثال؛ كتاب
" الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى"
للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي، ص
199و220. وكتاب " تحفة الأريب فى الردّ على أهل الصليب" للقس إنسلم
تورميدا، تقديم وتحقيق وتعليق دكتور محمود على حماية، ص 133و134. وكتاب "
أشهد للمسيح والمسيح يشهد معي..!" أحمد أبو الخير، ص 214. وكتاب "
حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة " علي الجوهري، ص 11. وكتاب " محمد
نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن" المستشار محمد عزت الطهطاوي، ص
16و17.
هذا غير المؤلفات التى وضعت علن
شبكة الإنترنت على مواقع مثل " ابن مريم، وللمسيحيين فقط، والمسيحيّة في
الميزان، والحوار الإسلامي المسيحي، والأجوبة الجلية في الرد على المسيحية، ومواقع
كل من جمال بدوى، وقيس علي، وصابر علي،
وسيف الله وغيرهم.
(2)
واستشهدوا بحوار الملاك مع هاجر عندما هربت من سيدتها سارة " فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ
عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ
شُورَ. وَقَالَ: يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ وَإِلَى
أَيْنَ تَذْهَبِين؟. فَقَالَتْ: أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ.
فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ
يَدَيْهَا. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ
فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: هَا أَنْتِ
حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ
قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا يَدُهُ
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ
يَسْكُنُ..... فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْنًا. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ
ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ" (تكوين16: 7-15).
(3)
واقتطعوا قول الرب لإبراهيم "
وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ
سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا
جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً "
(تكوين17: 20). بعد حذف ما جاء قبل هذه الآيات وما
بعدها!!
(4)
وقوله " وَابْنُ
الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ" (تكوين21: 13) مع تجاهل بقيّة النصّ.
(5) وقوله لهاجر " قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي
سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً" (تكوين21: 18)
(6) واستشهدوا بما جاء في تثنية (21: 15-17) " إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ
إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ فَوَلدَتَا لهُ بَنِينَ
المَحْبُوبَةُ وَالمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ الاِبْنُ البِكْرُ لِلمَكْرُوهَةِ،
فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لهُ لا يَحِلُّ لهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ
المَحْبُوبَةِ بِكْرًا عَلى ابْنِ المَكْرُوهَةِ البِكْرِ، بَل يَعْرِفُ ابْنَ
المَكْرُوهَةِ بِكْرًا لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ
عِنْدَهُ لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لهُ حَقُّ البَكُورِيَّةِ". وقالوا أن الحقوق التقليدية
والامتيازات الخاصّة بالابن البكر لا تتأثر بموقف أمّه الاجتماعي، سواء كانت حرّة
كسارة أمّ إسحق أو هاجر الجارية أمّ إسماعيل. ومن ثمّ فقد كانت لإسماعيل كل الحقوق
القانونية الكاملة كابن إبراهيم ونسله، وكل الحقوق القانونية الكاملة لأمه هاجر كزوجة إبراهيم، كما هو واضح في قوله "
فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ
جَارِيَتَهَا مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ
كَنْعَانَ وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ" (تكوين16: 3)، وأيضا " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ
أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ" (تكوين21: 13)
8-
دراسة هذه الأقوال والتعليق عليها:
ومند دراسة أحاديث الله مع إبراهيم ومع هاجر في هذا الشأن كاملة يتّضح
الآتي:
(1)
أنَّ الله وعد إبراهيم في (تكوين12: 1-3) بأنَّ فيه ستتبارك جميع الأمم مرتبط بشعب وأرض وأنَّ نسله حامل
البركة سيكون غريب في أرض غريبة مدّة أربعمائة سنة
(تك15) ولم كن إبراهيم قد أنجب أي ابن له.
(2)
وبعد ولادة إسماعيل، بلّ وهو في سنّ الثالثة عشر من عمره وقبل ميلاد إسحق بسنة عاد
الله وكرّر هذا الوعد ثانية مؤكدًا أنَّ البركة ستكون لا من إسماعيل بل من إسحق،
ابن
الموعد، الذي ستلده سارة (تكوين 17). أمّا إسماعيل فسيباركه الله من جهة
العدد، فهو ليس ابن الموعد، ولم يُعط الله وعدًا بأنْ يُبارك أحد من خلاله، بل
الله هو الذي سيباركه من جهة العدد.
(3)
وأكد الله لإبراهيم قائلًا "وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ
سَارَةُ" (تكوين17: 21)، وأنه "
بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ" (تكوين21: 12)، وقال له بعد نجاة إسحق " وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ
إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ
الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ
اِبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا
كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ
نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ
اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تكوين22: 15-18) مؤكدًا أنَّ النسل الذي ستتبارك به
جميع أمم الأرض يأتي من خلال إسحق فقط. أمّا إسماعيل فسيباركه الله في العدد فقط.
(4) ولم تتضمن وعوداته لإبراهيم أي إشارة عن
نبوة أو نبي يأتي من أبناء إسماعيل، بل
على
العكس ففي قول الملاك لهاجر
تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ
فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ
ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ
الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا
يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما
يدّعيه هؤلاء!!
(5) وفي استشهادهم بقوله " وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ
لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ
عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً "
(تكوين17: 20). حذفوا الآيات السابقة لها والتالية
لها!! والموضوع لا يُفْهَم جيدًا إلا بقراءة هذه الآيات المحذوفة، والنص كامل هو
" وَقَالَ
اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ
اسْمُهَا سَارَةُ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ابْنًا.
أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ. فَسَقَطَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: هَلْ يُولَدُ لابْنِ
مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟. وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ! فَقَالَ اللهُ
بَلْ سَارَةُ اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْنًا وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ.
وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ
وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ
وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ
الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ" (تكوين17: 15-21). وهنا تأكيد بأنَّ ابن الموعد الذي وعد
الله به إبراهيم لكي تتبارك جميع الأمم من خلاله هو إسحق، الابن الذي كان هو
المقصود والمُعَيّن بحسب مشورة الله الأزلية وعلمه السابق. فهو الذي يقيم الله
العهد معه، أما إسماعيل فلأنه ابن إبراهيم أيضًا فقد وعد الله أنْ يُباركه من جهة
العدد والمكانة السياسيّة لكنه لم
يكن
موضوعًا في خطة الله ومشورته الأزليّة لمباركة البشريّة.
(6)
كما أن استشهادهم بقوله " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ
نَسْلُكَ" (تكوين21: 13)، لا يُفهم إلا من خلال النص الكامل
للحديث والذي يقول " فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا
لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ. فَقَبُحَ
الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. فَقَالَ اللهُ
لإِبْرَاهِيمَ: لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ
جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ
بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا
سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ" (تكوين21: 10-13)
وقد بارك الله إسماعيل بالفعل فقد خرج منه اثنا عشر رئيسًا، أما بركة النبوّة فكانت من خلال نسل إسحق، كما قال الكتاب المقدس "بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ (أي إبراهيم) فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ" (عبرانيين11: 9)، وكما قال القرآن أيضًا عن إبراهيم " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ" (العنكبوت27). " وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا" (مريم49). " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ" (الأنبياء72). " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الأنعام84). "وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" (هود71).
(7) أما مسألة الحقوق الشرعية وما جاء في تثنية (21: 15-17) عن ابن المكروهة فقد جاء في
شريعة
موسي الذي جاءت بعد إبراهيم بحوالي خمسمائة سنة والتي سنّ فيها الله عشرات الشرائع
الجديدة
والتي لم تكن موجودة في زمن إبراهيم مثل،
تحريم الزواج من الأخوات (لاويين20: 17) الذي كان موجودًا وقت إبراهيم وبمقتضاه تزوج من أخته
لأبيه
سارة (تكوين12: 20) ، والاحتفال بالفصح.. إلخ
كما أن هذا التشريع وهذا الناموس يختص بالمواريث ولكن لا يختص بوعد
الله من جهة البركة والنبوة. ومن ثمّ فمحاولتهم الربط بين الحقوق التشريعيّة
ومواعيد الله وعهوده فهي
محاولة
غير منطقية ومغالطة واضحة وصريحة لأنَّ مواعيد الله وعهوده للبشريّة هي خارج نطاق
المواريث البشريّة، ومن ثمّ فلا تورث ولا تورّث، لأنها ترجع ل "
مَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ
وَعِلْمِهِ السَّابِقِ" (أعمال
الرسل2: 23).
فقد أنجب إبراهيم ستة أبناء من زوجته قطورة ولم يصر الوعد لأحد منهم وقد بارك الله
فيهم. لأنهم أبناء إبراهيم، ولكن الموعد والعهود الإلهية كانت لإسحق ومن خلاله،
ويقول الكتاب المقدّس "
وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ.
لاَ يَقُولُ وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ
وَاحِدٍ. وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ. وَإِنَّمَا أَقُولُ هَذَا: إِنَّ النَّامُوسَ الَّذِي صَارَ
بَعْدَ أَرْبَعِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، لاَ يَنْسَخُ عَهْدًا قَدْ سَبَقَ
فَتَمَكَّنَ مِنَ اللهِ نَحْوَ الْمَسِيحِ حَتَّى يُبَطِّلَ الْمَوْعِدَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْوِرَاثَةُ مِنَ النَّامُوسِ فَلَمْ
تَكُنْ أَيْضًا مِنْ مَوْعِدٍ. وَلَكِنَّ اللهَ وَهَبَهَا لإِبْرَاهِيمَ بِمَوْعِدٍ" (غلاطية3: 16-18).
وكما أختار الله إسحق بناء على مشورته الأزلية المحتومة وعلمه السابق
فقد اختار أيضًا يعقوب ورفض أخاه البكر عيسو.يقول الكتاب" أَلّيسَ عِيسُو أخًا ليَعْقُوب يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ
يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ" (ملاخي1: 2-3)، وأيضًا "
وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ
إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.أَيْ
لَيْسَ أَوْلاَدُ
الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ
اللهِ بَلْ أَوْلاَدُ
الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ
نَسْلًا. لأَنَّ كَلِمَةَ
الْمَوْعِدِ هِيَ هَذِهِ: أَنَا آتِي
نَحْوَ هَذَا
الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ
ابْنٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ
بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا
لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا لِكَيْ
يَثْبُتَ قَصْدُ
اللهِ حَسَبَ
الاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنَ
الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ
الَّذِي يَدْعُو قِيلَ لَهَا:
إِنَّ
الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:
أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ
وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ. فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ
اللهِ ظُلْمًا؟ حَاشَا!" (رومية9: 7-14).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/j88mjkj