التواضع عكس الكبرياء. وفي الكتاب المقدس هو الفكر، الذي لا يهتم بالأمور العالية (رو 12: 16). ولا يرتئي ويسمو فوق ما ينبغي (رو 12: 3)، ويقدم غيره في الكرامة (رو 12: 10).
ونرى التواضع في أبهى مظاهره في إبراهيم المتوسل من أجل سدوم وعمورة (تك 18: 16 إلخ.) وفي دانيال المصلي (دا 9)، وأيوب البار (أي 42: 5)، ومريم العذراء، التي قبلت بشارة الملاك جبرائيل بكل تواضع (لو 1: 38)، والعشار المصلي في الهيكل (لو 18: 13). التواضع من نعم القلب المؤمن ولا يمكن الإنسان أن يحيا حياة الإيمان بغير هذا التواضع (الله يقاوم المستكبرين وأما التواضع فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6).
وبولس يرينا أروع مثال لتواضع المسيح (في 2: 5- 8). ويقول "لا شيء بتحزب أو بعجب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). (في 2: 3).
إن معرفة الله، الذي خلق الإنسان نفسًا حية، هي وحدها تجعل الإنسان يدرك المقام السامي الذي منحه إياه الله، وتوقظ استعداده لتمجيد خالقه (رو 1: 21).
الله ينزل المتعظمين (أي 40: 11)، ويذل الأشرار (مز 55: 19؛ دا 4: 34). أما الذين يجتذبهم إليه ويرشدهم إلى معرفة كلمته، ويجعلهم يتمتعون بتعزياته. فإنه يرفعهم ويعظمهم عن طريق إذلاله لهم أولًا (مز 119: 67، 71؛ اش 57: 15). والمؤمنون يرون في تأديب الرب لهم إرادة الرب وقصده بهم (2 صم 22: 36؛ عب 12: 6) وبينما يكون تأديبه للأشرار سبب خزي وعار لهم، بسبب تعظمهم وشموخهم عليه وتعال، يكون لخائفيه ومرتجي خلاصه سبب شكر وحمد (اش 12: 1).
مقال آخر:
التواضع فضيلة من فضائل الإيمان المسيحي، قد لا تحسبها بعض الديانات الأخرى من الفضائل، كما زن الفلاسفة الذين لم يتأثروا بالديانة المسيحية، يتجاهلونها أو يقللون من شأنها. فأرسطو في كلامه عن الحكمة يمتدح الاعتداد بالذات، وهو عكس التواضع. كما أن الفيلسوف الألماني "فردريك نتشيه" يعتبر "التواضع" أمرًا لا يتفق مع كرامة الإنسان التي يرى تجسيدها في "السوبرمان" (الإنسان الأمثل). وهذا عكس ما يقوله الحكيم: " قبل الكسر يكبر قلب قلب الإنسان، وقبل الكرامة التواضع" (أم 18: 12؛ 15: 23) وإن " ثواب التواضع ومخافة الرب هو غنى وكرامة وحياة" (أم 22: 4). ويقول الله على فم صفنيا النبي: "اطلبوا الرب يا جميع بائسي الأرض... اطلبوا البر، اطلبوا التواضع لعلكم تُستَرون في يوم سخط الرب" (صف 2: 3).
فالتواضع زمر واجب من الإنسان، نحو خالقه، واعتراف من الإنسان باعتماده على الله، وعدم استطاعته الاستقلال عنه، كما أن التواضع هو الموقف السليم الذي يجب على الإنسان، المخلوق الأثيم، أن يقفه في محضر خالقه كلى القداسة، وإقرار من الإنسان الخاطئ بعجزه الكامل، كمخلوق محدود، عن تحقيق مطالب قداسة الله وبره. وقد صرخ إشعياء النبي عندما رأى الرب جالسًا على كرسي مجده، و"السرافيم واقفون قدامه "... وكل منهم ينادى الآخر قائلين: "قدوس قدوس قدوس، رب الجنود مجده ملء كل الأرض... فقلت: ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشقتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود!" (إش 6: 1 - 5).
وفى العهد الجديد نجد الرسول بولس يعتبر نفسه "أصغر الرسل" (1 كو 15: 9؛ أف 3: 8) بل وأول الخطاة أي أشرهم فيقول: "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول، أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1 تى 1: 15)
فالتواضع هو النتيجة المنطقية لإدراك الإنسان أنه مذنب أمام الله، وأنه ما هو الا "تراب ورماد" (تك 18: 27؛ أي 42: 6).
لذلك كان التواضع -في العهد القديم- من صميم التقوى (أم 3: 34؛ 11: 2؛ 15: 33؛ 16: 19؛ 25: 7)، ونراه واضحًا في إبراهيم (تك 81: 27)،
وفى يعقوب (تك 32: 10)، وفي موسى الذي كان "حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس" (عد 12: 3)، وفي الملك شاول في بداية عهده (1 صم 9: 21)، وفي سليمان الحكيم رغم كل ما أضفاه الله عليه من عظمة ومهابة (1 مل 3: 7 - 9).
ويعلن ميخا النبي أن التواضع أساس التقوى والصلاح، فيقول: "قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب ، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك" (ميخا 6: 8). ويقول الرب لسليمان الملك "إذا تواضع شعبي الذين دعى اسمي عليهم، وصلوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم الردية، فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم" (2 أخ 7: 14).
كما أن التواضع هو جوهر التقوى في العهد الجديد، والرب يسوع نفسه هو أعظم مثال، فقد " أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب " (فى 2: 7، 8)، ولذلك يقول الرب نفسه: "تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت 11: 29).
وفي تواضع واضح ينسب كل فضل ومجد للآب (يو 5: 19؛ 6: 38؛ 7: 16؛ 8: 28، 50؛ 14: 10، 24). وعندما انحنى ليغسل أرجل تلاميذه، إنما كان يعبر عن مفهوم التواضع الصحيح الذي بلغ الذروة في موته على صليب العار.
ويحرض الرسول بولس المؤمنين في فيلبى قائلًا: "مفتكرين شيئًا واحدًا، لا شيئًا بتحزب أو بعجب، بل بتواضع" (فى 2: 3)، ويقول الرسول بطرس: "تسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1 بط 5: 5).
ويجب أن يقتضِ المؤمن خطوات الرب يسوع المسيح (1بط 2: 12) وأن يسعى جاهدًا لتمجيد مخلصه الرب يسوع المسيح، كما كان المسيح يعمل لمجد الآب، وأن يقول مع يوحنا المعمدان: "ينبغي أن ذلك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو 3: 3) ، وأن يكون هدفه الأسمى أن يتمجد اسم المسيح فيه (مت 23: 8، 10؛ مرقس 10: 35 - 45)، وألا يفتخر بشيء إلا بالصليب (غل 6:14)، و" أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل يرتئي إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارًا من الإيمان" (رو 12: 3).
وبالإيجاز، على المؤمن أن يحذر على الدوام من الانتفاخ والكبرياء التي هي أصل الخطية، حتى ينمو في القداسة التي لا تزدهر إلا في تربة التواضع الحقيقي الخالي من كل أثر للانتفاخ والرياء. فقد تتدثر الكبرياء أحيانا بثياب التواضع الكاذب، ولكن ليقل المؤمن المتواضع مع العذراء المطوبة: "لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس" ( لو 1: 49 - 52).
وكما قال أحدهم (كينيث كرك Keuneth Kurk): "بدون تواضع أن يمكن أن تكون هناك خدمة جديرة بهذا الاسم، فالغرور أكبر مدمر للخدمة ".. فيجب أن نعمل بروح التواضع الصادق الخالي من كل أثر للكبرياء، كما يقول الرسول بولس: "أخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة..." (أع 20: 19).
* انظر أيضًا: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8kbtzw5