نذر الشيء نذرًا ونذورًا: أوجبه على نفسه. والنذر: ما يقدمه المرء لربه أو يوجبه على نفسه من صدقة أو عبادة أو نحوهما. وجمعها: "نذور". أي التعهد بفعل شيء ما إن تحقق أمرٍ ما.
ولما كان تحقيق ذلك الأمر بيد الله، فالنذر تعهد أمام الله، وكثيرًا ما يكون الله. كذلك كان الوثنيون يقدمون النذور للأصنام ظنًا منهم أن الأصنام قادرة على تحقيق ما يتمنون. وللناذر الحرية في انتقاء نذوه، وهو يعين ذلك، ولكن عليه أن يحقق تعهده وإلا يغش الله. ولذلك وضعت شروط واضحة للنذور عند العبرانيين (عد 6: 2-21؛ مز 116: 14). وفي الكتاب المقدس ذكر لنذور كثيرة. أولها نذر يعقوب الذي تعهد به عندما هرب إلى فدان ارام (تك 28: 20-22؛ 31: 13) وآخرها نذر بولس على نفسه بأن يقص شعر رأسه (أع 18: 18). ومن النذورات أيضًا نذر بني إسرائيل (عد 21: 2) ويفتاح (قض 11: 30) وحنة (1 صم 1: 11) وشاول (1 صم 14: 34) وداود (مز 132: 2).
ويُذْكَر النذر لله كثيرًا في الكتاب المقدس، وبخاصة في العهد القديم، وبالأخص في سفر المزامير.
وعلى العكس من تقديم العشور والذبائح والتقدمات وحفظ السبت والختان، لم يكن النذر أمرًا توجبه الشريعة، بل كان أمرًا تطوعيًا. وقد وضعت الشريعة مبادئ محددة للنذر، فكان من الممكن إلغاؤه إذا صدر عن فتاة دون مشورة أبيها، أو من امرأة دون مشورة زوجها. فكان للأب أو الزوج متى سمع بالنذر أن يثبته أو يلغيه في يوم سماعه (عد 30: 3 - 8). أما نذر الرجل أو الأرملة أو المطلقة فكان ملزمًا لا يجوز نقضه أو النكوص عن الوفاء به (عد 30: 1 - 15).
ونقرأ في (المزمور 50: 14): "اذبح لله حمدًا، وأووف العلي نذورك"، فالأمر لا ينصرف إلى ضرورة "النذر" بل إلى لزوم الوفاء به متى كان قد صدر (انظر أيضًا مز 65: 1؛ 76: 11؛ جا 5: 4؛ يونان 2: 9).
وكان الهدف من النذور هو إما الحصول على فضل أو معروف من الله فيكون الوفاء بالنذر شكرًا للرب واعترافًا بمعروفه، أو يكون النذر مجرد تكريس للرب بالامتناع عن بعض الأمور.
وترد كلمة "نذر" مرتين فقط في العهد الجديد، وترتبط في المرتين بالرسول بولس (أع 18: 18؛ 21: 23، 24). ولكن كلمة "قربان " (مرقس 7: 11 - 13؛ مع مت 15: 5، 6) تتضمن نفس الفكر، فالرب في هذين القولين يوبخ الذين ينذرون نذورًا للتحايل للتخلص من التزامهم للوالدين المسنين، فيعلن الرب يسوع بجلاء أن الله في غني عن عطية ينبني عليها حرمان آخرين من حقوقهم.
أما في حالة الرسول بولس، فلعله أخذ على نفسه هذه النذور ليبطل حجة التهوديين المقاومين له، بأنه ينادي بخلع نير شريعة موسى عن أعناق المؤمنين من اليهود الذين بين الأمم، ولإثبات أنه لم يحتقر أعمال التقوى في العهد القديم. وهذا واضح في الشاهد الثاني، فقد كان بولس في أورشليم تحت الرقابة الصارمة من رؤساء اليهود، فنصحه الإخوة في أورشليم -وعلى رأسهم يعقوب- بأن يأخذ أربعة رجال عليهم نذر ويتطهر معهم وينفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم، "فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أُخبروا عنك، بل تسلك أنت أيضًا حافظًا للناموس" (أع 21: 17 - 26). ومع ذلك لم يقُنع هذا اليهود، بل آثارهم عليه واتهموه بأنه "أدخل يونانيين أيضًا إلى الهيكل ودنس هذا الموضع المقدس.. فهاجت المدينة كلها وتراكض الشعب وأمسكوا بولس وجروه خارج الهيكل" وطلبوا أن يقتلوه لولا أن أنقذه أمير الكتيبة من أيديهم (أع21:27 - 36).
ويقدم لنا داود مثلًا ممتازًا للتكريس للرب إذ يدعو الرب قائلًا: "اذكر يا رب داود... كيف حلف للرب، نذر لعزيز يعقوب: ألا أدخل خيمة بيتي، لا أصعد على سرير فراشي ، لا أُعطي وسنًا لعيني، ولا نومًا لأجفاني ، أو أجد مقامًا للرب، مسكنًا لعزيز يعقوب " (مز 132: 1 - 5).
ومع أن النذور تبدو لها هذه الأهمية في العهد القديم كتعبير عن الورع والتقوى، فليس لها شيء من ذلك في العهد الجديد، حيث أن العهد الجديد سما بالحياة الروحية للمؤمن، فلم يعد التكريس للرب قاصرًا على أعمال وقتية أو طقوس معينة، بل أصبحت حياة المؤمن بجملتها مكرسة للرب، حسب القول: "لأنكم قد اشتريتم بثمن، فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو 6: 20)، "ومع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلى " (غل 2: 20)، "لأن لي الحياة هي المسيح" (في 1: 21).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/s8f3vha