St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary  >   23_L
 

قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

شرح كلمة

ألواح تل العمارنة

 

هناك مجموعة من حوالي ثلثمائة وخمسين لوحًا طينيًا اكتشفت في مصر منقوشًا عليها بالكتابة المسمارية Cuneiform، وكانت تشكل جزءًا من خزانة المحفوظات الملكية لامينوفيس الثالث وامينوفيس الرابع من ملوك الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية (1480-1460 ق.م.). والبعض من هذه الألواح مكسور. وهناك بعض الشك فيما كان عليه العدد الحقيقي لهذه الرسائل المتفرقة، فهناك واحد وثمانون خطابا في المتحف البريطاني، ومائة وستون في المتحف البابلي والآشوري في برلين، وستون في متحف القاهرة، وعشرون في أكسفورد Oxford، وحوالي عشرين أو أكثر في متاحف أخرى أو في مجموعات لخاصة.

 

أولًا: مقدمة عن ألواح تل العمارنة:

الاسم : "تل العمارنة " هو الاسم الحديث لأطلال مدينة قديمة، تقع في منتصف المسافة تقريبا بين ممفيس وطيبة (الأقصر) في صعيد مصر، وتحدد هذه الأطلال موقع المدينة القديمة التي كان اسمها "خوت أتون" والتي بناها امينوفيس الرابع لكي يفلت من سطوة الديانة القديمة في مصر والتي كان يمثلها كهنة طيبة، ولكي يؤسس ديانة جديدة، هي عبادة "أتون" أي قرص الشمس.

اكتشاف الألواح: في عام 1887، بينما كانت امرأة فلاحة تحفر في خرائب تل العمارنة بحثا عن تراب المباني القديمة لتسميد زراعتها، وجدت ألواحًا هي جزء من المحفوظات الملكية فملأت سلتها ببعض الألواح وعادت إلى منزلها، ولا يعلم أحد قط عدد الألواح التي صحنتها واستخدمتها سمادا وتحولت إلى كرات وخيار وبطيخ. وفي إحدى المرات ثار فضول تاجر من هذه البلدة واخذ الألواح واحتفظ بها. وقد نمت بعض المعلومات عن هذا الكشف الأثري إلى مسامع القس تشونسي مورش المرسل الأمريكي المقيم في الأقصر، الذي ارتاب في أهمية الألواح فاسترعى انتباه علماء الخط المساري إليها، فبدا سباق قصير لكنه كان مكثفا ومريرا بين ممثلي المتاحف المختلفة من ناحية، يدفعهم إلى ذلك اهتمامهم بالمادة العلمية، وبين التجار المحليين المدفوعين بعامل الطمع في الأثمان الخرافية التي يمكن أن تأتي بها هذه الألواح العجيبة. وقد نتج عن هذا السباق أن تحطمت بعض الألواح على يد المواطنين الجهلاء، كما توزعت بقية الألواح السليمة والأجزاء المكسورة منها، بين الجهات المتعددة كما سبق القول. وبعد اكتشاف هذه الألواح بدا البروفسور "بتري" (Petrie) في عمل الحفائر في المدينة القديمة في 1891 / 1892 م.

الخواص الطبيعية للألواح: هي ألواح من الطين على شكل قوالب الطوب مستطيلة الشكل ومستوية الأسطح ومتباينة في الحجم من 2 × 2,5 بوصة إلى 3,5 × 9 بوصة، وقد نقشت الكتابات على الوجهين، وفي بعضها على الجوانب أيضًا، واحد هذه الألواح محدب الشكل. ويختلف الطين المستعمل في هذه الألواح اختلافًا كبيرًا، فألواح الرسائل الملكية من بابل واللوح الذي من الميتاني مصنوعة من طين بابلي فاخر، أما الرسائل السورية والفلسطينية ففي حالة أو حالتين منها مصنوعة من طين استورد من بابل خصيصا لهذا الغرض، ولكن معظمها صنع من طمي البلاد ذاتها وتظهر فيها اختلافات واضحة في اللون والمادة. وفي بعض الحالات يكون الطين رمليا، وبالتالي اقل جودة. وقد وجد في عدد من الألواح نقط حمراء كنوع من علامات الترقيم لفصل الكلمات عن بعضها البعض. ويرجح أن المترجم المصري للرسائل في بلاط فرعون هو الذي ادخل هذه النقط الحمراء لتسهيل القراءة، فهي فعلا تساعد على قراءتها الآن إلى حد بعيد. كما تظهر على بعض الألواح العلامات الهيروغليفية التي وضعها الكتبة المصريون عند تصنيفها في أضابير دار المحفوظات. كما تختلف طريقة الكتابة أيضًا حسب مكان تدوينها، فبعض الألواح التي من فلسطين كتبت بغير عناية، بينما توجد ألواح أخرى مثل رسائل بابل الملكية كتبت بخط جميل وبأسلوب رشيق.

وكان لاكتشاف ألواح تل العمارنة نتائج بعيدة المدى، وما زالت هناك مؤشرات لفوائد أخرى قد تتأتى نتيجة لاكتشاف هذه الألواح. فالكشف عن هذه الألواح، والكشف عن قانون حمورابي يشغلان المكانة الأولى بين الكشوف المرتبطة بالكتاب المقدس في النصف الأول من القرن العشرين.

 

ثانيًا: قيمة ألواح تل العمارنة الأثرية:

(1) الكتابة المسمارية: أن استخدام الطريقة المسمارية في كتابة هذه الألواح لكي تفي بمتطلبات بلاد غريبة لها لغة وطنية خاصة بها، والتزامها بكتابة أسماء إعلام لغة أجنبية، قد قدمت فعلا الأساس للرأي القائل بان نفس هذه الطريقة المسمارية في الكتابة، قد استعملت أصلا في وثائق أخرى، وبخاصة في كتابة بعض أجزاء الكتاب المقدس، وفي كثير من التقارير الحكومية الفرعونية.

أسماء الإعلام: يحتمل أن تكون معظم هذه الرسائل قد كتبها موظفون مصريون أو على الأرجح كتبها كتبة في خدمة الموظفين الوطنيين المعينين من قبل حكومة مصر. وقد ألقى تسجيل هؤلاء الكتبة لعدد ضخم من أسماء الإعلام بالخط المسماري، الكثير من الضوء على هجاء الكتبة المصريين للأسماء الكنعانية في النقوش الهيروغليفية. وقد وضح الآن أن بعض هؤلاء الكتبة وربما غالبيتهم كانوا ينقلون من قوائم مكتوبة باللغة المسمارية. ونظرا لان نظام كتابة الأسماء الفلسطينية بواسطة الكتبة المصريين يصبح ايسر فهما، لذلك أمكن التعرف على عدد متزايد من الأماكن في فلسطين، المذكورة في النقوش المصرية، وهو ما يجعل مهمة التعرف على الأماكن المذكورة في الكتاب المقدس، اكثر دقة، وهذا أمر بالغ الأهمية من الناحية التاريخية.

 

ثالثًا: القيمة اللغوية لألواح تل العمارنة:

(1) لغات الاموريين والحثيين والميتانيين: لم تستطع أي اكتشافات أدبية أخرى بل ولا كل الاكتشافات الأخرى مجتمعة أن تلقي من الضوء على المشاكل اللغوية في فلسطين في عصر الآباء، مثلما فعلت ألواح تل العمارنة، فأصبح معروفًا الآن بالتحديد شيء من "اللغة الكنعانية" التي كانت لغة الشعب في فلسطين في عصر الآباء، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. أن الاستمرار الرائع غير العادي للأسماء والكلمات الكنعانية القديمة، والأساليب الكلام في هذه الألواح حتى وقتنا هذا، يبين لنا أن اللغة التي يستعملها فلاح اليوم هي السليل المباشر للغة التي كانت مستخدمة في عصر أبينا إبراهيم. أما الرسائل فمكتوبة باللغة البابلية المحورة لاتصالها بلغة أهل البلاد وهي الأرامية القديمة. كما يوجد الكثير من الكلمات الكنعانية التي أدخلت كتعليقات هامشية لتفسير الكلمات البابلية.

بقاء الأسماء الكنعانية: أن الحقائق التي أثبتها استمرار اللغة الكنعانية القديمة عبر كل القرون حتى العصر الحاضر في لغة الكنعانية القديمة عبر كل القرون حتى العصر الحاضر في لغة الفلاح الفلسطيني، لتؤكد صحة إشارة الكتاب المقدس إلى "لغة كنعان" (أش 19: 18). فلغة الفلاح الفلسطيني هي لغة سامية كما كانت دائما منذ عصور الآباء، ونستطيع أن نرى الآن أن العمل الجسور جدا في محاولة وضع قواعد اللغة الكنعانية القديمة، قد قام كله تقريبا على المادة التي تمدنا بها ألواح تل العمارنة والتي توصف فيها لغة فلسطين في عصر الآباء " باللغة الكنعانية القديمة أو العبرية ".

تأكيد الأقوال الكتابية: كما قدمت لنا ألواح تل العمارنة أيضًا المزيد من المعلومات المحددة بخصوص اللغة الآمورية من خلال الكثير من الأسماء الآمورية والتفسيرات المتناثرة المكتوبة بكلمات أمورية وكذلك بعض المعلومات الحثية عن اللغة الميتانية، وهناك لوح واحد بلغة غير معروفة حتى الأموية.

 

رابعًا: القيمة الجغرافية لألواح تل العمارنة:

على المستوى العالمي: لقد كانت هناك اتصالات دولية واسعة الأفق، في أهميتها الرسائل التي احتوتها آلهة تل العمارنة، يمتد إلى مصر وبابل وكنعان وبلاد الميتاني والحثيين، ولكن المعلومات الجغرافية الأكثر تحديدا الموجودة فهي الألواح، اقتصرت تقريبا على المنطقة الساحلية العظيمة في كل من سوريا وكنعان وثمة خلاف حول التعرف على بعض الأماكن المذكورة، إلا أن نحو تسعين موقعا منهًا تم تحديدها بقدر معقول من الدقة.

تأسست الحقائق الكتابية: يمكننا الأموية تتبع مسار العمليات الحربية المذكورة في آلهة تل العمارنة بنفس القدر من الدقة في تتبع الحملات الحربية الحديثة، كما تأكدت بدرجة كبيرة الإشارات الجغرافية الكتابية والمصرية.

التحقق الجغرافي: والتعرف على مثل هذا العدد الكبير من الأماكن، وإمكانية تتبع مسار الحركات التاريخية في ذلك الزمن السحيق، لهما شهادة قوية للقيمة التاريخية للسجلات القديمة لهذا الجزء من العالم، فدقة تحديد الأماكن والمواقع، لها أهل قصوى في الوثائق التاريخية.

 

خامسًا: القيمة التاريخية لألواح تل العمارنة:

تذخر آلهة تل العمارنة بكم من المعلومات التاريخية يعادل تقريبا نصف حجم أسفار التوراة الخمسة، وبينما يتصل الكثير من هذه المعلومات بالتاريخ العام للشرق القديم بخاصة، فانه يندر وجود معلومة فيها لا تتصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمرحلة من مراحل تاريخ الكتاب المقدس، ليس من الضروري أن كل اسم ورد ذكره في الكتاب المقدس لا بد أن يذكر أيضًا في هذه الألواح، إلا أن الذي الغالب هو أن هذه الألواح تذكر الكثير من أحداث وشخصيات فترة غزو بني إسرائيل لأرض كنعان. كما أن هناك الكثير مما يعكس حضارة العصور التي ما زالت في حاجة إلى دراسة، والأحداث التاريخية التي مازالت مجهولة أو التي لا نعرف عنها سوى القليل، كما إنتاج تسلط كثيرا من الأضواء على حركات الأمم والشعوب التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس:

حضارة الكنعانيين: لقد حدثت تغيير جذري في الذي عن حضارة فلسطين في عهد الآباء، فقد كان من رأى كل العلماء في الماضي، من أكثر المحافظين تشددا إلى أكثر المتطرفين تحررًا أن الحضارة في فلسطين في عصر الآباء كانت بدائية جدا، وهو دبسه مستقل تماما، وسابق في حقيقته لنظرية تطور تاريخ إسرائيل. فقد صوروا إبراهيم كأول إنسان يخرج من ارض ذات حضارة إلى مكان آخر بعيد غارق في الظلام، وان أبناء إبراهيم ظلوا في صراع مع ظروف شبه بربرية إلى أن نزلوا إلى مصر ثم عادوا إلى تلك البلاد مرة أخرى ليفتحوها وينشروا فيها الحضارة. لقد تغيرت كل هذه الآراء الأموية، أولا عن طريق المعلومات التي احتوتها آلهة تل العمارنة، ثم بسبب التلميحات المتناثرة فهي النقوش المصرية والبابلية التي تؤيد وجود مرحلة متقدمة من الحضارة لديهم، كما كشفت عنها آلهة تل العمارنة. وجاء بالألواح ذكر العواصم والمدن الإقليمية والحصون والمدن الصغيرة والقرى، مع المعسكرات والأماكن المسورة (حاصور)، كما ذكرت أيضًا ري الحدائق ونبات البردي المزروع في جبيل، وكذلك النحاس والقصدير والفضة والعقيق والنقود، والكثير من الأشياء الثمينة، والتوت والزيتون والحنطة والسفن والمركبات.

وقد جاء في قائمة مهر عروس من ميتاني ما يأتي: "زوج من الخيل ومركبة مغشاة بالذهب والفضة ومزينة بأحجار كريمة، وطاقم الخيل مزين بنفس الطريقة "ويظهر بعد ذلك" زوج من صغار الجمال عليهما ثياب مزركشة ومطرزة بالذهب، واحزمة وأغطية للرأس مطرزة. ثم قوائم بالأحجار الكريمة وسرج للفرس مزين بنسور من الذهب، وعقد من الذهب الخالص والجواهر، وسوار من الحديد المغشى بالذهب وخلخال من الذهب الخالص وأشياء أخرى من الذهب، وأقمشة وفضيات ومزهريات من النحاس أو البرونز، وأشياء من اليشب وأوراق من الذهب.. ويلي ذلك خمس جواهر مصنوعة من حجر " الضوء العظيم" (لعله الماس)، مع زينات للرأس والأقدام وعدد من الأشياء البرونزية وطاقم للمركبات ".

وما جاء في سجلات تحتمس الثالث عن الغنائم التي جلبها من فلسطين، تؤيد تماما ما جاء بالألواح.

وتوضح النقوش البابلية أن ارتحال إبراهيم كان جزءا من حركة هجرة من الوطن الأم إلى إقليم على الحدود به نفس القوانين وقدر كبير من نفس الحضارة. وتوضح الصور المصرية المنحوتة أن فلسطين في أيام الآباء كان لها نفس القدر من الحضارة مثل مصر.

وما اكتشف عنه ألواح تل العمارنة بخصوص الحركات العرقية والتأثيرات الفعالة للأمم العظيمة التي كانت تحيط بكنعان، يبين أن هذه الأشياء التي تنم عن الأناقة والبراعة، لم تكن مجرد زخارف في تلك الحقبة من التاريخ، إلا موطنا لحضارة متقدمة.

وتقدم كل الألواح تقريبا الدليل القاطع على أن مصر كان لها السيادة الإمبراطورية على تلك البلاد من خلال حكومة إقليمية، ولكنها كانت قد أخذت في الاضمحلال في ذلك الوقت. وطريقة الكتابة المسمارية في الألواح على يد هذه المجموعة المتنوعة من الأشخاص من طبقات متباينة، والتي تكشف ضمنا عن وجود ثقافة أدبية راسخة منذ أمد بعيد، وعن انتشار واسع لمعرفة أسلوب للكتابة غاية في الصعوبة، كل هذا يثبت أن حضارة بابل كانت قائمة وراسخة قبل ظهور قوة مصر السياسية لتحل محل قوة بابل.

(2) موقف تاريخي شاذ: إن زوال سطوة بابل السياسية عن فلسطين (كما سبق القول)، يشير مباشرة إلى موقف تاريخي بارز كشفت عنه ألواح تل العمارنة، فقد كتبت رسائل مصر الرسمية بين إقليم كنعان البعيد وبين الحكومة الإمبراطورية في مصر، ليس بلغة مصر وكتابتها، بل بكتابة بابل وبلغة بابلية متطورة، وهي مرحلة واحدة من مراحل الصراع العظيم طويل الأمد بين الشرق والغرب، بين بابل ومصر. أما كنعان فكانت كالكرة بين أقدام الإمبراطوريتين. كما تكشف الألواح عما تؤكده النقوش البابلية، أي احتلال بابل سابقًا لكنعان احتلالا استمر حتى بداية عصر الآباء، مما أكسب كنعان طابعا بابليا، حتى إن الاحتلال المصري لها في عهد تحتمس الثالث، لم يستطيع أن يمحو الطابع القديم أو يخلع عليها طابعا جديدا.

(3) المراسلات الدبلومسية: تكشف لنا أيضًا ألواح تل العمارنة عن المراسلات الدبلوماسية الواسعة بين الأمم التي كانت تفصلها عن بعضها البعض مسافات شاسعة، كمصر في الغرب وبابل في الشرق، والميتاني في الشمال والحثيين في الشمال الغربي. فبالإضافة إلى العدد الكبير من الرسائل بين كنعان ومصر، يوجد عدد لا باس به من هذه الألواح الملكية: رسائل من "قادشمان بل" (Kadahman Bel) أو "كاليماسن" (Kallima Sin)، و"بورنا بورياس" (Burna - Burias) ملك بابل، واسور أوباليا (Assur - Uballiah) ملك أشور و"دوسراتا" (Dusratta) ملك الميتاني وغيرهم. ويبدو لأول وهله وجود بعض التفاهات في هذه المراسلات الدولية التي تكاد تشبه مراسلات الأطفال، حيث أن جزءا كبيرا منها يدور حول زواج الأميرات ودفع المهور وتبادل الهدايا والامتيازات، ولكن قد يدهش الإنسان إذا علم بوجود مثل هذه الأمور في مراسلات الملوك في وقتنا الحاضر. والأنانية الواضحة التي تكشف عنها هذه الألواح من خلال التكالب المتزايد على الذهب، ما ليتنبأ إلا تعبير اقل دبلوماسية واكثر صراحة عن المساومات التجارية بين الأمم اليوم على المكاسب والتنازلات.

 

مشكلة شعب العبيري (الهبيري): إن أهم القضايا الكتابية التي لها أهل تاريخية عظيمة في آلهة تل العمارنة، هي قضية شعب "العبيري" التي لم تجد لها حلا حتى الأموية، وذلك بسبب الاختلافات الجذرية العميقة في الآراء بين العلماء، رغم أن كلا منهم يجزم برأيه في هذا الصدد.

(أ) من أول الآراء التي ظهرت، وما زال البعض يعتقونها بشدة، هو أن القراءة الصحيحة لكلمة "هبيري" هي "عبيري" أي العبرانيين، ويؤيدون ذلك بالقول أن الرسائل التي أشارت إلى شعب "الهبيري" كانت من وسط فلسطين وجنوبيها، وان "الهبيري" كانت لهم علاقة بجبل سعير، وأنهم كانوا معاصرين "ليافيع" ملك "جازر" و"يايين" ملك حاصور، وربما "ادوني صادق" ملك أورشليم، الذين كانوا معاصرين ليشوع، وان بعض تحركات بني إسرائيل وشعوب فلسطين التي ذكرها الكتاب المقدس، قد أوردتها أيضًا آلهة تل العمارنة أو أشارت إليه. وردا على هذا الذي، يمكن أن نقول انه رغم أن الرسائل التي تتحدث عن "الهبيري" جاءت كلها من وسط وجنوبي فلسطين، إلا إنتاج تنتمي تقريبًا إلى نفس زمن الرسائل العديدة المتعلقة بالحروب الشاملة في الشمال، وان عملية فصل مجموعة من الرسائل عن مجموعة أخرى فيها شيء من التعسف، وهكذا تخلق صورة ليس لها إلا ظل قليل من الحقيقة أو لا ظل لها بالمرة. ومن المحتمل أن هذه الرسائل الجنوبية تشير إلى نفس الاضطرابات التي انتشرت من الشمال إلى الجنوب، مما يقضي على النظرية التي تقول أن "الهبيري" هم العبرانيون في أهميتها يشوع، لان هؤلاء العبرانيين جاءوا من الجنوب الشرقي. إليهم الإشارة إلى جبل سعير فإشارة غامضة، ويبدو إنتاج تحدد مكانه في اتجاه جبل الكرمل. إليهم الإشارة إلى يافيع ملك جازر ويابين ملك حاصور، فلا تعني الكثير إذ يحتمل أن هذه الأسماء كانت ألقابًا، أو لعله كان هناك ملوك كثيرون بنفس الاسم. إليهم عن اسم "ادوني صادق" فمن العسير القول بان اسم ملك أورشليم كان سيحظى بهذا القدر من الاهتمام، لولا الرغبة في إثبات أن "الهبيري" هم ذاتهم "العبرانيون" في أهميتها يشوع، وبطريقة فيها الكثير من اللبس، ترجم اسم الملك بدلا من كتابته بحروفه كما هي في الأصل. فلو كان الاسم هو "ادوني صادق" حقًا، فلماذا لم يسجله كاتب الألواح كما هو بدلا من أن يترجمه لفرعون باسم مختلف تمام بسبب معناه؟ إليهم الاتفاق الظاهري بين الرسائل وبين رواية الكتاب المقدس عن غزو إسرائيل لكنعان، فيفقد الكثير من أهميته عندما تستبعد اغلب هذه الاحتمالات المبنية على الأسماء ومسار الحروب.

(ب) لتفنيد الذي القائل بان شعب "الهبيري" هم أنفسهم العبرانيون، يمكن الاستشهاد ليس فقط بهذه التناقضات التي تتضمنها الحجة السابقة، بل أيضًا بدليل قاطع هو أن الخروج من ارض مصر قد حدث في عهد الرعامسة أي ليس قبل الأسرة التاسعة عشرة، والأجزاء في زمان مرنبتاح الذي خلف رمسيس الثاني، وإطلاق اسم "رعمسيس" على إحدى مدن المخازن، لم يكن ليحدث قبل عهد الرعامسة. كما أن الإعلان الإيجابي الذي سجله رمسيس الثاني: "لقد شيدت فيثوم " الذي لا يوجد ما ينقضه، والتوافق بين لوح مرنبتاج وإسرائيل وبين ما جاء في سفر الخروج، الذي يجعل السنة الخامسة لحكم مرنبتاح هي نفسها السنة الخامسة لقيادة موسى للشعب، كل هذه الأمور تجعل من الصعب جدا، بل من المستحيل، القول بان شعب "الهبيري" هو ذاته شعب العبرانيين.

(ج) وهناك رأى آخر يؤمن به البعض إيمانا قويا هو أن الاسم هو "الهبيري" وليس "العبيري" وان الاسم يعني "الحلفاء"، فهو ليس أبدا اسم علم لشخص أو قبيلة. ومما يعزز هذا الذي، التأكد من وجود تحالف بين الاموريين وأخرين قبل هذا الوقت بقليل كما كشفت الألواح فيما يتعلق بالمنطقة الشمالية. كما أن هذا الذي ييسر ترتيب الأحداث حسب التسلسل الزمني، والذي لا يتفق مع الذي القائل بان "الهبيري" هم "عبرانيو" الكتاب المقدس. ومع ذلك فهناك اقتناع عند الكثيرين من العلماء بان هذا الذي يعتسف في قراءة الاسم.

(د) ويقدم أحدهم ("جرمياس" في كتابة: "العهد القديم في ضوء تاريخ الشرق القديم" 341) رايا آخر غاية في الإبداع، وهو أن الاسم هو الهبيري " وانه يطابق نطق كلمة "العبرانيين"، فالاسمان متشابهان، ولكن الاسم كما جاء في آلهة تل العمارنة ليس اسم علم على الإطلاق، ولكنه يستعمل كصفة، كما نقرا عن " إبرام العبراني " أي "الغريب " أو " المهاجر" (تك 14: 13) وبذلك يكون معنى "الهبيري" هو "العبرانيون" أي "الغرباء" أو "المهاجرون". وهكذا تظل القضية في حاجة إلى الحسم.

(ه) يكمن الحل النهائي للمشكلة في الاتجاه الذي يمزج الذي القائل بأنهم مجرد "غرباء" بالرأي القائل بأنهم "حلفاء"، فقد كان هناك بلا شك "حلفاء" في التآمر ضد مصر في زمن كتابة آلهة تل العمارنة، ولم تفلح حكومة مصر في نجدة الإقليم المحاصر بجيوش الأعداء ولكنها استسلمت في ضعف. وفي أثناء الفاصل الزمني بين كتابة الألواح وعصر مرنبتاح وبناء فيثوم، لم تقدر مصر ولا بابل ولا الدولة الشمالية، أن تقيم حكومة قوية منظمة في فلسطين. كما انه في وقت دخول بني إسرائيل إلى كنعان، كثيرا ما ورد ذكر الحثيين والاموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، فماذا ارتبط ذكرهم معا، ما لم يكونوا متحالفين بشكل ما؟ فليس من المستحيل حقيقة، بل انه لمن المحتمل جدا، أنه في أثناء فتح يشوع لأرض كنعان، كان هؤلاء الحثيون والاموريين والفرزيون وغيرهم من القبائل الفلسطينية، يشكلون نوعا من التحالف غير الوثيق كآخر مرحلة من "التحالف والتآمر" اللذين ظهرا بداية في العمليات الحربية الآمورية ضد حكومة مصر فلاماكن سجلتها آلهة تل العمارنة، وكان يطلق عليهم في الرسائل التي من الجنوب "الهبيري" أي "الغرباء" أو "المهاجرين". وللفصل في مشكلة "الهبيري" لا بُد أن ننتظر المزيد من الدراسة للأسماء ولمزيد من الاكتشافات للتاريخ المعاصر لتلك الفترة.

وتقدم رسائل أورشليم من المراسلات الجنوبية أمرًا له أهل كبيرة، لا علاقة له بقضية شعب "الهبيري". وهذا الأمر هو إقرار ملك أورشليم مِرارًا كثيرة: "لم يكن أبي ولم تكن أمي هما اللذان أوصلاني إلى هذا المركز"، إذ يبدو أمل هذا يلقي ضوءًا على الوصف الغريب الذي وصف به "ملكي صادق"، أي ملك أورشليم في أهمية إبراهيم. والمعنى الواضح من هذه العبارة، هو أمل تاج ملك أورشليم لم يكن وراثيًا، ولكنه كان بالتعيين، وكان فرعون مصر هو الأيام يملك سلطة التعيين وفي هذه الحالة لم يكن للملك سلف ولا خلف من قومه، وهكذا وصف بتلك الأوصاف التي استخدمت في وصف كهنوت المسيا في (الرسالة إلى العبرانيين 7: 3).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/23_L/amarna-letters.html

تقصير الرابط:
tak.la/st9sc39