هي إحدى الكتابات الزائفة، وتتكون من ثمانية عشر مزمورًا علي نمط سفر المزامير الكتابي، وتنسب هذه المزامير لسليمان الملك، وتوجد الآن في مخطوطات باليونانية والسريانية، وواضح أنها ترجمت عن أصل عبري مفقود.
يدل فهرس علي المخطوطة الاسكندرانية علي أن المخطوطة الأصلية كانت تشتمل على مزامير سليمان في نهاية المخطوطة، وهو جزء مفقود منها. ويظن البعض أن المخطوطة السينائية كانت تشتمل عليها أيضًا، وهو أمر لا يمكن إثباته حيث أن بداية المخطوطة ونهايتها مفقودتان.
ولا يرد ذكر لهذه المزامير طوال العصور الوسطي، إلي أن اكتشف أحدهم مخطوطة لها في مكتبة "أوجزبرج" في أوائل القرن السابع عشر ثم اختفت هذه المخطوطة بعد ذلك، ولكن في 1626 م. نشر "سردا" (Cerda) نصوصها. وبعد ذلك اكتشفت بعض المخطوطات الأخري لها، بلغ عددها ست مخطوطات يونانية بعضها كامل وبعضها غير كامل، ومخطوطتين بالسريانية، وكانت موضوع دراسة بعض العلماء في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم هبط الاهتمام بها بعد ذلك.
يكاد العلماء يجمعون علي أنها كتبت في القرن الأخير قبل الميلاد أو القرن السابق له، فالأحداث التاريخية المذكورة فيه تنتمي إلي تلك الحقبة، فالصراع بين فئة الأتقياء وفئة أهل العالم في اليهودية، يظهر جليًا. كما تصور هذه المزامير وقوع أورشليم في يدي شخصية أجنبية قوية، وكذلك تخريب الهيكل. وبينما يعتقد بعض الدارسين لهذه المزامير أن هذه الأحداث تشير إلى زمن "أنطيوكس إبيفانس" والمكابيين، إلا أن غالبية الدارسين يرون أنها اكثر توافقًا مع أحداث زمن بومبي القائد الروماني في 64- 46ق.م. وبخاصة الإشارات في المزمور الثاني منها.
وحيث انه من الواضح أن هذه المزامير لم يكتبها الملك سليمان، فلابد أن يتبادر إلي الذهن هذا السؤال: لماذا أطلق عليها اسم "مزامير سليمان"؟ وإذا افترضنا أنه لم يكتبها شخص آخر اسمه سليمان، فالأرجح إن الكاتب كان متأثرًا جدًا بالمزامير الكتابية (وهو مايبدو واضحًا في الأسلوب والمحتوي). وحيث أن الكثير من المزامير تنسب إلي داود، فلعَلَّ الكاتب (أو الكتابين) أراد أن ينسبها إلي شخصية بارزة، فنسبها إلي سليمان بن داود وخليفته، وبخاصة لطابعها الميساني الذي كان سليمان رمزًا له.
ولا يمكن الجزم بما إذا كانت هذه المجموعة من المزامير من تأليف شاعر واحد أو أكثر من شاعر، فحيث أنه لا توجد اختلافات واضحة في الأسلوب أو المحتوي في أي مزمور منها عن سائر مزامير المجموعة، فليس ثمة سند لأفتراض تعدد الكاتبين. وقد قرر "ولهازون" ومدرسته، أن الكاتب (أو الكاتبين) كان من الفريسيين، وذلك من الإشارة إلي الصدوقيين بأنهم "الأشرار" المتربعون علي كراسي السلطة، وهي نتيجة منطقية للصراع بين الحزبين. وعلاوة علي ذلك، لإبرازها التعاليم الفريسية المشهورة عن الثيوقراطية، والمسيا، والجزاء الإلهي، وإرادة الإنسان الحرة. ولكن الدراسات التي تمت علي مخطوطات وادي قمران، قد فتحت بابًا جديدًا، لأن ما بهذه المزامير من أفكار يثبت فقط أنها ليست من تأليف الصدوقيين، لأن هذه الأفكار لم تكن وقفًا علي الفريسيين، بل كان هناك فريق ثالث تمثله جماعة قمران خير تمثيل، والذين يمكن أن يُطلق عليهم اليهود "الأخرويين"، فالطابع الميساني الواضح، والتلميح الخفيف إلي القيامة في هذه المزامير، إنما يشيران إلي أنها من كتابة هذا الفريق الثالث أكثر مما إلي الفريسيين.
أما بالنسبة للغة الأصلية لهذه المجموعة من المزامير، فإن لغتها في اليونانية، تدل علي أنها لم تكتب في اليونانية أصلًا ولكنها ترجمة حرفية لأصل عبري.
تبدو هذه المجموعة من المزامير أمام النظرة العابرة شديدة الشبة بالمزامير الكتابية، فتظهر فيها نفس المشاعر والتعبيرات، بداية من التسبيح إلي الرثاء، ومن التضرع إلي الشكر. بل إن التشابه يمتد إلي الأساليب. وإن كانت أشد تعقيدًا في هذه المزامير الزائفة.
علاوة علي ذلك، فإنها تغلب عليها فكرة الدينونة، فالكاتب لا يلوم الله علي دينونته، بل بالحري يبرر الله تمامًا (مزامير سليمان 2: 16؛ 8: 7). فالناس أشرار بصورة لا تصدق، بل هم "أشر من الوثنيين" (مزامير سليمان 1: 8؛ 8: 12, 14).وتسهب في وصف سعادة الأبرار وعقاب الأشرار (مزامير سليمان 13، 14، 15). وقد انساق الناس في هذا الشر وراء قادتهم الذين يظهرون بمظهر التقوى والإخلاص (مزامير سليمان 4: 2)، ولكنهم في حقيقتهم "خطاة" قلبًا وقالبًا (مزامير سليمان 4: 4- 6)، وتصفهم بأنهم مخربون للبيوت، إذ يستغلون مراكزهم الرفيعة لإشباع شهواتهم (مزامير سليمان 4: 13).
ولكن الله لم يترك شعبه (مزامير سليمان 11: 2؛ 18: 1). والخطاة (لعله يشير إلي الحشمونيين) الذين أعطاهم الله الأرض (مزامير سليمان 17: 6-8)، والذين حاولوا ان يجعلوها أرضًا وثنية، قد ذهبوا إلي السبي (لعلها إشارة إلي ارستوبولس- 8: 23, 24). وذلك الرجل العظيم (لعله بومبي) الذي خضعوا له (مزامير سليمان 8: 18) قد هلك في مياة مصر (فقد طعن بومبي في ظهره وهو يقفز من قارب صغير). وهكذا يجازي الله كل من يتعظمون عليه، بينما هم- في الحقيقة- ليسوا إلا آلات لتنفيذ مقاصده (مزامير سليمان 2: 32- 35). ومن الجانب الآخر فإن الرجل البار المتواضع الذي يتكل علي الله، لن يتركه الله أبدًا (مزامير سليمان 5: 20؛ 6: 8؛ 12: 6)، فالله له بقية أمينة لا بُد أن يكرمها ويحفظها (مزامير سليمان 7: 9).
وسيأتي ذلك اليوم الذي فيه سيحامي الله عن شعبه (مزامير سليمان 11: 8)، وستري كل الأمم مجد إسرائيل، وتسارع إلي تقديم فروض الولاء والطاعة لإسرائيل والله، إله إسرائيل (مزامير سليمان 17: 34, 35). وسيطلقون المنفيين إلي أوطانهم حيث سيملك "المسيا الرب" (مزامير سليمان 17: 36)، نسل داود (مزامير سليمان 17: 23)، ملك السلام والعدل (مزامير سليمان 17: 25- 31).
يتضمن المزمور السابع عشر (من هذه المجموعة) إشارة عن الرجاء اليهودي في المسيا، من أوضح الإشارات في كل الكتابة اليهودية. وقد أضافت المخطوطات التي أكتشفت في كهوف قمران الكثير من المعلومات، ولكن الكثير منها جاء في صور خيالية شديدة التعقيد لدرجة مفزعة، بينما نجد نفس المفهوم هنا في لغة أوضح. فالمسيا هو شخص وهو ابن داود، تحقيقًا لوعد الله، رغم انتهاء مملكة داود، ومع أنه لا توجد إشارات واضحة لألوهيته، إلا انه يسمي "المسيا الرب" (وإن كان البعض يزعمون أن العبارة أصلًا هي "مسيا الرب"). وحيث أن كلمة "الرب" لا تستخدم في هذه المزامير إلا في الإشارة إلي "الله" وحده، فالمعني واضح. وعلاوة علي ذلك فمن الواضح أيضًا أن المملكة التي سيقيمها المسيا لن تكون مملكة بشرية عادية، بل ستكون مملكة خارقة للطبيعة، ستزول منها كل الأخطاء والآثام، فسيطهر أورشليم، ويبيد الأمم الفاجرة، ويدين الخطاة، ويعطي الأرض لأسباط إسرائيل، بعد أن يخلصهم من الوثنيين الذين في وسطهم. ومع ذلك فسيتم كل ذلك بدون أدوات الحرب، فسيضرب الأرض بكلمته، ويطهر الامم ببره، وسيرعي شعبه كما يرعي الراعي قطيعه. ولا تختلف هذه الأقوال عما جاء في بعض الفصول الكتابية عن المسيا، ولكنها هنا شاملة وقوية. ومما يسترعي الانتباه أنها تحافظ علي ذلك الغموض بين المسيا الظافر المنتصر وبين المسيا الفادي، وهو ما حيَّر كثيرين في زمن يسوع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4rfqs4b