لاحظ أن السيد المسيح لم يقل فقط ما جئت لأنقض، وإنما أضاف بل لأكمل.
وعبارة إنه جاء ليكمل، لها معنيان:
الأول: إنه جاء يكمل فهم الناس للشريعة.
فاليهود ما كانوا على فهم سليم للشريعة. حتى أن شريعة السبت مثلا، كانوا يفهمونها بطريقة حرفية بحتة، فلا يعمل الإنسان أي عمل في السبت، حتى فعل الخير.. لدرجة أنه حينما قام السيد المسيح بمعجزة كبيرة، في يوم سبت، وهى منح البصر لشخص مولود أعمى، قابلوا هذا الإنسان بعد أن أبصر وقالوا له إن الذي شفاه إنسان خاطئ!! (يو 9: 24) لمجرد إنه صنع المعجزة في يوم سبت!! وقد جادلوا المسيح في عناد عن "هل يحل الإبراء في السبوت؟ لكي يشتكوا عليه (مت 12: 10). وما أكثر المجادلات التي دخلوا فيها الحل مشكلة "هل يحل في السبت فعل الخير؟!" (لو 6: 9) (مت 12: 12).
فماذا كان تكميل فهمهم في وصية عين بعين وسن وبسن؟
وصية "عين بعين، وسن بسن" كانت للأحكام القضائية، وليست للمعاملات الشخصية.
بدليل أن يوسف الصديق لم يعامل أخوته بوصية "عين بعين، وسِن بسن" ولم ينتقم لنفسه من الشر الذي صنعوه به، وإنما أكرمهم في مصر، وأسكنهم في أرض جسان، واعتنى بهم (تك 50: 17-21).
وداود النبي لم يكافئ شاول شرًا بشر، بل احترمه في حياته. وفي وفاته رثاه بعبارات مؤثرة (2صم 1: 17-25). وأحسن إلى كل أهل بيته..
ثانيا: عبارة يكمل تعنى أيضًا يكمل لهم طريق السمو والقداسة.
وبخاصة لأن العهد الجديد بدأت تزول فيه العبادة الوثنية التي كانت منتشرة طوال العهد القديم (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وعمل الإيمان في قلوب الناس، إلى جوار عمل الروح القدس فيهم، ومؤازرة النعمة لهم. فكان يمكن لهم أن يتقدموا في حياة الروح ويسلكوا بسمو أعلى من ذي قبل.
وتكملة الطريق الروحي، لم يكن فيها نقض للقديم.
* فمثلا قال لهم السيد المسيح "سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 27، 28). هنا الوصية القديمة "لا تزن" لا تزال قائمة لم تنقض. لكن أضيف إلى معنى أعمق، هو عفة القلب والنظر وليس مجرد عفة الجسد..
* مثال آخر: قال السيد "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. أما أنا فأقول لكم إن كل من بغضب على أخيه باطلا، يكون مستوجب الحكم" (مت 5: 21، 22) . هنا الوصية القديمة "لا تقتل"، لا تزال قائمة لم ينقضها. ولكن أضيف إليها منع الغضب الباطل، على اعتبار أن القتل خطوته الأولى هي الغضب. كما أن الزنى خطوته الأولى هي الشهوة في القلب..
إذن السيد المسيح لم ينقض العهد القديم. بل شرح روح الوصية، ومنع الخطوة الأولى إلى الخطية.
ويعوزنا الوقت إن دخلنا في كل التفاصيل بالنسبة إلى كل الوصايا، فهذا يحتاج إلى كتاب كامل، وليس إلى مجرد مقال وإجابة سؤال.
كذلك ليس العهد القديم فيه الوصايا العشر فقط، إنما توجد فيه وصايا وتعاليم أدبية كثيرة كان فيها سمو كبير. وقد خفي ذلك على عديد من معلمي اليهود. لذلك قال لهم السيد المسيح في مناسبة أخرى:
"تضلون إذ لا تعرفون الكتب" (مت 22: 29).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tc55ty3