كان بعد حمله بطرس دي برويز Peter of Bruys، قام رئيس دير كلوني بحمله نشطه لإعادة الأمور إلى نصابها في الكنائس التي دمرها أتباع بطرس وذلك عن طريق نشر تعاليم الكنيسة وعقائدها بقصد إعادة المسيحيين إلى حظيرة الأيمان الكاثوليكي وكان يركز جهده على هذا أكثر من العمل على اقتلاع المعترضين من تربة الكنيسة.
وفي هذا الوقت كان هناك راهب من دير كلوني يدرس الإنجيل ووصل إلى الاقتناع بأن المسيحية تتطلب القيام بعمل إيجابي لخدمه الشعب، فقرر أن يودع السلبية والانزواء، وخرج من الدير وراح يقدم خدمته للناس الذين كانت بهم حاجه ماسة وشديدة إلى مثل هذه الخدمة التي لم يفطن أحد إلى تقديمها إليهم وكان هذا الراهب النشط هو: هنري دي لوزان Henry of Lausanne.
ترك هذا الرجل الدير دون استئذان وجعل يتنقل من بيت لبيت في لوزان يعظ الناس ويعلمهم الحياة الروحية بحسب تصوره الشخصي لهذه الحياة في ضوء ما قرأه في الإنجيل وانتقل من لوزان إلى وسط فرنسا وتبعه كثيرون وكونوا جماعه رسوليه كان هو رئيسها.
ولم يكن متطرفًا مثل بطرس دي برويز، الذي رفض وجود أي رمز في الكنيسة. حتى ولو كان هذا الرمز هو الصليب، لكنه حيثما ذهب كان بتقديمه يحمل صليبًا كدعوة موجهه للناس كي يحملوا صليب المسيح.
وبداية كان وعظه يركز على وجوب التوبة وعدم جدوى الحياة التي تخلو من ثمر الأيمان، لكنه لم يستمر هكذا وإنما كان في عظاته بعد ذلك يتطرق إلى تحذير الناس من الكهنة ذوي الميول السيئة والدينونة، معلمًا أن هؤلاء بسيرتهم وقدرتهم السيئة هذه وتعاليمهم إنما يقودون الناس إلى حياة الشر، كما انتقد بشده الرؤساء الدينيين لأنهم لا يقومون هؤلاء الكهنة الأشرار ويقدموهم إلى محاكمه تأديب كنسية.
وقد أعلن هنري الرابع تأييده للرهبان المصلحين في مطالبتهم بضرورة عودة الإكليروس إلى حياة العزوبية وعدم الزواج.
وكان هنري في حد ذاته ملفتًا للنظر لأنه كان شابًا قوي البنيان حليق اللحية قصير الشعر حافي القدمين يرتدي ثيابًا بالية في برد الشتاء القارص وكان يعيش في الهواء الطلق على التلال وتحت الأشجار، وكان يقدم معظم خدماته للفلاحين البسطاء، محاولًا أن يقدم لهم خدمه الإنجيل. فدعوه "خادم الله العظيم"، وتقدموا إليه معترفين بخطاياهم وومقرين بعدم جدوى الأساليب التي كانوا يلجأون إليها من قبل للحصول على غفران خطاياهم.
وهذا يدل على حالة الضياع الديني والروحي التي عاشها شعب العصور الوسطي لأن الباباوات انشغلوا عنهم بحروبهم ضد الإمبراطور من أجل الجاه والسلطة والمال والأساقفة من أجل الإقطاع والرفاهية وغاب الشعب من حسابهم فتلمس هذا الشعب المنكوب أي قبس من نور يسير إليه، ولكن لا يلبث أن يقودهم هذا القبس من جهل إلى جهل آخر، لأنه لم يدرس ولم يفهم ما يقوله الروح للكنائس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وحدث في يوم أربعاء أيوب من عام 1116 كان اثنان من تلاميذ هنري يسيران في إحدى المدن الرئيسية بمقاطعة (مين) إيطاليا يسألان الأهالي عما إذا كان ممكنًا أن يأتي معلمها هنري لزيارة مدينتهم ليقدم لهم بعض المواعظ، لأن شهرته كانت تسبقه إلى هناك استقبلها الأهالي استقبالًا حافلًا ورحبوا بالفكرة، ولم تكن الكنيسة قد أصدرت أي حكم ضد هنري ورفاقه بعد.
عندما بدأ هنري رحلته إلى روما طلب الأسقف من رئيس الأساقفة أن يرخص له بتقديم مواعظ هناك وكانت عظاته تجذب الناس لأنهم لم يسمعوا مواعظ من قبل فالتف حوله الكهنة الشبان وعامة الشعب وينما كان يذهب كانت الناس تتبعه وهذا بعكس الإهمال من جانب الكنيسة للشعب مما آثار حفيظة كبار رجال الإكليروس ألا أن الجمهور لم يأبه بهم وكرد فعل لموقفهم المعارض لهنري قاطع الناس الكنائس ووجهوا النقد إلى رجال الدين لإهمالهم لهم على ضوء ما سمعوه من هنري، فلجأ الكهنة إلى السلطات المدنية لحمايتهم من غضب الجماهير. ثم أرسلوا لهنري خطايا يتهمونه فيه بتجاوز حدود الرخصة الممنوحة له، وأنه خرج على تعاليم الكنيسة، وحاولوا إلصاق تهمه الهرطقة به. والعمل على أحداث انقسام في صفوف الكنيسة وانذروه بأنه، لم يمتنع عن الوعظ في أي مكان إيبارشية روما فإنه بعرض نفسه للحكم بالفصل من عضوية الكنيسة إلا أنه لم يهتم.
وكان الناس يعتبرونه مرشدهم الروحي واندفعوا يقدمون له الهدايا من الفضة والذهب إعلانًا عن تأييدهم لموقفة وتشجيعًا له على الصمود في مواجهه قادة الكنيسة، ولكي تكون هذه التقدمات مصرفًا ماليًا له لسد حاجته هو ورفاقه، إذا ما نفذت الكنيسة تهديداتها وحكمت بحرمه.
وقد وجد هلدبرت أسقف المنطقة التي كان هنري يبشر فيها ويعظ أن الشعور قد أصبح معبأ ضده بسبب موقفه من هنري، فلم يستقبله الناس بمثل ما كانوا يستقبلوه من قبل بل قالوا له: لقد أصبح لنا لآن كاهن آخر أفضل وأعظم منك سلطانًا، وكان سبب كره رجال الدين لهنري هو خوفهم من أنه سيكشف أخطاءهم أمام الشعب، ولم يشأ هلدبرت أن يستخدم سلطانه الكهنوتي ضد هنري وتعاليمه، لأنه وجد أنه لن يجني من جراء هذا سوي الفشل نظر الحب الشعب لهنري، ولذلك التقى هذا الأسقف بهنري لقاء خاص، وطلب منه، يترك المدينة إلى أي مكان آخر فترك هنري البلده وذهب إلى الجنوب في المنطقة التي كانت ميدانًا لنشاط بطرس دي برويز فاعتبره رئيس دير كلوني خليفة بطرس هذا فقرر احتجازه في دير كليرفو تحت أشراف برنارد رئيس الدير الذي أطلق سراحه بعد فترة قصيرة.
عاد هنري إلى جنوب فرنسا وكان يعظ في المناطق المحيطة بتولوز وألبي، حيث كانت تعيش جماعه كبيرة وقويه من المعارضين للكنيسة الكاثوليكية، وكانوا تحت حماية حكام تلك الأقاليم.
وظل هنري يباشر نشاطه بنجاح كبير لمدة عشرة سنوات، وإذ لاحظ رئيس دير كليرفو مدي قوة هذه الجماعة وتأثير هنري عليها طالب حكام تلك المناطق بوضع حد لتلك التعاليم المخالفة لتعاليم الكنيسة، خاصة وان الناس هناك كانوا قد هجروا الكنائس وامتنعوا عن العبادة فيها وممارسة طقوسها وراح رئيس الدير يجوب بنفسه تلك الأقاليم يقدم للناس تعاليم الكنيسة ويقال أن برنارد أحرز نجاحًا كبيرًا في إعادة الكثيرين إلى الحظيرة.
بعد ذلك ألقي القبض مرة أخرى على هنري وكبل بالسلاسل وقدم للمحاكمة في عام 1148 وأصدر المجمع الذي تولي محاكمته حكمًا بإعدامه (لاحظ كيف أن المجمع يحكم بالإعدام) لكن شمشون رئيس الأساقفة توسط له وطلب تخفيف الحكم، ولعله يثوب واستبدل الحكم بالسجن مدي الحياة حيث مات فيه.
10- الألبيون والحرب ضدهم |
تاريخ كنيسة الغرب د. يواقيم رزق مرقص |
8- بطرس دي برويز |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/x9r3y6g