لفظ كاهن استخدم لأول مرة مع ملكي صادق "وكان كاهنا لله العلي" (تك14: 18). وهناك ترجمة أخرى تجدها في الكتاب المقدس بشواهد "إذ كان كاهنا لله العلي" . وجاءت الآية في الإنجليزية...
And he was the priest of the most high God
وراجع رسالة العبرانيين (عب 5، 7) لترى أن ملكي صادق كان رمزًا للسيد المسيح رئيس كهنتنا العظيم (عب4: 14). ولاحظ هنا في الترجمة الإنجليزية أن لفظ كاهن مُعرَّف بالـ= the priest فنفهم أن هناك كهنوت واحد هو كهنوت المسيح، والذي يرمز له بكهنوت ملكي صادق، وهو كهنوت أبدي بشفاعة أبدية (1يو2: 1 + مز110: 4)، ليس بذبائح دموية وإنما كهنوت خبز وخمر. وكون أن أول مرة نسمع عن الكهنوت كانت عن ملكي صادق ففي هذا إشارة واضحة لأن هذا هو الكهنوت الحقيقي المقبول الذي يريده الله. أما الكهنوت الهاروني، كهنوت العهد القديم، كهنوت الذبائح الدموية فكان رمزًا لكهنوت المسيح الذي قَدَّم نفسه عنا ذبيحة دموية حقيقية على الصليب. لذلك كان الكهنوت الهاروني كهنوتًا مؤقتًا، فإذا أتى المرموز إليه بَطُلَ الرمز. وكانت ذبيحة الصليب هي المرموز إليه، وهذه الذبيحة ممتدة من خلال سر الإفخارستيا والكهنوت المسيحي حتى نهاية الأيام أي حتى المجيء الثاني. ولأن الكهنوت اليهودي كان يرمز للمسيح لم يكن يُسمح لأحد حتى لو كان من نسل هرون أن يمارس الكهنوت إن كان به أية عيوب جسدية، فالمرموز له أي المسيح كان بلا خطية.
وكلمة "كاهن" وإن كان لا يُعرف مصدرها على وجه اليقين، إلا أن الأرجح أنها مشتقة من كلمة "كُن" بمعنى "يقف" في إشارة لوقوف الكاهن أمام الله خادمًا له أو ممثلا للشعب أمام الله، أو ممثلا لله أمام الشعب، فهكذا توصف خدمة الكاهن (عد16: 9 + تث10: 8 + 17: 12 + 18: 5). وقيل أن أصل الكلمة بمعنى "أنبأ" بكلام الله والغيبيات. والكلمة التي تعبر عن هذه الخدمة في العبرية هي "كَهَنَ" وهي نفس الكلمة في العربية. وكان اليهود يطلقون على كهنة الأوثان لفظ الكماريم (صف1: 4) في مقابل اسم كوهانيم (جمع كاهن بالعبرية) لكهنة اليهود . وكلمة كماريم هي من مشتقات كلمة اللون الأسود وهو لون الملابس السوداء التي يرتديها كهنة الأوثان، أما كهنة اليهود فكانت ملابسهم من بوص = بيضاء (خر28: 39، 40). أما رئيس الكهنة فملابسه ملونة ومطرزة ومذهبة للمجد والبهاء (خر28: 40) فهو رمز للمسيح وراجع تفسير (خر28). أما اللون الأبيض فهو إشارة للبر الذي يجب أن يتصف به الكاهن (مز132: 9).
* ووجدت كلمة كاهن في اللغات السامية ويُعتقد أنها أتت من (كوهين) العبرية. واليهود استخدموا الكلمة بمعنى تقديم الذبائح والقرابين للتقرب من الله ولغفران الخطايا.
* أما استخدام الكلمة في الوثنية فنجده قد إشتمل بجانب تقديم الذبائح للتقرب للآلهة على أن الكاهن ينبئ الناس بإرادة الله ومعرفة الأسرار والتكلم عن الغيبيات بل والسحر.
وكان للكهنوت اليهودي ثلاث طبقات: 1) رئيس الكهنة أو الكاهن العظيم؛ 2) الكهنة؛ 3) اللاويين.
وهي نفس درجات الكهنوت المسيحي: 1) الأسقفية؛ 2) الكهنة؛ 3) الشمامسة. وكما كان اللاويين مساعدين للكهنة في خدمتهم هكذا هو دور الشمامسة.
وحينما نقول "العهد القديم" نفهم أن هناك عهدا بين الله وشعبه، وكان هذا العهد مبنيا على دم ذبائح، فكان وجود الكهنة أمرًا جوهريًا لحفظ علاقة مستمرة لإسرائيل مع الله . فكان الإسرائيلي يرتبط مع الله بعهد قومي فريد هو عهد الله مع شعبه، وكان هذا العهد يستلزم وجود الكهنوت لأهمية خدمته الشفاعية، فكان الكهنة وسطاء بين الله والشعب لحفظ علاقة العهد، ونرى أهمية هذه الوساطة في كيف أن هرون بمجمرته منع الوبأ عن الشعب فأنقذ الشعب (عد16: 41 – 50). ونفس الكلام ينطبق على العهد الجديد المبني على دم المسيح واستمرارية ذبيحة الصليب في سر الإفخارستيا الذي يمارسه الكهنة المسيحيين.
وكلمة كاهن تشير لِمَن يؤدي مهمة دينية كوسيط أو يرأس قداسًا مرتديًا ملابس معينة لها رموز دينية قاموس strongs. وكان من يقوم بدور كهنوتي من الآباء البطاركة له ملابس خاصة يرتديها في أثناء عمله الكهنوتي وتقديم الذبائح عن أسرته، وبعد انتهاء هذه الخدمة تحفظ هذه الملابس في صندوق خاص ويوضع معها روائح وزهور فيكون للملابس رائحة هذه الزهور. وكان عيسو يقوم بهذا الدور الكهنوتي بعد أن شاخ أبيه إسحق، لذلك حين ارتدى يعقوب ملابس عيسو (تك27: 15) وشَمَّ إسحق رائحة ملابس عيسو قال إسحق " رائحة ابني كرائحة حقل..." (تك27: 27). وراجع سفر الخروج إصحاح 28 لترى مفهوم ملابس هرون رئيس الكهنة وكيف أنها تشير لشفاعة المسيح في كنيسته.
* ونرى عمل كاهن العهد القديم في الكتاب المقدس أنه هو من يقدم ذبائح دموية على المذبح كوسيط بين الله والناس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. . وكلمة يَكْهن تعني تقديم ذبائح. فكان الخاطئ يأتي بذبيحة للكاهن معترفا بخطيته وهو ممسكا بالحيوان الذي أتى به فتنتقل الخطية إلى الحيوان البريء، ويقدم الكاهن الحيوان البريء الذي حمل خطية الخاطئ ذبيحة، فيرضَى الله عن الخاطئ ويصفح عنه.
* وهذا هو نفس ما يقوم به الكاهن المسيحي الآن... فالخاطئ يأتي في سر الاعتراف تائبًا معترفًا بخطيته، ويصلي له الكاهن التحليل وينقل الروح القدس خطايا المعترف إلى المسيح الذي يحمل خطايا المعترف وتغفر الخطايا بذبيحة الإفخارستيا، ويحصل المعترف بالتناول منها على حياة أبدية بجانب غفران الخطية... "يُعطَى لغفران الخطايا وحياة أبدية لِمَن يتناول منه".
1) أول ذبيحة سمعنا عنها في الكتاب المقدس هي الذبيحة التي أخذ منها الله جلدًا ليستر أبوينا الأولين آدم وحواء، إذ ألبسهما الله أقمصة من جلد "وصنع الرب الإله أقمصة من جلد وألبسهما" (تك3: 21).
ولكن من الذي قام بذبح هذه الذبيحة، هل هو الله أم آدم؟ لم يحدد الكتاب... والمفهوم أنه آدم نفسه الذي عَلَّمه الله تقديم الذبائح الدموية لغفران الخطايا، وتسلم هذا الطقس من آدم هابيل ابنه وهكذا.
فلماذا لم يذكر الكتاب أن آدم هو من قدَّم الذبيحة...؟ المعنى المهم في هذا أن الرب الإله هو الذي يستر وأن الذبيحة الحقيقية التي سوف تغفر الخطايا وتستر على آدم وبنيه هي ذبيحة الصليب، وهذه سيقدمها المسيح نسل آدم حين يتجسد في ملء الزمان وبيد اليهود أولاد آدم ، وهذه هي التي تستر حقيقة. ونعود للسؤال من قدَّم الذبيحة الأولى هل هو الله أم آدم؟ ولماذا لم يُشِر الكتاب لمن قَدَّمها؟ لأن في هذا إشارة لذبيحة الصليب التي تستر حقيقة، فالذي قَدّم الذبيحة هو ابن الله، هو قدم نفسه، ولكن بيد اليهود أبناء آدم. وقبل الله الذبيحة ليستر على أبناء آدم. وهذه هي التي تستر حقيقة. وصار تقديم ذبائح دموية هو الطريق المقبول لاسترضاء الله، فمن خلالها يرى الله ما سيفعله ابنه في ملء الزمان وبدمه يُكَفِّر عن آدم وبنيه = أي يغطيهم ويسترهم بدمه وليس بأقمصة من جلد. وبهذا يعود آدم وبنيه لحضن الله. لذلك قال الله يوم معمودية المسيح "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" فالله كان يرى أنه بذبيحة المسيح وبالمعمودية سيعود أولاد الله إليه. وبنفس المفهوم نجد الله يقبل ذبيحة هابيل الدموية ويرفض تقدمة قايين من ثمار الأرض. وأيضًا حين قدَّم نوح محرقة لله قيل "تنسم الله رائحة الرضا" (تك8: 21).
2) لذلك يعتبر آدم هو أول كاهن، والله هو الذي أسس الكهنوت أي طريقة التقرب لله عن طريق تقديم ذبائح دموية. ولقد علَّم الله آدم كيف يتقرب إليه: وذلك بأن يقدم أمامه ذبيحة دموية. وكلمة يتقرب أخذ منها كلمة قربان، أي تقديم ذبيحة لله. وقيل هذا عن ابن الإنسان (المسيح): "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه (أي قدموه ذبيحة مقبولة عن البشر). فَأُعْطِيَ سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا7: 13 ، 14).
3) وعَلَّمَ آدم إبنيه قايين وهابيل تقديم ذبائح لله ليتقربوا له فيقبلهم الله. ورفض قابيل هذا الكهنوت وقدم من ثمار الأرض. بينما قدم هابيل ذبيحة دموية. فقبل الله ذبيحة هابيل ولم يقبل تقدمة قايين. بل نسمع أن "هابيل كان راعيا للغنم"، ونفهم أنه كان يرعَى الغنم ليقدم منها ذبائح يتقرب بها لله كما تعلم من آدم أبيه، وكانت رعاية الغنم فقط لتقديم ذبائح لأنهم لم يكون مسموحا لهم أن يأكلوا لحوم حيوانات في ذلك الوقت. إنما سمح الله للإنسان بأكل اللحم بعد الطوفان.
4) ونرى أن الله يؤكد أن تقديم ذبائح دموية هو الطريق لاسترضاءه، فحين قدَّم نوح محرقته قيل "فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الإنسان... ولا أعود أيضًا أُمِيت كل حي كما فعلت" (تك8: 20).
ملحوظة وتساؤل:- هل حقًا يفرح الله بالذبائح الدموية، وبسببها لا يعود يلعن الأرض ولا يميت كل حي؟ علَّقَ أحد الكتاب المصريين ساخرًا على هذه الآية وقال "هل إله اليهود يُسَّر برائحة الشواء". وقطعًا ليس هذا هو المعنى، فالله لن يرضيه تقديم محرقات حيوانية. لكن كان الله يرى في هذه المحرقات ذبيحة المسيح، والتي بها تُرفع اللعنة عن الإنسان وتعود الحياة للإنسان. الله كان يُسَّر بطاعة المسيح الذي أطاع حتى الموت موت الصليب (في 2: 8). ولكن مرة أخرى نتساءل: وهل كان من المتصور أن لا يطيع المسيح، وحينما أطاع تنسم الله رائحة الرضا؟ أيضًا ليس هذا هو المعنى، فالمسيح أتى لهذا (يو12: 27) وفقا للمشورة الثالوثية الأزلية أن الابن هو من سوف يفدي الإنسان أي أن الآب والروح القدس أرسلوا الابن ليتمم الفداء (إش48: 16)، وبعد أن تمم الابن الفداء بالصليب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه بجسده الممجد، أرسل الآب والابن، الروح القدس ليكمل عمل تجديد الخليقة (تي 3: 5). الله لم يفرح بطاعة الابن فهذا أمر مفروغ منه، فهو أتى ليتمم الفداء بطاعته، لكن فرح الله كان راجعًا لعودتنا نحن لأحضانه عن طريق الصليب. الله كان يتطلع إلى اليوم الذي نعود له كأبناء في ابنه المسيح ويقول فرحًا "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". الله خلق آدم وكان يتمنى أن يبادله آدم المحبة، وعلامة محبة الله لآدم هذه الخليقة الجميلة التي أعدها له، وكان الله في المقابل يود وينتظر أن يظهر آدم طاعته للوصية إعلانًا عن ثقته في الله الذي أحبه. ولكن حدث العكس وصدَّق آدم الشيطان ولم يصدق الله. ولكن الآن كل من هو ثابت في المسيح يحسب كاملًا (كو1: 28) وبالتالي طائعًا لله. وهذا معنى قول القديس بولس الرسول "ومتى اخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي اخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل" (1كو15: 28). والمعنى أن المسيح كرأس للكنيسة سيعيدها خاضعة للآب في حب كما أراد الله منذ البدء. فكان الله يتنسم رائحة الرضا، لأنه يرى فيها هذا اليوم الذي يعود الإنسان في حب خاضعًا له. وعلَّم الإنسان منذ البدء التقرب لله عن طريق الذبائح الدموية لنفهم معنى ذبيحة الصليب.
5) وانحرفت فكرة تقديم ذبائح دموية للتقرب إلى الله، ودخلت العبادة الوثنية أفكارًا خاطئة فكان كهنة الأوثان يقدمون الذبائح لأصنامهم. بل كان لهم ممارسات بشعة كتقديم الأطفال ذبائح حية لاسترضاء الأصنام. إلى أن أتى موسى بالشرائع التي يرضاها الله مصححا الانحرافات التي دخلت عن طريق كهنة الأوثان. ونسمع في العهد القديم عن الكهنة الوثنيين مثل كهنة المصريين (تك41: 45) / والكهنة الفلسطينيين (1صم6: 2) / وكهنة داجون (1صم5: 5) / وكهنة البعل (2مل10: 19) / وكهنة كموش (إر48: 8) / وكهنة البعليم والسواري (2أخ34: 5) .
6) وأسس الله عن طريق ناموس موسى بعد ذلك الكهنوت الهاروني وتقديم ذبائح حيوانية. فكان الكهنوت الهاروني بمثابة تصحيح بعد تلك الانحرافات الوثنية، لتعود الصورة كما سلمها الله لآدم. وبهذا أسس الله نظام الكهنوت الهاروني ككهنوت يرضي الله عنه ويكون وسيطًا بين الله والشعب رمزًا لرئيس كهنتنا العظيم الذي يشفع فينا إلى الأبد.
7) ولكن كان واضحًا أن الذبائح الحيوانية لا تغفر الخطايا، إنما كانت طريقة مؤقتة إلى أن يأتي المسيح مقدما نفسه ذبيحة دموية، وبهذا تنتهي الذبائح الدموية لنتقرب إلى الله عن طريق كهنوت جديد على طقس ملكي صادق. ونلاحظ أن الله في العهد الجديد لم يلغي الكهنوت أي تقديم ذبائح بل تغير شكل الذبائح، من ذبائح دموية إلى ذبيحة على شكل خبز وخمر، وأُخِذَ الكهنوت من اليهود (الكرامين الأردياء) وأعطِى لكرامين جدد. ونجد في رسالة العبرانيين مقارنة تظهر سمو الكهنوت المسيحي عن الكهنوت الهاروني.
8) لذلك نسمع عن كهنوت ملكي صادق كرمز لكهنوت المسيح، وكان المسيح آخر ذبيحة دموية مقبولة قدمها الكهنوت اليهودي في شخص قيافا. وصار المسيح بهذا رئيس كهنتنا الذي قدَّم نفسه ذبيحة عنا. أما نبوة داود عن أن المسيح يكون كاهنا لله إلى الأبد على طقس ملكي صادق (مز110: 4)، فهذا يشير لاستمرارية تقديم المسيح نفسه كذبيحة مستمرة في كنيسته على هيئة الخبز والخمر في سر الإفخارستيا. وهذا هو الكهنوت المسيحي الذي بدأ بالصليب ويستمر إلى نهاية الأيام بالكهنوت المسيحي، كهنوت الخبز والخمر.
وراجع رسالة العبرانيين لترى المقارنة بين الكهنوت الهاروني الذي لم يكن به كمال (عب7: 11، 23)، وبين كهنوت المسيح الوسيط والشفيع الكفاري الأبدي لكنيسته "أقسم الرب ولم يندم. أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (مز110: 1). لذلك فالكهنوت الهاروني كان كهنوتًا مؤقتًا ورمزًا لكهنوت المسيح الذي يأتي في ملء الزمان، لأن الكهنوت الهاروني لم يكن به كمال (عب7: 11).
وكان كهنوت المسيح عن طريق تقديم نفسه ذبيحة دموية حقيقية، وكانت على طقس هارون، بل كانت آخر ذبيحة مقبولة يقدمها الكهنوت الهاروني (ممثلًا في قيافا)، وبعدها رُفِض الكهنوت اليهودي إذ انشق حجاب الهيكل، واستمر الكهنوت المسيحي على طقس ملكي صادق، وهو كهنوت لا يزول (عب7: 24، 25).
بنو هرون كانوا في هرون = من صلبه، فلا يوجد كهنوت أمام الله إلا لمن كان من بني هرون وهذه هي شريعة الله. وعمل الكاهن أن يقدم ذبيحة وهذا ما كان هرون يقوم به هو وبنيه. وهذا يشرح مفهوم الكهنوت المسيحي، فرئيس الكهنة الحقيقي هو المسيح الذي يقدم ذبيحة نفسه. وليس من حق أي إنسان أن يُقْدِم على أن يُقَدِّم المسيح ذبيحة إلا المختار من الله كهرون، فكما اختار الله هرون ونسله ليكونوا كهنة للعهد القديم يختار الله كهنة للعهد الجديد "ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضًا" (عب5: 4). والكاهن المسيحي هو في المسيح رئيس كهنتنا الحقيقي الذي يقدم نفسه ذبيحة على المذبح المسيحي، ويكون الكاهن المسيحي هو الأداة المنظورة التي يستخدمها المسيح في تقديم نفسه ذبيحة. فالكاهن المسيحي يستمد كهنوته من المسيح، فالكهنوت هو كهنوت المسيح، فالمسيح هو الكاهن والذبيحة ومقدم الذبيحة، ذبيحة نفسه (ورمزه هنا هرون). والكاهن المسيحي الذي هو في المسيح يأخذ كهنوته من المسيح الذي هو فيه ولذلك نقول أن الكهنوت المسيحي هو في المسيح (ورمز ذلك أبناء هرون الذين كانوا في هرون ومن صلب هرون). وهذا المفهوم هو ما أشار إليه القديس بولس الرسول بقوله "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام ووكلاء سرائر الله" (1كو4: 1). فالسر الكنسي (sacrament) هو نعمة وعطية من الله يريد أنها تصل لشعبه، ورجال الكهنوت هم من يقوموا بهذا الدور كخدام ووكلاء عن الله. وهذا هو ما رأينا تطبيقه في معجزة الخمس خبزات والسمكتين، فنعمة الله قام بتوزيعها رسل المسيح كوكلاء له.
قلنا أن الكهنوت وظيفته تقديم ذبائح لنسترضي الله. والذبيحة الوحيدة المرضية أمام الآب الآن هي ذبيحة ابنه "الخروف القائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). وهذه الذبيحة ستقدم في الكنيسة إلى الأبد "أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (مز110: 4) "اصنعوا هذا لذكري" (لو22: 19). وكما كان أبناء هارون هم استمرار لكهنوت هارون، هكذا فالكهنوت المسيحي مستمد من كهنوت المسيح الذي قدَّمَ ذبيحة نفسه على الصليب، والكهنة المسيحيين يقدمون نفس الذبيحة التي هي نفس ذبيحة الصليب، هي استمرار وليست تكرار لذبيحة الصليب. بل الكهنوت المسيحي يقوم بباقي الأسرار الكنسية والتي بها نتقرب إلى الله. وكيف شرح العهد القديم ذلك:-
(الله أراد أن يتكلم مع الشعب في سيناء فماذا حدث؟
(1) فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱذْهَبْ إِلَى ٱلشَّعْبِ وَقَدِّسْهُمُ ٱلْيَوْمَ وَغَدًا، وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ، ...
(خر19: 10). وفعل موسى كما أمره الرب. ثم نجد بداية ظهور الرب للشعب، ثم نجد الرب يكرر نفس التحذيرات السابقة (خر19: 21)... "فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «لَا يَقْدِرُ ٱلشَّعْبُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ حَذَّرْتَنَا قَائِلًا: أَقِمْ حُدُودًا لِلْجَبَلِ وَقَدِّسْه. فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: «ٱذْهَبِ ٱنْحَدِرْ ثُمَّ ٱصْعَدْ أَنْتَ وَهَارُونُ مَعَكَ" (خر19: 23-24).
فلماذا يكرر الله الطلب حتى أن موسى إندهش وقال للرب "أنت أمرتني أن أفعل هذا من قبل وأنا قد فعلت". لكننا نجد الله الحريص على عدم هلاك شعبه يكرر نفس الطلب حتى لا يهلك أحد منهم. فما الذي يرضي الله حتى لا يبطش بهم فيهلكوا؟! (خر19: 24). نجد أنه في المرة الثانية يطلب الرب صعود هارون مع موسى. وهارون هنا يمثل الكهنوت، رمزًا لكهنوت المسيح الذي يشفع فينا. هارون بذبائحه يتقرب الشعب لله فلا يموت، وهكذا الكهنوت المسيحي بتقديم ذبيحة الإفخارستيا نتقرب من الله. بهذا نفهم أن الله أعطى الوصية لآدم، وآدم خالف الوصية فمات = هذه تناظر موسى حين إستلم الوصية للمرة الأولى (آية 10) ونزل إلى الشعب ونفذ الوصية وقدس الشعب.
أما المرة الثانية (خر19: 21) فكان مع الوصية الكهنوت (إصعد هارون معك آية 24) إشارة لكهنوت المسيح وشفاعة دمه، فصار من يخطئ له رجاء في دم المسيح الذي يكفر عنا فلا نهلك بل نحيا.
(2) نرى أيضًا شفاعة الكهنوت في أن هارون حين قدم البخور في فتنة قورح وداثان وأبيرام (عد16: 48) إمتنع الوبأ.
(3) نرى أيضًا عمل الكهنوت في (عد20: 8) في موضوع خروج الماء من الصخرة بوجود هارون الكاهن وبالصلاة.
أية (8):- " «خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ»."
فيها رمز لعمل الثالوث القدوس (كما حدث يوم عماد المسيح). فالآب من السماء يريد أن يسكب الروح القدس على كنيسته وعلى المؤمنين، بعد أن تم الصلح بدم المسيح. ولكن كيف يحدث هذا؟ نلاحظ أن الصخرة رمز للمسيح (1كو10: 4). والماء رمز للروح القدس. ونفهم أن الطريق لانسكاب الروح القدس علينا هو الصلاة والطلب. وهذا ما يشير إليه أن يكلم موسى الصخرة. ونحن بصلاتنا وتوبتنا واعترافنا نمتلئ بالروح القدس = "الآب يعطي الروح القدس لمن يسألونه" (لو11: 13). والكنيسة تمتلئ بالروح القدس حينما يصلي الشعب بنفس واحدة (أع2: 1-4 + أع4: 31).
خذ العصا = هذه العصا (رمز الصليب) ضرب بها موسى النهر ليتحول إلى دم رمز للمسيح المضروب لأجلنا. ولكن لا يجب ضرب الصخرة مرتين فالمسيح لا يموت سوى مرة واحدة (رو10،9:6) + (عب 27،26:9). وربما كانت خطية موسى شكه أن الله سيعطي ماء بدون استعمال العصا وهي الطريقة التي سبق واختبرها مرارًا خلال رحلة الأربعين سنة ، لكن الله عنده طرق متنوعة وعديدة. أو أن موسى شك أن الله سيعطي ماء لهذا الجيل المتمرد . أو هو نسب العمل الإعجازي (خروج الماء) لنفسه = أمن هذه الصخرة نخرج لكم ماء. كان هذا بسبب الغضب ومع من ! مع موسى الحليم. فعلينا أن نخشى لأن حتى نقاط قوتنا قد تصبح سبب سقوطنا إن لم نحترس.
*ولكن كيف لموسى أن يفهم سر الصليب والفداء؟ موسي لم يفهم أنه حين يضرب الصخرة مرتين فهو يفسد الرمز إذ يجعل المسيح يصلب مرتين، وهذا هو الاحتمال الأكبر. ونلاحظ أنه ليس من المهم أن نفهم حكمة الله في وصاياه، لكن علينا أن ننفذ وصايا الله دون أن نسأل أو نفهم. لكن كان حرمان موسي بسبب هذا الخطأ البسيط إعلانًا أن هذه هي طريقة الناموس في محاسبة البشر، وموسي هو ممثل الناموس.
أما دخول كنعان (وهي رمز السماء كنعان السماوية) فهو بيشوع رمزًا للمسيح يسوع (يسوع هو النطق اليوناني لاسم يشوع العبراني). وأقصى ما يمكن للناموس أن يعاين الأمجاد من بعيد، كما عاين موسي أرض الميعاد من فوق الجبل . هذا من الناحية الرمزية ، لكن من الناحية الواقعية فموسي أعظم الجميع بشهادة الله نفسه ، وظهر مع المسيح علي جبل التجلي.
كانت المرة الأولى التي خرج فيها ماء من الصخرة (الإصحاح17)
فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مُرَّ قُدَّامَ الشَّعْبِ، وَخُذْ مَعَكَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَعَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا النَّهْرَ خُذْهَا فِي يَدِكَ وَاذْهَبْ. هَا أَنَا أَقِفُ أَمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ». فَفَعَلَ مُوسَى هكَذَا أَمَامَ عُيُونِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. "
المرة الأولى تشير لصلب المسيح:- الذي به تم الصلح مع الآب "لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ ٱللهِ بِمَوْتِ ٱبْنِهِ" (رو5: 10). وبعد المصالحة أرسل الله لنا الروح القدس، والذي يرمز الماء إليه. وهنا العصا في يد هارون تشير للصليب، والصخرة تشير للمسيح، وضرب الصخرة يشير لصلب المسيح. والشيوخ يشيروا لشيوخ إسرائيل والسنهدريم ورؤساء الكهنة الذين تآمروا لصلب المسيح.
وفي هذه الآيات من سفر العدد (الإصحاح العشرون) نجد المرة الثانية والأخيرة:
«خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ»."
المرة الثانية تشير لكيفية انسكاب الروح القدس علينا وعلى الكنيسة الآن:- يقول رب المجد "فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلْآبُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يُعْطِي ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ" (لو11: 13). أي أن الروح القدس ينسكب الآن علينا كأفراد وعلى الكنيسة بالصلاة = كلما الصخرة. ويأخذ موسى معه العصا لأن فاعلية الصليب مستمرة، أي شفاعة دم المسيح والتي بها أرسل الآب الروح القدس، وهذا ما قاله رب المجد "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلْأَبَدِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ" (يو14: 16-17) ويطلب من الآب تعني شفاعته الكفارية.
لكن لماذا طلب الله من موسى أن يأخذ معه هارون؟
طلب الله من موسى في المرة الثانية أن يأخذ معه هارون ممثلًا لكهنوت المسيح الذي قدَّم ذبيحة نفسه على الصليب. وكهنوت المسيح هذا ممتد عبر الكهنوت المسيحي، كهنوت الخبز والخمر والمستمر لنهاية الزمان. الذي قال عنه المزمور "أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (مز110: 4). وجود هرون كان شرحًا لعمل الكهنوت في حلول الروح القدس في الكنيسة:
فالروح القدس يحل ويقدس مياه المعمودية بصلوات الكهنة، لم نسمع أن أحدًا اعتمد بدون كاهن (فيلبس عَمَّد الخصي الحبشى (أع8: 38)، وبطرس عمَّد كرنيليوس (أع10: 48)، وحنانيا عمَّد بولس الرسول (أع9: 18). وفي سر الميرون يسكن الروح القدس في المُعَمَّد بنفخة الروح القدس في فم المُعَمَّد وبوضع اليد (أع19: 6). وفي سر الاعتراف ينقل الروح القدس خطايا المعترف إلى المسيح بصلاة التحليل التي يصليها الكاهن. وفي سر الإفخارستيا وبصلاة الكاهن يحول الروح القدس الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه (الخروف القائم كأنه مذبوح) والذي يُعطَى لغفران الخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه. والرتب الكهنوتية (سيامة الأساقفة والكهنة والشمامسة) تكون بالصلاة ووضع اليد (أع13: 2-3 + 1تي 5: 22). فمع أن الله هو الذي اختارهم لخدمته كان لا بد من وضع يد الكهنوت. وهكذا سر الزواج فالكاهن كوكيل عن الله في تتميم الأسرار الكنسية، يصلي والله هو الذي يجمع الزوجين في جسد واحد (1كو4: 1-2 + مت19: 6).
حقًا إن دور الكاهن الأساسي هو أن يقوم بتتميم الأسرار المقدسة وكل الصلوات الليتورجية. وهو كأب روحي عليه أن يهتم برعاية شعبه، المحتاج منهم والمريض، ويهتم بإفتقادهم. وهو مسئول عن التعليم في كنيسته وعن سلامة التعليم داخل كنيسته.
ولنعلم أن الإكليروس، الأب البطريرك والأباء الأساقفة والأباء الكهنة محاربين بشدة وهم أكثر عرضة للتجارب بهدف إفشال الخدمة ووضع عثرات أمام الشعب. ليس هذا فقط بل هناك مشاكل كثيرة يثيرها عدو الخير ضد الكنيسة وتحتاج إلى التدخل الإلهي ليعطي حكمة لحلها. لذلك تصلي الكنيسة للإكليروس، للبطريرك والأساقفة والكهنة والشمامسة. وتصلي للإكليروس عامة وتقول "إعطى بهاءً للإكليروس" فليس أحد معصوم من الخطأ لكن خطأ الإكليروس يسبب عثرات كثيرة. وهكذا كان القديس بولس الرسول يصلي من أجل شعبه، ويطلب منهم أن يصلوا من أجله.
سر مسحة المرضى |
الأسرار السبعة أبونا أنطونيوس فكري |
رأي المعترضون البروتستانت على الكهنوت |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2ksw3sk