الله خلق آدم ومنه كون الله حواء ومن كلاهما يولد الأبناء أي أن الخليقة كلها هي آدم. وآدم في البداية كان في الابن، والابن في الآب. ومن هنا نفهم أن القصد الإلهي كان هو الوحدة - البشر كلهم من آدم واحد. وآدم في الابن، والابن في الآب. ولأن البشر كانوا من واحد فالمفروض أن يعيشوا في محبة، وكانت إرادة الله أن يحيا الإنسان للأبد. وكان الحب متبادلًا بين الله وآدم، وعلامة حب الله عطاياه غير المحدودة لآدم. وهذا يتضح من أن الله ظل يُعِّد الجنة بلايين السنين ليحيا فيها آدم في فرح وللأبد - إن أكل من شجرة الحياة، أي يختار بحريته الاتحاد الكامل بالله. وكان اختيار آدم عكس المفروض، وأخطأ فانفصل عن الله فلا شركة للنور مع الظلمة.
ودمرت الخطية هذه الوحدة وفسد الإنسان ومات، ودخلت الكراهية فقتل الأخ أخيه. تشتتت الوحدة ولم يعد الإنسان واحدًا. ومات الإنسان منفصلًا عن الله وكارها لأخيه.
فهل يفشل القصد الإلهي؟
قطعًا هذا لن يحدث - وكان الفداء
الله خلق الإنسان لأنه يحب الإنسان. كنا في عقل الله فكرة، وخرجت الفكرة يوم خلق الله آدم. وحينما مات الإنسان كان لا بد من حل، لأن الله يحب الإنسان منذ الأزل أي منذ كان فكرة في عقل الله. وكان الفداء ليس فقط لكي يدفع المسيح ثمن الخطية، بل ليعيد خلقة الإنسان في خليقة جديدة.
تجسد المسيح ومات وقام، وبالمعمودية يموت إنساننا العتيق، ونقوم بإنسان داخلي جديد متحد بجسد المسيح. رفض آدم أن يتحد بشجرة الحياة فيحيا للأبد، فأتى المسيح شجرة الحياة (رؤ2: 7) ليتحد هو بنا فنحيا للأبد. ونستمر ثابتين في جسد المسيح الواحد بسر الإفخارستيا. وكان سر الإفخارستيا لازمًا لأننا نحيا في عالم مملوء بالخطية "العالم كله قد وضع في الشرير" (1يو5: 19). ونتأثر بالخطية الموجودة فنخطئ. والخطية ينتج عنها عدم الثبات في المسيح وتتهدد الوحدة واستمرارية حياتنا الأبدية. والرب يطلب أن نثبت فيه (يو15: 4) لنظل أعضاء جسده ونظل أحياء "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم" (يو6: 53). ووضع الرب هذا السر الذي به نستمر ثابتين في جسده "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو6: 56). ونلاحظ أن سر الإفخارستيا أي التناول من جسد المسيح ودمه ليس عقيدة للخلاف على ألفاظ، وهل هناك تحول حقيقي للخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه أم هو مجرد رمز للذكرَى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بل هو عقيدة أساسية في المسيحية بها يجمع المسيح الكل كجسد واحد، فتصير أجسادنا أعضاء المسيح (1كو6: 15)، نصير "أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30). ويقول الرسول أيضًا عن هذا السر "الخبز الذي نكسره هو شركة جسد المسيح. وبه نصير نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد" (1كو10: 16 ، 17). ولنتساءل كيف يتم هذا أن نكون نحن الكثيرين خبز واحد وجسد واحد إن لم يتحول خبز الإفخارستيا إلى جسد المسيح الواحد الذي يجمعنا معًا فيه في جسد واحد. الإفخارستيا هي عقيدة من صميم فكر الوحدة التي يريدها الله بحسب القصد الإلهي الأزلي. فما شتته آدم بالخطية أتى المسيح ليعيد تجميعه وتوحيده في جسده. ولنرى الفكر الإلهي في صلاة المسيح الشفاعية.
"ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني. وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد، وليعلم العالم أنك أرسلتني، وأحببتهم كما أحببتني" (يو17: 20 - 23).
فما شتته آدم بالخطية وصار جسده ميتًا وبلا اتحاد، وبلا محبة بين أعضاءه، أتى المسيح آدم الأخير ليؤسس جسدًا جديدًا واحدًا يحيا للأبد بحياته هو المقامة من الأموات. والروح القدس الذي أرسله المسيح بعد صعوده أول ثماره المحبة، ويعطي الروح القدس المحبة في قلوب كل شعب المسيح. وبالمحبة يترابط الجسم معًا ويتحد كوحدة واحدة مع جسد المسيح. وتعود الصورة التي أرادها الله منذ الأزل - إنسان واحد، جسد واحد في المسيح ابن الله، والابن في الآب. ويفيض الآب بمحبته على الإنسان الواحد الثابت في أبنه المحبوب، والابن الوحيد الجنس في الآب، وتعود الصورة كما أرادها الله منذ الأزل. ونلاحظ أن الابن بجسده أي كنيسته يعيد الخضوع للآب بحسب القصد الإلهي الأزلي (1كو15: 28)، بعد أن صدَّق أبوينا الأولين الشيطان ولم يصدقا الله. المسيح أعاد صورة الوحدة للإنسان لنصير نحن واحدًا، وأيضًا واحدًا فيه، وهو في أبيه. وأعاد الحياة والمجد للإنسان. وأعاد المحبة المتبادلة بين الله والإنسان "سكب محبة الله في قلوبنا بالروح القدس" (رو5: 5). الله يفيض بمحبته على الإنسان الثابت في أبنه المحبوب، والإنسان في محبته يثق في الله ثقة تجعله يخضع في حب لله.
كان آدم الأول رأس الجسد القديم الذي مات بسبب الخطية. وصار آدم الأخير رأس الكنيسة الجسد الحي، الخليقة الجديدة في المسيح. وكما كانت الإمرأة حواء أما لهذا الجسد الميت، صارت الإمرأة العذراء مريم أما للجسد الحي - الكنيسة، لذلك قال الرب على الصليب لأمه "يا امرأة هوذا ابنك" - وليوحنا "هوذا أمك" (يو19: 77).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r2wyhnk