في سر الإفخارستيا يتحوَّل الخبز إلى جسد المسيح الحقيقي، ويتحول الخمر إلى دم المسيح الحقيقي. وهذا ما قاله رب المجد "جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق" (يو6: 55). التحول حقيقي وجوهري. وحينما نتناول الجسد والدم فنحن نتناول جسد المسيح ودمه الحقيقيين ولكن تحت أعراض الخبز والخمر، فما يظهر أمامنا خبز وخمر. فنحن لا نتذوق طعم لحم ولا طعم دم بشريين، فالله لا يريد لنا أن نصبح من آكلي لحوم البشر. والرب أسس هذا السر لكي يتحد بنا مكونا جسده الرمزي أي الكنيسة الواحدة. إذًا هناك جسد حقيقي نأكله ونتحد به موجودا في الصينية والكأس، ويوجد جسد معنوي هو كل الكنيسة التي اتحدت بجسد المسيح الحقيقي في السر لتصير كرمة واحدة.
تشبيه لنيافة الأنبا رافائيل:- مريض بالأنيميا (نقص الحديد بالجسم) يعطيه الطبيب أقراص حديد. وشكل أقراص الحديد هو نفس شكل أي قرص آخر، ولكن بداخل القرص حديد حقيقي هو المادة الفعالة التي يحتاجها جسم المريض، ولكننا لا نعطي للمريض مسمار حديد ليتناوله. ولا يقول أحد أن الحديد الذي في القرص هو رمزي. ما يظهر شكل قرص عادي والجوهر عنصر الحديد.
هناك جسد خاص بالمسيح وُلِد به من العذراء مريم، وصلب به ومات وقام به. وجلس به عن يمين الآب. وهذا الجسد هو بعينه على المذبح في الصينية. هذا الجسد الحقيقي نتحد به اتحاد سرائري مع المسيح، لتكوين الكنيسة جسد المسيح المعنوي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لذلك فالصينية قد ترمز للمذود، وللصليب، وللجبل الذي جلس عليه المسيح ليعلم، وترمز للقبر الذي دفن فيه جسد المخلص، وترمز للعرش. واللفائف على المذبح قد تشير للأقمطة وقد تشير للأكفان التي كفنوا بها جسد الرب. ولكن حين نقول أن الكنيسة جسد المسيح فهذا يعني جسد المسيح المعنوي، فالمسيح يده محيية، أما أنا فيدي ليست محيية. الجسد الحقيقي نتناوله في سر الإفخارستيا لكننا لا نتناول الجسد المعنوي الذي هو الكنيسة.
وماذا يعني الجسد المعنوي أو الرمزي؟ كان هناك آدم واحد أُخِذت حواء من ضلع منه، فحواء صارت من جسد آدم. لكن كان هناك شخصين منفصلين آدم وحواء. آدم لم يصر حواء وحواء لم تصر آدم. وهكذا حين نتناول جسد المسيح لا نصير نحن المسيح. فالمسيح يده محيية، أما أنا فيدي ليست محيية. المسيح جسده متحد بلاهوته أما أنا فلست متحدا باللاهوت بل آخذ من اللاهوت المتحد بجسد المسيح ما لا يوجد سوى في اللاهوت كالحياة الأبدية مثلًا.
الكنيسة جسد المسيح المعنوي بمعنى شرحه الرسول في (1كو12) + (أف4). فشبه الكنيسة بإنسان له أعضاء كثيرة، وكل عضو له وظيفة غير الآخر فيتكامل أعضاء الجسم. لكن العين ليست أذن والأذن ليست يد، وهكذا. ولو قام كل بعمله لظهر شخص المسيح في الكنيسة وراجع هذا المفهوم في مقدمة رسالة أفسس.
ويقول القديس بولس الرسول "لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السموات وما على الأرض، في ذاك" (أف1: 10). فالوحدة لم تكن فقط بين الله وآدم، بل أن الملائكة سبقت خلقتهم خلقة الإنسان. وسقط بعض الملائكة فانفصلوا عن الله وصاروا شياطين، ومَن بقى منهم استمر ثابتًا في الابن.
* والقداس هو الفرصة المقدسة التي نتحد فيها كجسد المسيح الواحد، ونتحد بجسد المسيح ونصير "خبز واحد، وجسد واحد" (1كو10: 17). بل تشرح الكنيسة فكرة الوحدة مع السمائيين، فنجد في صلوات القداس الغريغوري "الذي ثبت قيام صفوف غير المتجسدين في البشر" ففي القداس تحضر الملائكة معنا. وهناك ملاك الذبيحة الذي يصرفه الكاهن في نهاية القداس. ويشترك في الوقوف معنا من سبقونا للسماء من القديسين ونرى ذلك في أوشية الراقدين وفي المجمع. بل ونشرك القديسين معنا في الصلاة عنا خلال التسابيح وخلال دورات البخور حينما يبخر الكاهن أمام الأيقونات. ونلاحظ مسكونية الكنيسة أي اهتمامها بالكل، فالصلوات المرفوعة في القداس هي من أجل كل الناس.
* سبق وقلنا أن الروح القدس هو العامل في أسرار الكنيسة ليُكوِّن جسد المسيح، هو العامل في سر المعمودية الذي فيه نولد لنصير أعضاء في الجسد، وبالميرون يسكن فينا الروح القدس ليجدد طبيعتنا ويحفظنا ثابتين في المسيح. وبالتوبة والاعتراف نؤهل للتناول من الجسد والدم في سر الإفخارستيا لنثبت في الرب. وبذلك نرى أن الروح القدس الذي كون جسد المسيح في بطن العذراء هو نفسه الذي يعمل في الأسرار ليكون جسد المسيح المعنوي أي الكنيسة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yyndbf8