بالتعاون مع أسرة المشاركة الوطنية بالإسكندرية، تم عمل هذا القسم الجديد في الموقع، وكان أفضل مكان له هو قسم إيمان كنيستنا القبطية، تصديًا لأي آراء أو هرطقات في الماضي أو في المجتمع المعاصر... وكذلك في نشر روح المشاركة الوطنية في مشكلات العصر والوطن... وسوف نقوم بتحديث هذا القسم بصفة مستمرة بإذن الله...
ترددت في الآونة الأخيرة الكثير من الأقاويل والادعاءات التي تحاول أن تفصل بين بابا الكنيسة وأعضائها من المؤمنين بالمسيحية الأرثوذكسية, فخرجت علينا بعض الأصوات تتهم رئاسة الكنيسة بالفساد والديكتاتورية والتسلط! واصفة علاقة بين الأب بأبنائه بعلاقة السيد والعبد وإلى غير ذلك من اتهامات باطلة...! وهو ما يجعلنا نتساءل: أين الأقباط من هذه الاتهامات؟ وهل الأقباط شعب ساذج لا يفرق بين من يعمل لصالحه فيقف وراءه، ومَنْ يهدم بنيانه فينفض عنه؟!
التاريخ يجيب لنا بما فيه من عبر!! فلنفتح إذن بعض الملفات القديمة لنستخلص منها بعض المعايير التي حكمت العلاقة بين الراعي ورعيته.
البابا كيرلس الخامس هو رجل وطني عظيم، وقف في وجه الاحتلال وساند عرابي وسعد زغلول... وحينما أراد أن ينهض بكنيسته من خلال الإكليريكية والمدارس والتربية الكنسية التي أنشئت في عهده، اصطدم به بعض رجال الكهنوت وأعضاء المجلس الملي، فدسوا بينه وبين الخديوي توفيق في أواخر القرن التاسع عشر! فأمر بعزله في ديره البرموس, وهنا ثار الشعب القبطي وبقى على ولائه للشرعية الكنسية، ورفض الصلاة في الكنائس التي يصلي فيها الكهنة والأسقف المحرومين، وكانوا يعبرون النهار للصلاة في كنائس الجيزة بدلًا من القاهرة... حتى قام المخلصون من الإكليروس والأراخنة بحل الأزمة، وعاد بعدها البطريرك بكل كرامة إلى مقره ليعفوا عن كل الذين خالفوا القانون الكنسي وأعلنوا توبتهم.
ولكن الأزمة لم تلبث أن عادت من جديد حينما حاول البابا تعديل بعض بنود لائحة المجلس الملي لكي تتوافق مع روح الخدمة الكنسية، فما كان من بطرس غالي (الجد، ورئيس الوزراء آنذاك) أن رد عليه بكل تبجح قائلًا: "ولو تغير الإنجيل لن أغير لائحة المجلس الملي"!!
فلم يجد البابا إزاء هذا التصرف الغريب عن الروح المسيحية إلا أن أعلن له عدم ترحيبه برؤيته مرة أخرى، نظرًا لما صدر منه من استهزاء بالكتاب المقدس.
وفي نفس اليوم تم اغتيال بطرس غالي الجد لأسباب سياسية (بالأخص مواقفه في السودان), ولم يرى البابا وجهه مرة أخرى!!
تولى رعاية الشعب القبطي قبيل ثورة يوليو 1952، ولكنه وبالرغم من ورعه إلا إنه كان ضعيف الشخصية ولم يستطع أن يوقف نفوذ سكرتيره الخاص الذي كان فاسدًا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه! وكان يجني الأموال من بيع الرتب الكنسية لغير المستحقين، وهي جريمة خطيرة تُسَمَّى بـ"السيمونية" (نسبة إلى سيمون الساحر الذي أراد شراء مواهب الروح القدس بالمال، والقصة مذكورة في سفر أعمال الرسل، وستجد النص الكامل للسفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
ونتيجة لذلك الفساد الذي انتشر في جسد الكنيسة، جرت عدة محاولات لتصحيح هذا الوضع وعزل سكرتير البابا... حتى إن بعض الشباب القبطي المتهور قام بخطف البابا من مقره وإجباره على التوقيع على مطالبهم الإصلاحية! ولكنها كانت خطوة لم تحظى بأي قبول في الأوساط القبطية وباءت بالفشل سريعًا.
ومع استمرار هذا الوضع السيئ، اتفق أعضاء المجمع المقدس والمجلس الملي -ولأول مرة في التاريخ القبطي- على تعيين لجنة أسقفية للقيام بأعمال البابا بدلًا منه. وهنا لم يقم الأقباط بالثورة، ولكنهم شعروا بالحزن لما آل إليه حال كنيستهم... ولكنه حزن خالطه الاطمئنان لأن الله لم يترك كنيسته بلا رعاة مخلصين قلعوا الفساد وحافظوا على الوحدة والمحبة في الكنيسة!
الغريب إن بعض المحسوبين على الأقباط يرددون أن عهد البابا يوساب الثاني هو عهد ذهبي ومتميز للكنيسة وكأنهم ينسون التاريخ!
أصبح بابا للكنيسة مع بداية المد المتطرف وموجات الإرهاب المتوالية التي عصفت بمصر، ولكنه استطاع ولأول مرة في تاريخ المجلس الملي أن يتعاون معه وينشئ هيئة للأوقاف القبطية، وينظم العلاقات بين أعضاء المجمع المقدس وبين سائر الهيئات القبطية وأفراد الشعب... وكان من نتيجة ذلك زيادة ملحوظة في أعداد المنتظمين في الخدمات الكنسية والمعاهد اللاهوتية.
وكان لمواقف قداسة البابا شنوده الثالث القومية المشرفة من حقوق المواطنة للأقباط ومن القضية الفلسطينية -التي شهد بحكمتها الكثيرون بعد ذلك- أثرها في أن وضعه الرئيس الراحل في قائمة المغضوب عليهم! حتى قام بإلغاء القرار الجمهوري باعتماد تعيينه وقرر اعتقاله في دير الأنبا بيشوي (وهو ما يُسَمَّى تأدُّبًا بالتحفظ). وهنا لم يأبه الشعب بهذا القرار، بل استمرت الصلوات تُقَام باسم قداسته، وظلت أمور الكنيسة تُدَار وسط الأزمة بحكمته.
وغطَّى حزن الأقباط على غضبهم؛ حزنهم على وطنهم وغضبهم لبطريركهم. وظلوا يصلون متمسكين بكنيستهم وشرعية الرئاسة الكنسية... وبعد شهر من قرارات سبتمبر الغاشمة كرر التاريخ نفسه!!!
* * *
وبمرور السنوات تزداد المشاكل حول الكنيسة، ويزداد الأقباط التفافًا وحبًا حول السيد المسيح وخليفة رسله...
وهكذا نرى فطنة الشعب القبطي ومدى وعيه بكنيسته واحترامه لراعيه، وفي ذات الوقت حيويته ورفضه استغلال ضعاف النفوس.
فهؤلاء الأقباط هم الذين غضبوا أيام البابا كيرلس الخامس والبابا شنودة الثالث لعِلمهم بمدى الظلم الذي وقع عليهم، هم نفسهم الذين فوَّضوا المجمع المقدس والمجلس الملي في عزل البابا يوساب الثاني.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/y6nn9y6