St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   01-Engeel-Matta
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

متى 11 - تفسير إنجيل متى

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب متي:
تفسير إنجيل متى: مقدمة إنجيل متى | معنى تسلسل الأحداث في إنجيل متى | متى 1 | متى 2 | متى 3 | متى 4 | متى 5 | متى 6 | متى 7 | متى 8 | متى 9 | متى 10 | متى 11 | متى 12 | متى 13 | متى 14 | متى 15 | متى 16 | متى 17 | متى 18 | متى 19 | متى 20 | متى 21 | متى 22 | متى 23 | متى 24 | متى 25 | متى 26 | متى 27 | متى 28

نص إنجيل متى: متى 1 | متى 2 | متى 3 | متى 4 | متى 5 | متى 6 | متى 7 | متى 8 | متى 9 | متى 10 | متى 11 | متى 12 | متى 13 | متى 14 | متى 15 | متى 16 | متى 17 | متى 18 | متى 19 | متى 20 | متى 21 | متى 22 | متى 23 | متى 24 | متى 25 | متى 26 | متى 27 | متى 28 | متى كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

الآيات (متى 1-6‌):- + (لو18:7-23‌):-

(متى 11: 1-6):-

وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ أَمْرَهُ لِتَلاَمِيذِهِ الاثْنَيْ عَشَرَ، انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ لِيُعَلِّمَ وَيَكْرِزَ فِي مُدُنِهِمْ. أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي السِّجْنِ بِأَعْمَالِ الْمَسِيحِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».

(لو18:7-23):-

فَأَخْبَرَ يُوحَنَّا تَلاَمِيذُهُ بِهذَا كُلِّهِ. فَدَعَا يُوحَنَّا اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى يَسُوعَ قَائِلًا: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ الرَّجُلاَنِ قَالاَ: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ قَائِلًا: أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ شَفَى كَثِيرِينَ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَدْوَاءٍ وَأَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ، وَوَهَبَ الْبَصَرَ لِعُمْيَانٍ كَثِيرِينَ. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُماَ: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».

فلما سمع في السجن = راجع (مت 3:14-12)

ويوحنا المعمدان أدرك أنه سوف يستشهد، فأرسل تلاميذه للسيد المسيح ليلمسوا بأنفسهم من هو المسيح، هو أراد تحويل تلاميذه حتى لا يقاوموا المسيح فيما بعد بل يتتلمذوا له. وسؤال يوحنا أنت هو الآتي (أي المسيح المنتظر) أم ننتظر آخر. كان هذا السؤال ليس عن شك في المسيح، فمن عرف المسيح وهو في بطن أمه (لو 44:1) ورأى حمامة تحل عليه يوم عماده (يو 29:1-34). فمن شهد للمسيح كل هذه الشهادات أيعود ويشك فيه! قطعًا لا. ولكن كان السؤال لأجل أن يؤمن تلاميذه بالمسيح ويتبعوه؛ فهذا هو دوره كسابق للمسيح. خصوصًا أن الغيرة كانت قد بدأت في قلوب تلاميذ المعمدان من نجاح خدمة المسيح (يو 26:3). خصوصًا أنه واضح من (يو 35:1-37) أن المعمدان كان يشهد لتلاميذه عن المسيح ليتبعوه كما تبعه هنا يوحنا وأندراوس. وهناك من قال أن يوحنا أرسل يسأل المسيح هذا السؤال لأنه مسجون وحالته النفسية سيئة ، فإن كان المسيح هو الآتي فلماذا لا يخرجه من السجن.!! ألم يقرأ من قال هذا الكلام العجيب ما قاله يوحنا المعمدان عن المسيح (يو 3: 27-36) هل من يقول هذا الكلام عن المسيح ما زال لا يعرف من هو؟! لقد أطلق المعمدان على المسيح لقب "حمل الله" (يو1: 29) والمعنى أنه سيقدم ذبيحة. فهل يُقَدَّم المسيح ذبيحة ويُخْرِج المعمدان من السجن!!

وحين سأل تلاميذ المعمدان السيد المسيح أجابهم بأن العمي يبصرون والصم يسمعون ... وكأنه يقول لهم لقد تحققت النبوات في (إش 5:35 +1:61). والسيد حذر التلميذان من أن يستمر شكهم فيه بعد أن سمعوا ما سمعوه ورأوا ما رأوه= طوبى لمن لا يعثر فيّ وربما كان قصد السيد المسيح لا تشكا فيَّ بالذات إذا رأيتموني معلقًا على عود الصليب، أو معرضًا لإهانات اليهود. ويعثر فيَّ تعني عدم الإيمان بي.

المساكين= ليس فقط الفقراء والضعاف بل المساكين بالروح أي المتضعين.

 

الآيات (متى 11: 7-11) - (لو24:7-28‌):-

وَبَيْنَمَا ذَهَبَ هذَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ النَّاعِمَةَ هُمْ فِي بُيُوتِ الْمُلُوكِ. لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ.

(لو24:7-28):-

فَلَمَّا مَضَى رَسُولاَ يُوحَنَّا، ابْتَدَأَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ! هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ نَبِيٌّ أَعْظَمَ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ».

حتى لا يظن أحد أن يوحنا المعمدان يشك في المسيح، فلقد شهد له هنا السيد المسيح. وكانت شهادة المسيح عن المعمدان بعد أن مضى تلاميذه حتى لا يكون كلام المسيح عنه تملقًا له أو لهما. عمومًا كان قول المسيح أنه ليس بقصبة تحركها الريح= يعني أن يوحنا لن يتأثر بالمديح كما أنه لا يتأثر بالذم. فلقد تعرض يوحنا لكثير من المديح من الناس ولكثير من الألم من هيرودس ولكنه لم يتزعزع لا من هذا ولا من ذاك. وأيضًا لأنه ليس قصبة تحركها الريح فهو لم يستجب لحروب الأرواح النجسة ولا لأي تعليم غريب، بل ظل على طهارته شاهدًا للحق لا يتزعزع عنه، يحيا حياة خشنة، ويرتدي لباسًا خشنًا، إذ كان رداؤه من شعر الإبل. والقصبة فارغة أما يوحنا فمملوء من الروح لذلك لم يهتز من أفكار العالم الشريرة. لكن من هو فارغ كالقصبة يهتز لأي شيء أو أي فكر غريب.

وأفضل من نبي= فلا يوجد نبي تنبأ آخر عن مجيئه. الوحيد الذي جاءت عنه نبوات من أنبياء العهد القديم (غير المسيح طبعًا) هو يوحنا المعمدان (ملا 1:3 + أش 3:40). وتنبأ ملاك بولادته (لو 13:1) وامتلأ بالروح من بطن أمه (لو 15:1 + لو 44:1). وكل الأنبياء تنبأوا عن المسيح، أما يوحنا فأعد له الطريق مباشرة. كل الأنبياء أشتهوا أن يروا المسيح ولم يروه، أما يوحنا فرآه.

لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان= هو الأعظم لأنه استحق أن يعمد المسيح. وهو شهد للحق حتى الموت. وحينما أتى له تلاميذه ليثيروه ضد نجاح عمل المسيح وذيوع شهرته بينما أن المعمدان هو الذي عمده، قال قولًا عظيمًا "ينبغي أن هذا يزيد وإني أنا أنقص" (يو 30:3). وكل الأنبياء تنبأوا عن المسيح ولم يروه، أمّا يوحنا فرآه وعمّده وشهد له، وهو وحده أدرك سر الثلاثة الأقانيم يوم المعمودية. وأضف لهذا ما قيل في تفسير أنه أفضل من نبي، وأنه عاش ناسكًا زاهدًا مثل إيليا. وكما لم يهاب إيليا آخاب وإيزابل، لم يهاب يوحنا المعمدان هيرودس وهيروديا.

هأنذا أرسل أمام وجهك= هي نبوة ملاخي عن المعمدان (ملا 1:3) ولكن لاحظ قول ملاخي فيهيئ الطريق أمامي= والمتكلم هنا هو يهوه وقول متى يهيئ طريقك قدامك= وهذه عن السيد المسيح. فبمقارنة الآيتين نستنتج بسهولة أن المسيح يسوع هو يهوه نفسه.

ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم من يوحنا المعمدان= ملكوت السموات يبدأ هنا على الأرض بالمعمودية ندخله وبالتوبة نثبت فيه، فهو موت مع المسيح وقيامة معهُ. وبالمعمودية نصير أولادًا لله، وليس أولادًا للرجال أو للنساء (يو 12:1-13). أماّ يوحنا مثله مثل كل البشر ولدته امرأة. لذلك قال المسيح عنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا.. أما الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه= يعني أن المولود من الله بالمعمودية، ويحيا حياة التوبة، في اتضاع = الأصغر = (فالأصغر تشير للاتضاع) هو أعظم من المعمدان. فيوحنا كان له كل بر الناموس، ولكن أولاد الله بالمعمودية خصوصًا المتضعين، قد تبرروا بدم المسيح وهم ثابتين في المسيح، هؤلاء أعظم من أي شخص كان له بر الناموس. والمسيح هنا لا ينقص من مكانة الأنبياء، وإنما أراد أن يظهر ما في الحياة الإنجيلية من سمو أعظم بكثير من سمو الحياة الناموسية. فخلال الناموس مهما جاهد الإنسان يبقى من مواليد النساء، أما عطية الله في العهد الجديد فترفعنا فوق اللحم والدم لننال البنوة لله. وهناك رأي للقديس يوحنا فم الذهب أن الأصغر في ملكوت السموات هو المسيح نفسه لأنه أصغر من المعمدان سنًا.

ما سبق كان عن يوحنا المعمدان وهو على الأرض. ولكن بعد أن فتح السيد المسيح الفردوس للبشر، ودخل أباء وأبرار العهد القديم ودخل معهم أبرار العهد الجديد كان هناك كلامًا آخر، فالكنيسة المقدسة تضع ترتيب السمائيين هكذا مريم العذراء أولًا ثم الملائكة ثم يوحنا المعمدان ثم الشهداء ثم القديسين والأبرار. أي أن يوحنا المعمدان تضعه الكنيسة على رأس كل المؤمنين في السماء من البشر ما عدا القديسة العذراء مريم التي حملت الله إلهنا في بطنها.وهذا يشبه قول المسيح "أبي أعظم مني" فهو يقوله وهو في صورته الجسدية، أما الآن وهو عن يمين الآب فهو له نفس مجد الآب

 

(مت 12:11-13) + (لو 16:16‌):-

(مت12:11-13):-

وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ إِلَى الآنَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ. لأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا.

(لو 16:16):-

كَانَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ إِلَى يُوحَنَّا. وَمِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ يُبَشَّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَغْتَصِبُ نَفْسَهُ إِلَيْهِ.

هنا نرى سببًا آخر لعظمة يوحنا المعمدان، إذ بتعليمه ومناداته بالتوبة جعل الكثيرين يجاهدون ويتوبون فيغتصبون ملكوت السموات فمنذ ظهور يوحنا المعمدان مناديًا بدعوة التوبة واليهود يتزاحمون عليه ويقدمون توبة في جهاد وتغصب، واعتمدوا على يديه وغيروا سيرتهم ونبذوا خطيتهم فبهذا هم يغتصبون ملكوت السموات. هنا نرى المعمدان قد علم الناس معنى الجهاد الصحيح وهو التغصب حتى يكون لهم نصيب في الملكوت.

كان يوحنا المعمدان نهاية للعهد القديم، وبه يبدأ العهد الجديد، به انتهت رسالة الأنبياء، ومن يوم ابتدأ خدمته في تعميد التائبين بدأت خدمة ملكوت السموات، لأن هؤلاء التائبين صاروا مستعدين لقبول المسيح، بل مستعدين أيضًا لمعرفته. فالتوبة تنقي القلب، والقلب النقي يعاين الله أي يعرف المسيح ومن يقبل المسيح مجاهدًا غاصبًا نفسه على ترك الخطية، أيضًا غاصبًا نفسه على الالتصاق بالله يكون له ملكوت السموات. فملكوت السموات هو عطية الله المجانية لكنها لا تقدم للمتهاونين المتراخين.

المعمدان بواسطة إعداد القلوب بالتوبة والعودة إلى الله جعل اشتياق الناس يهتاج لدخول ملكوت المسيا الذي أعلن عنه، وهذا صاحبه جهاد وعبادة وتقوى وتغصب.

ما هو الجهاد؟ نسمع بولس الرسول يقول جاهدت الجهاد الحسن.. فما هو هذا الجهاد. الجهاد يبدأ بالتغصب. فالخاطئ يميل لعدم ترك الخطية وعليه أن يغصب نفسه فلا يذهب لأماكن الخطية، من له عين تشتهي. عليه أن يجاهد بأن يغصب نفسه وذلك بأن يضع عينه في التراب. وهذا هو الجهاد السلبي ولكن هناك أيضًا الجهاد الإيجابي فالجسد متكاسل محب لإرضاء لَذّاتهُ. ومن يريد أن يجاهد يغصب نفسه على الوقوف والجهاد في الصلاة، والامتناع عن الأكل اللذيذ والصوم فترات طويلة. ومن يجاهد غاصبًا نفسه تنسكب عليه النعمة فيجد لذة في صلبه لأهوائه وشهواته، ويجد لذة في صلواته وفي أصوامه وميطانياته metanoia. وبهذا يغتصب ملكوت السموات. وإن كنا لا نغصب أنفسنا ستملك علينا الخطايا والشهوات وتسود علينا فنخرج من ملكوت السموات.

تدريب: فلنغصب أنفسنا على الجهاد. وما يدفعنا للتغصب احتياجنا المستمر لله.

وما دفع الناس للتغصب أيام يوحنا المعمدان هو تعليم المعمدان وإنذاراته مما وضع الخوف في قلوب الناس فاندفعوا يسألون ماذا نفعل (لو3: 10). وكانت دعوة المعمدان توبوا، ومن تجاوب معه وقدم توبة تنقى قلبه فعرف المسيح. وكان هذا هو دور المعمدان أي تمهيد الطريق للمسيح.

لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا.... = الناموس والأنبياء كانا يتنبآن عن المسيح ومجيئه، وكانا يكلمان اليهود عن الطقوس والفرائض القديمة.

أمّا يوحنا المعمدان فقد بدأ فعلًا الاستعداد لنشر هذا الملكوت السماوي في العالم. لقد انتهى عصر طقوس الناموس التي كانت تشير للمسيح، فالمسيح نفسه أتى، وها هي النبوات قد تحققت، وبدأ تأسيس ملكوت الله. كان هذا بدءًا من يوحنا المعمدان وحتى الآن. والطريق لدخول هذا الملكوت هو نعمة الله، ولكننا لا نأخذ ولا نحصل على هذه النعمة ما لم نغصب أنفسنا ونجاهد.

 

(مت14:11-15):-

وأن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي. من له أذنان للسمع فليسمع.

إن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي:-لنفهم هذه الآية نرجع إلى نبوة ملاخي وسنجد نبوتين:

1.هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به (ملا 1:3).

2.هاأنذا أرسلُ إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف فيرد قلب الآباء على الأبناء (ملا 5:4-6).

وواضح أن الآية الأولى هي عن مجيء يوحنا المعمدان كسابق للمسيح، أي قبل مجيء المسيح الأول في تجسده. والآية الثانية تشير لمجيء إيليا النبي قبل المجيء الثاني للمسيح (مجيء إيليا هذا نجده في (رؤ 3:11-12)) ولكن بالنسبة لليهود فهم ما كانوا يدرون أن هناك مجيء أول ومجيء ثانٍ للمسيح فخلطوا بين النبوتين، وفهموا أن الملاك الذي يهيئ الطريق أمام المسيا والمذكور في (ملا 1:3) هو نفسه إيليا المذكور في (ملا 5:4) لذلك فحين رأى التلاميذ المسيح في مجد عظيم على جبل التجلي آمنوا أنه المسيا المنتظر لكنهم تشككوا بسبب هذا المفهوم الخاطئ، فسألوا السيد المسيح "فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أولًا" (مت 10:17) والمسيح لم يرضَى أن يكشف حقيقة المجيء الأول والمجيء الثاني في ذلك الوقت، فأشار إشارة غامضة أن إيليا قد جاء.. (مت 12:17) وهم فهموا أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان. وهنا في هذه الآية يقول لهم السيد إن أردتم أن تقبلوا (تقبلوني على أنني المسيح المنتظر). ولكن كل مشكلتكم أن إيليا لم يأتي بعد، فالمعمدان الذي نتحدث عنه هو السابق للمجيء الأول والذي أتى بروح إيليا =فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي. فالمعمدان له نفس قوة وشجاعة إيليا أمام الملوك، وله نفس زهد وتقشف إيليا. وكلاهما مملوء من الروح القدس.

من له أذنان للسمع فليسمع= من كانت له الأذنان الداخليتان القادرتان على سماع الأمور الروحية وإدراكها سيدرك ما أقوله عن المعمدان وإيليا والأهم أنه سيفهم أنني المسيح المنتظر فيؤمن بي.

 

(مت 16:11-19 + لو 29:7-35‌):-

(مت 16:11-19):-

وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هذَا الْجِيلَ؟ يُشْبِهُ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي الأَسْوَاقِ يُنَادُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطِمُوا! لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ شَيْطَانٌ. جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا.

(لو 29:7-35):-

وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ سَمِعُوا وَالْعَشَّارُونَ بَرَّرُوا اللهَ مُعْتَمِدِينَ بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ وَالنَّامُوسِيُّونَ فَرَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، غَيْرَ مُعْتَمِدِينَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ: «فَبِمَنْ أُشَبِّهُ أُنَاسَ هذَا الْجِيلِ؟ وَمَاذَا يُشْبِهُونَ؟ يُشْبِهُونَ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي السُّوقِ يُنَادُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا. نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَبْكُوا. لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ لاَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَلاَ يَشْرَبُ خَمْرًا، فَتَقُولُونَ: بِهِ شَيْطَانٌ. جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَتَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ جَمِيعِ بَنِيهَا.

في (لوقا 29:7-30) نجد موقفين لمن سمع دعوة يوحنا المعمدان.

1. الشعب البسيط برروا الله.. معتمدين = أي معترفين أن الله بار ولا يخطئ، إنما هم المخطئين المحتاجين لتوبة ومعمودية. والذي يبرر الله في كل جيل يعترف بفضل الله عليه وأن كل أعماله وعطاياه هي كريمة وأن كل شر يقع عليه هو يستحقه لأجل خطاياه، وأن الله لم يخطئ في أحكامه. مثل هؤلاء ينسبون كل خير لله وينسبون كل شر لأنفسهم لذلك فهذه الفئة الأولى شعروا بخطاياهم وببر الله وكانت علامة توبتهم هي معموديتهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهم برروا الله أيضًا إذ قبلوا ملاكه الذي أرسله، وقبلوا كلامه ودعوته (ملاكه أي يوحنا المعمدان).

2. الفريسيون والناموسيون = هؤلاء مشكلتهم أنهم يشعرون ببرهم الذاتي، مثل هؤلاء لا يشعرون باحتياجهم لله. كبرياؤهم يعميهم فلا يروا ولا يسمعوا فلا يفهموا ولا يدركوا. فرفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم. هؤلاء لا يشعرون بخطاياهم إذ هم عميان، وبالتالي لا يشعرون باحتياجهم للتوبة لذلك رفضوا معمودية يوحنا، بل قالوا عنه كلامًا سيئًا علَّقَ عليه السيد المسيح في الآيات التالية. والمتكبر في كل جيل يرفض الاعتراف بخطيته، إذ هو في نظر نفسه بار دائمًا ولا يقبل أن يقول له أحد كلمة حق، أو يظهر له أحد خطأه، ولا يفكر في التوبة، وبالتالي لا يبرر الله إذا أراد الله أن يؤدبه، وسيرفض مشورة الله من جهته، ويرفض تأديب الله (عب 8:12). لذلك فمثل هؤلاء لا يميزون رجال الله مثل المعمدان ولن يعرفوا الله ولا مسيحه. هؤلاء رفضوا المعمدان إذ كان يحيا في زهد ورفضوا المسيح إذ عاش ببساطة. والحقيقة أنهم سيرفضون كل من يأتي مرسلًا من الله، فهم رافضين لله. ومعنى المثل الذي قاله المسيح:-

كانت هذه لعبة يقوم بها الأطفال الصغار. وهم ينقسمون إلى فريقين فريق يمثل دور الفرح أي حفلة عُرس. فيقوم الفريق الآخر بالرقص والزمر. ثم يقوم فريق بتمثيل دور جنازة فيبدأ الفريق الأخر يحزن ويولول. ولكننا هنا أمام أولاد متمردين فالفريق الذي يمثل دور الفرح يقابل بصمت، أي لا تتجاوب حركاتهم مع نغمات وحركات الفريق الذي يقابلهم. والمسيح بهذا يشير للفريسيين، الذي أرسل الله لهم يوحنا المعمدان زاهدًا ليجذبهم بالتوبيخ والحزن للتوبة فقالوا فيه شيطان ورفضوا التوبة، جاءهم المسيح في ود ومحبة شافيًا أمراضهم عارضًا عليهم المحبة والصداقة الإلهية، فرفضوه أيضًا وقالوا عنه أكول وشريب خمر. فحينما تفسد بصيرة الإنسان الداخلية يستطيع أن يجد لنفسه كل المبررات لرفض العمل الإلهي، فلا يحتمل حب الله وحنانه ولا يتقبل تأديباته، لا تجتذبه الكلمات الإلهية الرقيقة كما لا تردعه التهديدات.

الحكمة تبررت من جميع بنيها= الله لم يترك نفسه بلا شاهد، لأنه يعلم الذين له. فإذا كان الفريسيون قد رفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم، فإن للحكمة أبناءها. والله له أولاده الذين يبررونه (مثل الذين إعتمدوا من يوحنا) فإذا كان أعداء الحكمة يسفهونها فإن أبناءها يبررونها، ومثل هؤلاء هم الذين برروا الله معتمدين من يوحنا. والحكمة هنا هي التدبير الإلهي الذي دبر إرسال يوحنا المعمدان ثم تجسد المسيح لأجل خلاص البشرية. هذه الحكمة ظهرت بارة لا غبار عليها في نظر بنيها أي جماعة شعب الله الذين رحبوا بيوحنا والمسيح وتابوا. الحكمة هي تصرفات وأقوال الله وكل عمل يعمله في كل زمان أو مكان.

وحتى الآن فأولاد الله في كل جيل يبررون الله في كل تصرفاته، بلا تذمر يقبلون ما يحكم به، ناسبين أي ضرر أو شر لخطاياهم والعكس فالأبرار في أعين أنفسهم يرفضون دائمًا أحكام الله قائلين " لماذا يا رب تفعل كذا وكذا.. "وهذا بسبب كبريائهم ولنلاحظ أن الله كثيرًا ما يسمح ببعض التأديبات كجزء من خطة الخلاص لكن هناك من يرفضها. أمّا أبناء الله حقيقة فهم يقبلون أحكامه ويبررونه فيها. والمتكبرون دائمًا يرفضون أحكام الله، أما المنسحقين فيبررون الله فيما يفعله. المتكبرون يبررون أنفسهم ناسبين الخطأ لله. أما المتواضع حقيقة فهو الذي يفهم وضعه بالنسبة لله، أن الله كلي الحكمة وأنه لا شيء بجانبه. المتكبرون قطعًا إذا كانوا قد نسبوا الخطأ لله فهم سيرفضون من يرسلهم الله.

 

(آيات مت 20-24 + لو 12:10-16‌):-

(مت20:11-24)

حِينَئِذٍ ابْتَدَأَ يُوَبِّخُ الْمُدُنَ الَّتِي صُنِعَتْ فِيهَا أَكْثَرُ قُوَّاتِهِ لأَنَّهَا لَمْ تَتُبْ: «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيمًا فِي الْمُسُوحِ وَالرَّمَادِ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا يَوْمَ الدِّينِ مِمَّا لَكُمَا. وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ الْمُرْتَفِعَةَ إِلَى السَّمَاءِ! سَتُهْبَطِينَ إِلَى الْهَاوِيَةِ. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكِ لَبَقِيَتْ إِلَى الْيَوْمِ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرْضَ سَدُومَ تَكُونُ لَهَا حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا يَوْمَ الدِّينِ مِمَّا لَكِ.

(لو 12:10-16):-

وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَكُونُ لِسَدُومَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ . «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيمًا جَالِسَتَيْنِ فِي الْمُسُوحِ وَالرَّمَادِ. وَلكِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ يَكُونُ لِهُمَا فِي الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لَكُمَا. وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ الْمُرْتَفِعَةُ إِلَى السَّمَاءِ! سَتُهْبَطِينَ إِلَى الْهَاوِيَةِ. اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي».

كما نفهم أن هذه الآيات في إنجيل متى (مت 20-24) بمقارنتها بنظيرتها في إنجيل لوقا. قد قالها السيد المسيح في عقب إرسالية السبعين رسولًا. وملخص القول الذي يسمع منكم يسمع مني (لو 16:10) ومن يرذلكم يرذلني ويا ويل من يرذل رسل المسيح فهو بهذا يرذله، أيضًا هو يرذل الآب السماوي. والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني.

ويل لكِ يا كورزين ويلٌ لك يا بيت صيدا = كورزين وبيت صيدا غرب بحر الجليل. وكورزين مدينة في الجليل بجوار بيت صيدا وكفر ناحوم. وبيت صيدا هي على بحيرة طبرية أي في الجليل. وبيت صيدا أي بيت صيد السمك. وصور وصيدا هما مدينتين فينيقيتين وثنيتين على البحر المتوسط. والمعنى أن السيد المسيح بالرغم من عمله معجزات كثيرة في كورزين وبيت صيدا رفضوه فالويل لهم. ومما يحزن قلب الله جحود أولاده بالرغم مماّ يقدمه لهم. والسيد يقول أن هذه العطايا لو قدمت للغرباء لتابوا وأكرموا الله. ويلٌ لكِ يا كورزين = إن الذي يعرف كثيرًا ويخطئ يضرب أكثر. لذلك فعقوبة سدوم أخف من عقوبة كورزين وبيت صيدا. ولنلاحظ أن سدوم رفضت ملاك الله بينما أن كورزين رفضت الله نفسه. ومن يرفض المسيح رفض دمه الغافر فستبقى عليه خطاياه، فدمه يغفر كل خطايا البشر، لكن ذلك لمن يقبله ويؤمن به.

لو 12:10 في ذلك اليوم = يوم خراب أورشليم أولًا ثم يوم الدينونة. ففي حرب تيطس ضد أورشليم سنة 70م كانت كورزين وكفر ناحوم من المدن التي ضربت بشدة وكانت الجثث تملأ الشوارع وليس من يدفن = وأنت يا كفر ناحوم.. ستهبطين إلى الهاوية (آية 15) من هنا نفهم أن هناك درجات في العذاب الأبدي، كما أن هناك درجات في المجد الأبدي (1كو 41:15). هي مرتفعة إلى السماء = لأنها مبنية على ربوة عالية.

هناك نقطة أخرى هامة وسؤال هام...لماذا يهلك من يرفض المسيح كما حدث لهذه المدن؟ هل انتقم المسيح منهم لرفضهم إياه؟! لنعرف أن من يريد أن جميع الناس يخلصون هو لا ينتقم من أحد، لكن من يؤمن بالمسيح ويلتصق به يحميه المسيح من ضربات هذا العدو الشرير الذي يوجه ضربات حقده ضد كل البشرية. وهو يبدأ بإغراءات الخطايا التي يقدمها لهم، ومن تجتذبهم شبكته التي نصبها لهم (خداع الخطية = فهو يُصَوِّر للناس لذات الخطية ويخفي عنهم نتائجها) يبدأ يمارس معهم شهوته في إلحاق أكبر أذى بهم، إذ هم بلا حماية فقد فصلوا أنفسهم بأنفسهم عن الله. أضف لذلك ما هو أهم، من يرفض المسيح فلا وسيلة لغفران خطاياه، فلا غفران ولا تطهير سوى بالدم .

 

(مت 25:11-30 + لو 21:10-24‌):-

(مت 25:11-30):-

St-Takla.org Image: Arabic Bible verse: "Come to Me, all you who labor and are heavy laden, and I will give you rest" (Mat. 11: 28) صورة في موقع الأنبا تكلا: Arabic Bible verse: آية "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (إنجيل متى 11: 28)

St-Takla.org Image: Arabic Bible verse: "Come to Me, all you who labor and are heavy laden, and I will give you rest" (Mat. 11: 28)

صورة في موقع الأنبا تكلا: Arabic Bible verse: آية "تَعَالَوْا إلى يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (إنجيل متى 11: 28)

فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ. كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.

(لو 21:10-24):-

وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ». وَالْتَفَتَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ». وَالْتَفَتَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالَ: «طُوبَى لِلْعُيُونِ الَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ وَمُلُوكًا أَرَادُوا أَنْ يَنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَلَمْ يَنْظُرُوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا».

في ذلك الوقت= نفهم من إنجيل لوقا أن السيد قال هذه الكلمات بعد ما رجع الرسل السبعون وأخبروه بخضوع الشياطين لهم بإسمه. هذا ما جعل يسوع يتهلل بالروح، فهو أتى لهذا وها هو يرى نجاح رسالته. تهلل يسوع بالروح = هناك من يتهلل بالجسد أي يفرح بملذات العالم ولكن يسوع يتهلل بالروح، فما يفرحه هو الروحيات. وهنا نراه يتهلل أي يبتهج بنجاح الإنجيل، وخضوع الشياطين بإسمه لرسله. ولم يذكر في كل الإنجيل أن يسوع تهلل سوى في هذا الموضع، فهو يتهلل فقط لأن الخطاة فازوا بالخلاص.

أحمدك = ليست بمعنى الشكر على إحسان، بل إعلان الرضا عن المشورة الإلهية، وكأنه يقول لأبيه حسنًا فعلت إذ أعلنت الإنجيل لهؤلاء السبعين وحجبتها عن المتعجرفين، وحرفيًا تعني أعترف لك. لكن لا بُد أن نفهم أن هذه المشورة الإلهية هي مشورة الابن كما هي مشورة الآب. إذًا المسيح هنا يتكلم ويشكر كرأس للكنيسة جسده على ما حصلت عليه. كما سبح مع تلاميذه بعد أن قدم لهم سر الحياة (مت26: 30).

ومن المهم أن نقارن المناسبة التي قيلت فيها هذه الآيات في كلا الإنجيلين:-

فمتى يذكرها عقب تقسيم المؤمنين أو الناس عمومًا إلى فئتين:-

الأولى هم من يبرون الله وهم الذين يفرحون بأحكام وحكمة الله.

والثانية هم من يرفضون مشورة الله أمثال الفريسيين وكفر ناحوم وكورزين.. إلخ.

ويكون قصد متى أن معنى كلام السيد المسيح هنا أن حكمة الله تُعلَن لمن يؤمن بالمسيح ويقبله ويبرر الله ويتصرف في بساطة قلبه باتضاع = أعلنتها للأطفال. أما من يرفض مشورة الله، لأنه حكيم في عيني نفسه يسلك بلا تواضع فلن يفهم مشورة الله وحكمته ولن يفرح بها = أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء= أي الحكماء في أعين أنفسهم.

أماّ في إنجيل لوقا فلقد وردت هذه الآيات في عقب نجاح إرسالية السبعين رسولًا وخضوع الشياطين لهم، ومن هذا نفهم أن الشياطين لا تخضع سوى للمتضعين وليس للمتكبرين.

أخفيت هذه= حكمتك ومشورتك وأسرارك وتدبيراتك فيما يخص الخلاص سواء على المستوى العام للناس كلها أو تدبير الله للشخص نفسه. بل الله يكشف لي فكره كما يقول بولس الرسول "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو9:2-16).

الأطفال= مَن يقبل المسيا في بساطة قلب ويحمل صليبه في اتضاع، هو مَن يرتمي في حضن أبيه، لا ينتقم لنفسه بل يشكو لأبيه، اطمئنانه وقوته هو أبوه السماوي، يجد لذته في حضنه، هؤلاء يدخل بهم السيد إلى معرفته. لذلك اختار المسيح تلاميذه من البسطاء (1كو 18:3). الحكماء والفهماء= هؤلاء متثقلين بالأنا = هم الحكماء في أعين أنفسهم بكبرياء رافض لأي مشورة، فلا يقدرون أن يدخلوا طريق المعرفة الإلهية الحقة. ولنلاحظ أن الله لم يقل أعلنتها للجهلاء والأغبياء، بل للأطفال، فالأطفال هم البسطاء المتضعين، ولكنهم في الحقيقة مملوئين حكمة وفهم، هؤلاء المتضعين يعطيهم الله. من يعترف أنه جاهل يعطيه الله حكمة وفهم قلب. وهذه هي مسرة الآب أن يعطي حكمة للمتضعين.

كل شيء قد دُفع إليَّ من أبي = يقول هذا حتى لا يظن التلاميذ أن كل سلطان المسيح هو في إخراج الشياطين. وقول المسيح هنا يفيد مساواته للآب في الجوهر. وأنه صار وارثًا لكل شيء (عب 2:1). طبعًا وارثًا لكل شيء بجسده، فكل مجد وكل سلطان صار لجسد المسيح هو لحساب كنيسته جسده (يو 22:17+ أف 30:5 + أف 12:4). ولكن لا يصح أن نقول أن المسيح بلاهوته صار وارثًا، فهو والآب واحد في الجوهر الإلهي.

ليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب = الابن بطبيعته الإلهية غير المحدودة لا يعلمها سوى الله غير المحدود. وبنفس المفهوم = ولا من هو الآب إلاّ الابن فالآب يعرف الابن والابن يعرف الآب خلال وحدة الجوهر، وهذه المعرفة غير متاحة لمخلوق سواء ملاك أو إنسان.

ومن أراد الابن أن يعلن له = لهذا تجسد المسيح حتى يعلن لنا الآب، فإذ كان الله محتجب عن الإنسان، والإنسان غير قادر على الاقتراب منه، بل حين أراد الله أن يظهر لبني إسرائيل إرتعبوا مماّ حدث، وطلبوا من موسى أن لا يظهر لهم الله ثانية حتى لا يموتوا، بل أن موسى نفسه إرتعب (عب 18:12-20 + تث15:18-19). فكان تجسد المسيح هو ليعلن الله الآب، ولهذا قال المسيح "من رآني فقد رأى الآب" (يو 9:14). فالمسيح حين أقام موتى كان يعلن إرادة الآب في أن يعطينا حياة وحين فتح أعين عميان كان يعلن إرادة الآب أن تكون لنا بصيرة روحية بها نراه وهكذا. وحين صُلبَ رأينا محبة الله الذي بذل ابنه الوحيد عنا وحين تجسد وقبل الإهانة رأينا تواضعه العجيب. إذًا جاء الابن يحمل طبيعتنا لكي يدخل بنا إلى المعرفة الإلهية. حملنا فيه حتى نقدر أن نعاين ما لا يُرى ونُدرك ما لا يُدرك. وليس هناك سوى طريق واحد لندرك به الله ونتعرف عليه، وهذا الطريق هو الإتحاد بالإبن. بل هو حملنا كأبناء إلى حضن الآب. وبنفس المفهوم رأى موسى مجد الله وهو مختبأ في نقرة في الجبل (رمز لإتحادنا بالمسيح).

وكلمة يعرف تعني في لغة الكتاب المقدس "الوحدة" أو "الإتحاد" الذي ينتج عنه حياة.

على مستوى جسدي:- آدم يعرف حواء ... فتلد قايين.

على مستوى لاهوتي:- الآب يعرف الابن.... الآب يريد أن يعمل إنسان (تك1: 26) فيخلقه الابن (تك2: 7).

علاقة الإتحاد بين المسيح وكنيسته :- الابن يتحد بالإنسان فيحيا الإنسان أبديا.

+ فحين يقول "عرف آدم حواء إمرأته" (تك 1:4) فهذا يعني أنهما صارا جسدًا واحدًا، أي اتحد بها جسديًا وهذه المعرفة أو هذا الإتحاد يكون له ثمر. فلقد أنجبت قايين، لذلك يقول "وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين".

+ وهكذا قيل هنا "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن" لأنهما في وحدة = لاهوت واحد. وهذه تساوي تمامًا "أنا في الآب والآب فيَّ" (يو 10:14) وتساوي "أنا والآب واحد" (يو 30:10).

+ وبنفس المفهوم حين يقول ومن أراد الابن أن يعلن له فهذا يعني أن المسيح يعطينا أن نتحد به. فالمعرفة تعني إتحاد ينتج عنه حياة، فالمسيح يوحدنا فيه لنكون أحياء فهو الحياة. وصرنا نعرف الآب من خلال إتحادنا بالمسيح. (راجع تفسير يو15: 9).

ونفهم هذا من قول بولس "وأوجد فيه...... لأعرفه......" (في 9:3-10) فالثبات فيه والإتحاد به يعني معرفته. وهذا معنى "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 3:17). والإتحاد به أشار إليه المسيح في صلاته الشفاعية (يو 21:17-26).

 

والاتحاد به له شروط:

[1] الإيمان به: وهذا هو عمل الروح القدس الذي يقنع كل إنسان بأن المسيح هو الرب (1كو3:12) والذي بدونه لا إيمان.

[2] المعمودية: التي تعطي إستنارة وهذه بالروح والماء.

[3] حلول الروح القدس: الذي يشهد للابن وللآب. وبالروح نثبت في الابن ليحملنا إلى حضن الآب.

[4] القداسة: التي بدونها لن يرى أحد الرب (عب14:12) وهذه تحتاج لتوبة مستمرة. ومن يحيا في طهارة يثبت في المسيح.

[5] تكون لنا الأعمال الصالحة: التي تمجد اسم الله.

[6] الانسحاق والتواضع: (فنصير أطفال صغار).

ومن يوفي هذه الشروط يريد الابن أن يعلن له الآب= ومن أراد الابن أن يعلن لهُ. فالابن يود لو أعلن الآب للجميع. ولكنه لا يعلن الآب سوى لمن يستحق بإيمانه العامل بمحبة، وبتمتعه بأسرار الكنيسة. تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين..= هم المتعبين من الخطايا والمثقلين بحملها وأيضًا المتعبين من آلام العالم. وهذه الآية تشير أن المسيح يريد أن يعلن الآب للكل. ولكن خطايانا تمنعنا من هذا. والحل هو أيضًا أن نلجأ للمسيح ليحمل عنا خطايانا ويريحنا من أتعابنا. ومن يقبل للمسيح طالبًا غفران خطاياه، فمثل هذا يريد المسيح أن يعلن له الآب.

فأريحكم= هي ليست وعد بأن يزيل المسيح الآلام بل يعطي الراحة خلالها.

St-Takla.org Image: Two Ox with yoke for the Plough صورة في موقع الأنبا تكلا: ثوران (ثور) موضوع عليهم النير، للمحراث

St-Takla.org Image: Two Ox with yoke for the Plough

صورة في موقع الأنبا تكلا: ثوران (ثور) موضوع عليهم النير، للمحراث

ولاحظ أن الخطية هي حمل ثقيل. وحين يغفر المسيح يرفع هذا الحمل فيبطل وخز الضمير، ونكتشف محبة الآب وحنوه من نحونا. وسنشتاق لمحبة الآب بالأكثر فنقول للابن عن الآب مع عروس النشيد "ليقبلني بقبلات فمه" (نش2:1) أي ليعلن لي محبته أكثر فأكثر.

 

(مت29:11-30):-

اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.

المسيح يريد أن يعلن لي أسرار السماء ولكن ما يمنعني هو خطيتي. وهنا المسيح يدعو الخطاة أن يأتوا إليه ليريحهم، ويدعو المتألمين والمضطهدين أن يأتوا إليه فيريحهم (آية28) فيعرفوا أسرار الله. وهنا سيتساءل البعض كيف أستطيع أن أتخلص من خطيتي المحبوبة، كيف أستطيع أن أنفذ هذه الوصية الصعبة التي أرى استحالة تنفيذها، كيف يحمل عني المسيح همًا أعاني منه أو من إضطهاد واقع عليَّ؟ كيف يعزيني المسيح وأنا متألم خائف من مرض خطير أعاني منه؟ والمسيح يرد احملوا نيري= والنير هو العصا التي تربط ثورين إلى المحراث. ولكن تصور أننا ربطنا حملًا صغيرًا مع ثور بنير واحد، فالذي سوف يحمل كل الحمل هو الثور. وهذا ما يدعوني إليه المسيح، ارتبط بي = تعال إليَّ وسوف ترى أنك ستكون قادرًا على تنفيذ الوصية، وستجد تعزية فأنا الذي سأعمل كل شيء حقيقة. وهذه التعزيات هي التي تجعل الحمل خفيف مهما اشتدت الضيقة أو مهما كان ثقل الوصية، و"بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو5:15). ويقول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في13:4). تصوَّر معي أنني طلبت منك أن تحمل رجلًا ثقيلًا جدًا يقف في البحر وأنت لا تعلم شيئًا عن قانون الطفو. ستقول لي لا يمكنني حمله. ولكن لو تقدمت لتحمله ستجده خفيفًا جدًا بسبب قوة حمل الماء الخفية له. بل من يرتبط بالمسيح أي يقبل أن يحمل نيره والمعنى قبول تنفيذ الوصية أو إحتمال تجربة بالشكر ودون تذمر، حينئذٍ يكون قد قبل التجربة التي سمح بها الله واثقًا في محبته وحكمته. مثل هذا الإنسان ليس فقط يعينه المسيح في تنفيذ الوصايا، بل يحمل عنه ألامه وأوجاعه وأحزانه. كما يقول الوحى في سفر إشعياء النبي لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا (إش53: 4). فالمسيح إحتمل ألامًا لا يطيقها إنسان، وهذا ليحملها بدلًا عنا. وهذا هو السر في أننا كنا نرى الشهداء يتقدمون لساحات الإستشهاد وهم يسبحون في فرح! فمن أين أتوا بهذا الفرح؟ 1) المسيح حمل أوجاعهم وألامهم وأحزانهم. 2) سكب في داخلهم فرحًا لا تقوى أي ألام أن تنزعه منهم "فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ، عِنْدَكُمُ ٱلْآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلَا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو16: 22).

وأشهد على أمانة الله في تنفيذ وعوده، إذ رأيت كثيرين جدًا والفرح يملأ وجوههم بينما هم يعانون من ألام أمراض قاتلة. لقد حمل المسيح آلامهم وأوجاعهم وأحزانهم بل وسكب أفراحًا عجيبة في قلوبهم.

إذًا تعال للمسيح بأن تحاول أن تنفذ الوصية وستجد هذا سهلًا جدًا، لأنه عمليًا فالمسيح هو الذي يقوم بالعمل. ولكنه لن يقوم بالعمل إلاّ إذا تقدمت وحاولت، حينئذ ستكتشف قوة المسيح الخفية التي لا يكتشفها إلاّ كل من حاول. تقدم بإيمان وحاول فنيره هين وحمله خفيف (رو5:10-11). أما إبليس فيعرض عليَّ أن أرتبط معه عارضًا عليَّ الخطية ولكن من يرتبط معه يحيا في كآبة. مهما كانت وصايا المسيح فهي خفيفة بجانب الحمل الثقيل الذي سنحمله لو إرتبطنا مع إبليس برباطات الخطية التي يربطنا بها لو قبلنا اللذات التي يعرضها علينا. وبنفس الطريقة نجد أن من هو مرتبط بالمسيح وتأتي عليه شدة تجد قلبه مملوءا تعزيات إلهية، فالمسيح حمل عنه هذا الألم.

مثال: ربما لم يكن في إسرائيل فتاة بجمال دليلة. ولكن إذا كان شمشون قد تزوج بفتاة شريفة عفيفة = (الوصية) ولكنها ليست في جمال دليلة = (الخطية)، لكان عاش في فرح ونصرة، ربما يكون هناك ضيق لأن دليلة أجمل= (لذة الخطية) ولكن قارن خفة حِمْل أن يتزوج بفتاة أقل جمالًا من فقد عينيه وقوته وكرامته وحريته. إذًا الوصية هي نير هين.

ماذا إذن: فلنغصب أنفسنا على تنفيذ وصايا المسيح، ولربما نشعر بحملها لكن حملها أخف بما لا يقاس من رباطات إبليس وعبوديته وحياة الحزن والألم لو قبلنا الخطايا من يده. ولذلك فملكوت السموات يغصب آية (12). ولنلاحظ أن من يزرع بالدموع يحصد بالابتهاج، فإذا بدأنا بالتغصب والشعور بالمرارة سريعًا ما سنشعر بالفرح.

وهناك شرط آخر أن نتعلم من المسيح الوداعة والتواضع فالله يسكن عند المتواضع (من أسماهم المسيح أولًا الأطفال الصغار) = تعلموا مني فمن يحاول تنفيذ الوصية ومن يتعلم من المسيح سيدخل طريق المعرفة الحقيقية للآب، واكتشاف محبته الغافرة= فتجدوا راحة لنفوسكم. ولنلاحظ أن هناك علاقة وثيقة بين التواضع والوداعة لذلك يجمع الرب بينهما هنا ويقول لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ. فالتواضع الحقيقي يظهر في الوداعة الخارجية ويقال عنها أنها حالة اللاغضب واللاتذمر. فالمتواضع يشعر أنه خاطئ لا يستحق شيء، فلا يغضب ولاينفعل على من أخطأ.

 

(لو23:10-24):-

وَالْتَفَتَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالَ: «طُوبَى لِلْعُيُونِ الَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ وَمُلُوكًا أَرَادُوا أَنْ يَنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَلَمْ يَنْظُرُوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا».

طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه= هؤلاء التلاميذ الذين عاشوا باتضاع ورأوا المسيح وعرفوه فعرفوا الآب ومحبته هم أفضل من قديسي العهد القديم الذين آمنوا بالمسيح وتنبأوا عنه لكنهم لم يروه، هم عاشوا في الظلال ولكن التلاميذ رأوا المسيح حقيقة. ولا نقصد بالرؤية رؤية جسدية فالفريسيين رأوه ولم يؤمنوا به ولا قبلوه. أمّا رؤية التلاميذ فكانت رؤية حقيقية إذ عرفوا المسيح وآمنوا به. والسبب كبرياء الفريسيين وبساطة التلاميذ لذلك قال المسيح في (مت29:11) تعلموا مني فإني وديع ومتواضع. وهذه الآية هي التي نصليها دائمًا في أوشية الإنجيل، فالآن نحن بالإنجيل نرى ونسمع المسيح الذي اشتهَى آباء العهد القديم أن يروه ويسمعوه فلم يروا ولم يسمعوا. فإننا كلما نسمع كلمات الإنجيل نتأمل شخص المسيح فنعرفه، فالكتاب المقدس هو كلمة الله المكتوبة التي تكشف المسيح كلمة الله. قارن أيضًا أوشية الإنجيل بالآية (مت17:13).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات إنجيل متى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/01-Engeel-Matta/Tafseer-Engil-Mata__01-Chapter-11.html

تقصير الرابط:
tak.la/g3yrw64