محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
يهوديت: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
جاء نشيد الخلاص والشكر هنا مزمورًا رائعًا على غرار مزامير داود النبي التي أنشدها في مناسبات الانتصار على الأعداء، حيث يتغنى بقوة الله ورعايته كواهبٍ للنصرة لشعبه ضد الأعداء.
يرى بعض أنها جاءت في توازٍ مع تسبحة مريم عند البحر، وتسبحة دبورة (قض 5).
إن كانت يهوديت ابنة صلاة، فإنها إذ غلبت لم تسقط في كبرياء بل انطلق لسانها بالتسبيح والحمد لله. "سأُرَنِّمُ لإِلهي نَشيدًا جَديدًا. رَبِّي، عَظيمٌ أَنتَ ومُمَجَّد عَجيبٌ في القُوَّة ولا يَقْوى علَيكَ أَحَد" (يهو 13:16). كثيرًا ما نتذكر الله وسط الشدة، لكننا ننساه عند الفرح!
إنها سيدة أرملة بعفتها وإيمانها نال شعبها نصرة على العدو. وحوّلت أيامهم إلى أعيادٍ، إذ عيدوا لهذه النصرة لمدة ثلاثة أشهر، وبسببها وهب الله شعبها سلامًا حتى بعد نياحتها. "لم يكن مدة حياتها كلها من يقلق إسرائيل، ولا بعد موتها سنين كثيرة" (يهو 30:16). وصار يوم النصرة عيدًا سنويًا يحتفل به اليهود. حقًا، العالم يحتاج إلى مثل يهوديت نفوس مقدسة، بسببها يتمتع كثيرون بالنصرة والفرح والسلام.
جاء في دائرة المعارف Encyclopedia Judaica أن هذا النشيد بالتأكيد أقدم من تلك الأناشيد التي وُجدت في قمران Qumran(120).
يرى البعض أن ما ورد في هذا النشيد عن سقوط أشور بيد امرأة وليس بيد أحد أبطال الحروب العمالقة يحمل صدى لما ورد في إشعياء 31: 8. "ويسقط أشور بسيف غير رجل" (ذكر male).
1 -2. |
|||
3 -12. |
|||
13 -17. |
|||
18 -20. |
|||
21 -25. |
"أَنشِدوا لإِلهي بِالدُّفوف،
رَنِّموا لِلرَّبًّ على الصُّنوج،
اِنظِموا لَه المَزمور،َ
والنَّشيد أَشيدوا،
وادعوا بِاسمِه [1].
يقدم لنا الكتاب المقدس صورة حيَّة للحياة الكنسية التي تعيشها الجماعة المقدسة كما يعيشها المؤمن المقدس في الرب. فهي حياة تواجه سلسلة من الضيقات، خلالها يتدرب المؤمن على الصراخ لله والاتكال عليه والرجاء في عمله الإلهي، وتنتهي كل ضيقة بتجلي الله العجيب في حبه ورعايته، وتتحول حياة الجماعة وكل شخص إلى أنشودة مفرحة، وكأن الكنيسة بشعبها الحيّ تتدرب على التمتع بالحياة السماوية المفرحة.
جاءت مقدمة هذا النشيد تشبه مطلع بعض المزامير مثل مز81؛ 105؛ 135؛ 149؛ وأيضًا ما ورد في بعد المزامير مثل مز33: 3؛ 68: 32؛ 137: 7؛ 150: 4-5.
لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ يَمحَقُ الحُروب،
لأَنَّه جَعَلَ مُعَسكَراتِه في وَسْطِ الشَّعْب،
فأَنقَذَني مِن يَدِ مُضطَهِدِيَّ [2].
"الرب الإله يمحق الحروب": فالله هو قائد المعركة، وهو طرف فيها ضد إبليس وقوات الظلمة (خر15: 3؛ 74: 13-15؛ 98: 10-11).
"جعل معسكراته في وسط شعبه": أي أقام وسطهم كقائدٍ غير منظور يقدم المركبات السمائية لحساب شعبه. وكما قال اليشع النبي لتلميذه جيحزي: "لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2مل6: 14-18). لقد أرعب الله قبلًا جيش الآراميين إذ سمعوا صوت مركباتٍ وصوت خيل، صوت جيشٍ عظيم، فتركوا أمتعتهم وهربوا (2مل7: 6-7).
أتى أَشُّورُ مِنَ الجِبالِ الشَّمالِيَّة أَتى بِرِبْواتِ جَيشِه.
كَثرَتُهم سَدَّتِ الأَودِية،
وخيولُهم غَطَّتِ التِّلال [3].
قالَ إِنَّه سَيَحرُقُ بِلادي،
ويَقتُلُ بِالسَّيْفِ فِتْياني،
ويَطرَحُ إلى الأَرضِ رُضَعائي،
ويَجعَلُ غَنيمةً مِن أَطْفالي،
وَيسْبي أَبْكاري [4].
لم يرو الكاتب عن أليفانا بأنه هدد بهذه الكلمات، فقد يكون قد أرسل إلى القادة هذه التهديدات خلال رسله، أو حسبت يهوديت البارة أن ما فعله أليفانا بالشعوب الأخرى حين افتتح بلادهم هو تهديد عملي للشعوب التي لم تخضع له.
في تسبيحها لله حسبت القديسة يهوديت تمثل الشعب كله، فما يحل بالشعب من مرارة وتدمير إنما يحل بها. في أمومة روحية فائقة حسبت هذه الأرملة التي لم تنجب اطفالًا حسب الجسد كل الفتيان فتيانها، وكل الرضع رضعاءها، وكل طفل هو طفلها! حب عملي لكل إنسان! وكأنها تقول مع الرسول بولس: "من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب؟"
الرَّبُّ القَديرُ رَدَّهم بِيَدِ امرَأَة [5].
فإِنَّ بَطَلَهم لم يَسقطْ بِأَيدي الشُّبَّان،
ولم يَبْطُشْ بِه بَنو طيطان Titans، ولا جَبابِرَة طِوالٌ lofty giants هَجَموا علَيه،
بل يَهوديتُ ابنَةُ مَراري Merari بِجَمالٍ وَجهِها أَعجَزَته [6].
"طيطان Titan" اسم إله إغريقي، كان يصارع الإله زيوس في الأساطير. هذا وقد تسمى وادي الرفائيين الموجود جنوب غربي أورشليم وادي بني طيطان Sons of Titan’s Valley.
فقَد نَزعَت ثَوبَ ترْملها لإِنْهاضِ المَحْزونين في إِسْرائيل،
ودَهَنَت وَجهَها بِالطِّيب [7].
وعَصَبَت شَعرَها بِعِصابة،
ولَبِسَت حُلَّةً مِن كتَان لِتَفتِنَه [8].
حِذاؤْها خَطَفَ بَصَرَه،
وجَمالُها أَسَرَ نَفْسَه،
والخَنجَرُ قَطَعَ عُنُقَه [9].
اِرتَعَدَ الفُرْس مِن جُرأَتِها،
واضطَرَبَ المادِيونَ مِن شَجاعَتِها [10].
إذ انتشر خبر هزيمة جيش أشور العظيم حل الرعب على مملكة فارس وأيضًا على مملكة مادي.
حينَئذٍ صَرَخَ مُتواضِعِيَّ،
فَخافوا وصاح ضُعَفائي،
فارتَعَدوا ورَفَعوا صَوتَهم، فوَلَّوا هارِبين [11].
بَنو نُسَيَّاتٍ طَعَنوهم،
وكأَولادٍ فارِّينَ إلى العَدُوِّ جَرَحوهم،
فهَلَكوا في مَعرَكَةٍ لِرَبِّي [12].
"بنو نسيات"، جاء هذا التعبير في بعض الترجمات "أبناء الجواري" sons of bondmaids، يقصد بهم الضعفاء والمتواضعون والذين يحسبون كعبيدٍ لا قيمة لهم، كمن هم بلا أصل أبناء نساء منسيات، هؤلاء الذين قال عنهم الرسول بولس: اختار الله المزدرى وغير الموجود ليخزي بهم الذين يظنون في أنفسهم عظماء وأصحاب شهرة. هكذا تتغنى يهوديت بقدرة الله العاملة في الضعفاء.
سأُرَنِّمُ لإِلهي نَشيدًا جَديدًا.
رَبِّي، عَظيمٌ أَنتَ، ومُمَجَّد، عَجيبٌ في القُوَّة،
ولا يَقْوى علَيكَ أَحَد [13].
لا يُقصد بالنشيد الجديد أو الترنيمة الجديدة وضع تسبحة جديدة وتأليفها، إنما تقديم ذبائح الشكر والتسبيح لله بقلبٍ دائم التجديد، فلا تحمل الأنشودة مللًا، ولا يُغنى بها في مللٍ. لذا يقول الرب: "اجعل كل شيء جديدًا" (رؤ21).
إِيَّاكَ فلتَعبُدْ خَليقَتُكَ بِأَسرِها، لأنَّكَ أَنتَ قُلتَ فكانت.
أَرسَلتَ رُوحَكَ، فكُوِّنَت، ولَيسَ مَن يُقاوِمُ صَوتَكَ [14].
الجِبالُ تَهتَزُّ مِن أُسُسِها وتَختَلِطُ بِالمِياه،
والصُّخورُ كالشَّمعِ تَذوبُ أَمامَ وَجهِكَ،
والَّذينَ يَتَّقونَكَ تَكونُ عنهُم راضِيًا [15].
تهتز الجبال الشامخة أمام خالقها (مز33: 9؛ 104: 30؛ 148: 5؛ إش48: 13). فالجبال تذوب أمامه كالشمع (مي1: 4؛ مز97: 5).
لأَنَّ كُلَّ ذَبيحةٍ أَقَلُّ مِن أَن تَكون،َ
رائِحةً ذكِيَّة كلَّ دُهْن أَحقَرُ مِن أَن يَكونَ لَكَ مُحرَقَة.
ولكِنَّ الَّذي يَتَّقي الرَّبَّ كَبيرٌ في كُلَ شَيءٍ [16].
ليس من ذبيحة أو تقدمة يمكن للإنسان أن يقدمها لله، إنما يطلب الله الإنسان نفسه، بكونه موضع حبه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فالإنسان التقي، أي الحامل مخافة الله القائمة على طاعة الإنسان لله أبيه هي عطية مقبولة لدى الله.
الوَيلُ لِلأُمَمِ الَّتي تَقومُ على نَسْلي!
فالرَّبُّ القَديرُ يَنتَقِمُ مِنهُم في يَومَ الدَّينونة،
يَجعَلُ النَّارَ والدُّودَ في لُحومِهم،
فيَبْكونَ أَلَمًا لِلأَبَد" [17].
رأت البارة يهوديت في هزيمة الآشوريين أمام شعبها صورة حيَّة للكنيسة المتهللة بنصرة أبنائها على قوات الظلمة، كعربون لما يتحقق في يوم الرب العظيم حيث يُلقى إبليس وجنوده في النار الأبدية.
ولَمَّا وَصَلوا إلى أَورَشَليم، سَجَدوا لله.
وبَعدَما أطَّهَرَ الشَّعْب،
قَرَّبوا مُحرَقاتِهم وتَبَرُّعاتِهم وتقدِمَاتهم [18].
بقي الشعب في بهجة عجيبة واحتفالات مستمرة لمدة ثلاثين يومًا يحملون الغنائم من معسكر الآشوريين إلى مساكنهم مع تسبيحٍ مستمرٍ وتهليل وتمجيد لله مخلصهم، الآن انطلقوا في موكبٍ رائع يتجه نحو أورشليم ليقدموا ذبائح الشكر والسلامة ويوفوا نذورهم وتقدماتهم.
*
حسنًا يا أحبائي أن نواصل من عيدٍ إلى عيد، مرة أخرى إلى اجتماعات مبهجة، ثم أسهارٍ مقدسة ترفع عقولنا، ونُلزم عقولنا أن تسهر متأملة في الصالحات. ليتنا نحقق هذه الأيام ليس كمن في حزنٍ، بل نتمتع بالطعام الروحي، ونهدئ شهواتنا الجسدية. فإننا بهذا ننال قوة لتغلب عدونا، مثل الطوباوية يهوديت التي تدربت أولًا على الاصوام والصلوات فغلبت اعداءها وقتلت هولوفرينس Holophernes(121).وقَرَّبَت يَهوديتُ أَيضًا جَميعَ أَمتِعَةِ أليفانا الَّتي أَعْطاها الشَّعْبُ إِيَّاها.
وأمَّا النَّاموسِيَّةُ الَّتي نَزَعَتها مِن مَضجَعِه،
فقَرَّبَتها لله تَحْريمًا [19].
قدمت القديسة يهوديت كل ما أعطاه إياها الشعب ألا وهي أمتعة أليفانا؛ إذ لم تذهب بنفسها لتقتني غنيمة ما، ولا أرسلت من قِبلها أحدًا يحمل لها شيئًا، لكن الشعب شعر أن من واجبه أن يحمل لها أمتعة هذا القائد المنكسر.
قامت بدورها تقدم كل ما سلمه إليها الشعب، لتعلن أن لا فضل لها في النصرة، إنما هو عمل الله نفسه، وهو المستحق الشكر والكرامة والمجد.
أرادت أن توضع هذه الغنائم في الهيكل لكي تذكر الأجيال القادمة عمل الله مع شعبه. هذا ومما يجدر بالذكر أن هيكل أورشليم كان مكدسًا بمثل هذه الهدايا والغنائم، ما جعله مطمعًا لكل وثني وطامع.
تقريب ناموسية أليفانا لله تحريمًا يعني عدم الجواز لأحد أن يستخدمها، سواء رئيس الكهنة أو الكهنة أو أحد الملوك أو من القادة العسكريين. كما لا يجوز بيعها أو إهدائها، أي قدمته وقفًا مؤبدًا للهيكل.
وكانَ الشَّعبُ مَسْرورًا في أُورَشَليمَ أَمامَ المَكانِ المُقَدَّسِ مُدَّةَ ثَلاثةِ أَشْهُر،
وبَقِيَت يَهوديتُ مَعَهم [20].
شاركت يهوديت الناسكة التي تحب العزلة مع الله شعبها احتفالاته في أورشليم لمدة ثلاثة أشهر متوالية. فقد كان وجودها يبعث الفرح في حياة القادة والشعب، ويذكرهم بقدرة الله العجيبة والعاملة بكل الطرق لخلاص شعبه.
وبعد تِلكَ الأَيَّام، رَجَعَ كُلُّ واحدٍ إلى ميراثِه،
وانصَرَفَت يَهوديتُ إلى بَيتَ فَلْوى، وأَقامَت في مِلكِها.
وصارَت شَهيرةً في زَمَنِها في البَلَدِ كُلِّه [21].
عاد كل إنسان إلى بيته ليمارس عمله بروحٍ قوية، فالعبادة المتهللة تبعث المؤمنين على العمل والالتزام بالمسئولية.
عادت يهوديت إلى مسكنها لتمارس حياتها الأولى من أصوامٍ مستمرة مع عبادة دائمة، ترتدي ثوب ترملها وترفض الزواج بعد أن صار لها شهرتها العظيمة واشتاق كثير من العظماء أن يتزوجها.
اِشتهاها كَثيرٌ مِنَ الرِّجال،
ولَم يَعرِفْها رَجُلٌ مِنَ الرِّجالِ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِها
مُنذ وَفاةِ زَوجِها مَنَسَى،
وانضِمامِه إلى شَعبه [22].
* مع هذا فإنها لم تتباها بهذا النجاح مع أنه يحق لها أن تفرح وتعتز بحق نصرتها، فتوقف تداريبها الخاصة بترملها. لكن برفضها كل من رغب في الزواج منها تركت ثياب فرحها وارتدت ثانية ثياب ترملها، غير مبالية بزينات نصرتها، مفكرة في الأمور الأفضل التي بها تُخضع شهوات الجسد أكثر من تلك التي بها تهزم أسلحة العدو(122).
وكانَت تَزْدادُ عَظَمةً كُلَّما طَعَنَت في السِّنَّ،
وشاخَت في بَيتِ زَوجِها،
فبَلَغَت مائةً وخَمسَ سِنين.
وأَعتَقَت وصيفَتَها،
وتُوُفِّيَت في بَيت فَلْوى،
فدَفَنوها في مَغارَةِ زَوجها مَنسَّى [23].
لم يكن ممكنًا للزمن أن يغطي على هذا العمل العظيم، وإنما كان يزيد من عظمة يهوديت. عمل الرب لن يمحيه الزمن ولا يطويه النسيان، بل يتجلى بالأكثر يومًا فيومًا، ويشهد لحب الله الفائق.
قبل نياحتها قامت بتحرير وصيفتها، ولعها فعلت هذا حتى لا يرثها أحد من أسرتها كجارية تفقد حريتها. فقد اشتركت الوصيفة بدورٍ عظيم في حياة يهوديت، ربما كانت كاتمة أسرارها، وحسبتها كأختٍ لها. الآن قبل أن تنطلق من العالم أطلقت حرية وصيفتها.
وناحَ علَيها بَيتُ إِسْرائيلَ سَبعَةَ أَيَّام.
وقَبلَ وَفاتِها وَزَّعَت أَمْوالَها على جَميعِ أَقارِبِ زَوجِها مَنَسَّى،
وأقارِبِ أُسرَتِها [24].
لم يكن لأموالها مكان في قلبها؛ لذا بحبٍ شديد قامت بتوزيعه على جميع أقارب زوجها وأسرتها. قدمته لهم بإرادتها في محبة وفرح، عوض أن يرثوه بعد نياحتها.
لعلها فعلت هذا خشية أن تحدث خلافات في توزيع الميراث، فيكون موتها سببًا في خلافات أسرية. لكنها لم تترك شيئًا يرثه أحد، وفرَّحت قلوب الكثيرين أثناء حياتها.
ولم يَعُدْ هُناكَ مَن يُرعِبُ بَني إِسْرائيلَ في أيَّامِ يَهوديت،
ولا بَعدَ مَوتها سِنينَ كَثيرة [25].
لم تجسر أمة على محاربة شعب يهوديت حتى بعد نياحتها لسنين عديدة، إذ كان خبر هذه النصرة له صداه لزمنٍ طويل.
صار يوم انتصارهم على الآشوريين عيدًا قوميًا لليهود مثل عيد الفوريم الذي احتفل به اليهود لخلاصهم خلال الملكة إستير (إس9: 26-33)، ويوم نكانور الذي احتفلوا فيه بانتصارهم على السلوقيين ومقتل نكانور قائدهم (2مك15) والذي سُمي بعيد الحانوكا، وما زال اليهود يحتفلون به حتى اليوم حيث يقرأون فيه سفر يهوديت في 25 ديسمبر من كل عام.
"أَنشِدوا لِإِلهي بِالدُّفوف، رَنِّموا لِلرَّبًّ على الصُّنوج، اِنظِموا لَه المَزمورَ والنَّشيد أَشيدوا، وادعوا بِاسمِه [1].
لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ يَمحَقُ الحُروب لأَنَّه جَعَلَ مُعَسكَراتِه في وَسْطِ الشَّعْب فأَنقَذَني مِن يَدِ مُضطَهِدِيَّ [2].
أتى أَشُّورُ مِنَ الجِبالِ الشَّمالِيَّة أَتى بِرِبْواتِ جَيشِه. كَثرَتُهم سَدَّتِ الأَودِية وخيولُهم غَطَّتِ التِّلال [3].
قالَ إِنَّه سَيَحرُقُ بِلادي ويَقتُلُ بِالسَّيْفِ فِتْياني ويَطرَحُ إلى الأَرضِ رُضَعائي ويَجعَلُ غَنيمةً مِن أَطْفالي وَيسْبي أَبْكاري [4].
الرَّبُّ القَديرُ رَدَّهم بِيَدِ امرَأَة [5].
فإِنَّ بَطَلَهم لم يَسقطْ بِأَيدي الشُّبَّان ولم يَبْطُشْ بِه بَنو طيطان ولا جَبابِرَة طِوالٌ هَجَموا علَيه بل يَهوديتُ ابنَةُ مَراري بِجَمالٍ وَجهِها أَعجَزَته [6].
فقَد نَزعَت ثَوبَ ترْملِها لإِنْهاضِ المَحْزونين في إِسْرائيل ودَهَنَت وَجهَها بِالطِّيب [7].
وعَصَبَت شَعرَها بِعِصابة ولَبِسَت حُلَّةً مِن كتَان لِتَفتِنَه [8].
حِذاؤْها خَطَفَ بَصَرَه وجَمالُها أَسَرَ نَفْسَه والخَنجَرُ قَطَعَ عُنُقَه [9].
اِرتَعَدَ الفُرْس مِن جُرأَتِها واضطَرَبَ المادِيونَ مِن شَجاعَتِها [10].
حينَئذٍ صَرَخَ مُتواضِعِيَّ، فَخافوا وصاح ضُعَفائي، فارتَعَدوا ورَفَعوا صَوتَهم فوَلَّوا هارِبين [11].
بَنو نُسَيَّاتٍ طَعَنوهم وكأَولادٍ فارِّينَ إلى العَدُوِّ جَرَحوهم فهَلَكوا في مَعرَكَةٍ لِرَبِّي [12].
سأُرَنِّمُ لِإِلهي نَشيدًا جَديدًا. رَبِّي، عَظيمٌ أَنتَ ومُمَجَّد عَجيبٌ في القُوَّة ولا يَقْوى علَيكَ أَحَد [13].
إِيَّاكَ فلتَعبُدْ خَليقَتُكَ بِأَسرِها لِأَنَّكَ أَنتَ قُلتَ فكانت. أَرسَلتَ رُوحَكَ فكُوِّنَت ولَيسَ مَن يُقاوِمُ صَوتَكَ [14].
الجِبالُ تَهتَزُّ مِن أُسُسِها وتَختَلِطُ بِالمِياه والصُّخورُ كالشَّمعِ تَذوبُ أَمامَ وَجهِكَ والَّذينَ يَتَّقونَكَ تَكونُ عنهُم راضِيًا [15].
لأَنَّ كُلَّ ذَبيحةٍ أَقَلُّ مِن أَن تَكونَ رائِحةً ذكِيَّة كلَّ دُهْن أَحقَرُ مِن أَن يَكونَ لَكَ مُحرَقَة. ولكِنَّ الَّذي يَتَّقي الرَّبَّ كَبيرٌ في كُلَ شَيء [16].
الوَيلُ لِلأُمَمِ الَّتي تَقومُ على نَسْلي! فالرَّبُّ القَديرُ يَنتَقِمُ مِنهُم في يَومَ الدَّينونة يَجعَلُ النَّارَ والدُّودَ في لُحومِهم فيَبْكونَ أَلَمًا لِلأَبَد" [17].
ولَمَّا وَصَلوا إلى أَورَشَليم، سَجَدوا لِله. وبَعدَما آطَّهَرَ الشَّعْب، قَرَّبوا مُحرَقاتِهم وتَبَرُّعاتِهم وتقادِمَهم [18].
وقَرَّبَت يَهوديتُ أَيضًا جَميعَ أَمتِعَةِ أليفانا الَّتي أَعْطاها الشَّعْبُ إِيَّاها. وأمَّا النَّاموسِيَّةُ الَّتي نَزَعَتها مِن مَضجَعِه، فقَرَّبَتها لِلهِ تَحْريمًا [19].
وكانَ الشَّعبُ مَسْرورًا في أُورَشَليمَ أَمامَ المَكانِ المُقَدَّسِ مُدَّةَ ثَلاثةِ أَشْهُر، وبَقِيَت يَهوديتُ مَعَهم [20].
شيخوخة يهوديت ووفاتها
وبعد تِلكَ الأَيَّام، رَجَعَ كُلُّ واحدٍ إلى ميراثِه، وانصَرَفَت يَهوديتُ إلى بَيتَ فَلْوى وأَقامَت في مِلكِها. وصارَت شَهيرةً في زَمَنِها في البَلَدِ كُلِّه [21].
اِشتهاها كَثيرٌ مِنَ الرِّجال، ولَم يَعرِفْها رَجُلٌ مِنَ الرِّجالِ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِها مُنذ وَفاةِ زَوجِها مَنَسَّى وانضِمامِه إلى شَعبه [22].
وكانَت تَزْدادُ عَظَمةً كُلَّما طَعَنَت في السِّنَّ، وشاخَت في بَيتِ زَوجِها فبَلَغَت مائةً وخَمسَ سِنين. وأَعتَقَت وصيفَتَها، وتُوُفِّيَت في بَيت فَلْوى، فدَفَنوها في مَغارَةِ زَوجها مَنسَّى [23].
وناحَ علَيها بَيتُ إِسْرائيلَ سَبعَةَ أَيَّام. وقَبلَ وَفاتِها وَزَّعَت أَمْوالَها على جَميعِ أَقارِبِ زَوجِها مَنَسَّى وأقارِبِ أُسرَتِها [24].
ولم يَعُدْ هُناكَ مَن يُرعِبُ بَني إِسْرائيلَ في أيَّامِ يَهوديت ولا بَعدَ مَوتها سِنينَ كَثيرة [25].
_____
(120) E. J., 451.
(121) Paschal Letters, 4: 2.
(122) Concerning Widows 7: 42.
← تفاسير أصحاحات يهوديت: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
مراجع هذا التفسير |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير يهوديت 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2smdq5p