سمع مرة من رجال "طابنيس(8)، وهو اسم دير في الجنوب انهم كانوا يقومون بعدة خدمات تقوية كثيرة جدًا، فقام الأنبا مكاريوس واستبدل ملابسه واخذ ملابس فلاح مثل رجل عامل، وذهب إلى الجنوب ماشيًا في الصحراء لمدة خمسة عشر يومًا حتى وصل هناك. ولما وصل إلى الدير الكبير سأل عن أب الدير المسمي آبا باخوم (باخوميوس) وكان رجلًا مشهورًا، وهو وإن كانت له نعمة النبوة فإن الله لم يعلمه بموضوع الأنبا مكاريوس وكان قد سمع عنه ويرغب أن يراه فلما قابله الأنبا مقاريوس قال له: أرجوك يا أبي أن تقبلني بديرك، ربما أصبحت أنا أيضًا راهبًا. فقال له أنبا باخوميوس: ماذا تريد يا أخي؟ أري أنك أصبحت عجوزًا بحالة جسدك، لا تقدر أن تقوم بأعمال التقوى مثل الإخوة المتقشفين. لن تستطيع أن تتحمل الاستمرار في التدريب ولسوف تعثر وتذهب تتكلم ضدهم. اذهب إلى مسكن الغرباء والفلاحين امكث هناك وسوف أطعمك إلى أن ترغب في العودة ولم يقبله لا في اليوم الأول ولا في الثاني حتى ولا في السابع، ولما ضعف أنبا مقاريوس لأنه بقي دون طعام، قابل رئيس الدير مرة أخرى وقال له "اقبلني يا أبي، وإن كنت لا أصوم ولا أتقشف وإن كنت لا اشتغل بيدي مثلهم فاطردني من ديرك. حينئذ أرسله نحو الإخوة، لكي يدخلوه وكان عدد الإخوة الذين يسكنون في هذا الدير ألفًا وأربعمائة. ذهب الأنبا مكاريوس، وبعد أن أمضي هناك بضعة أيام، كانت الأربعين المقدسة، ورأى كل الإخوة، كل واحد منهم يعمل أعمالًا تقوية مختلفة، فالبعض كان يصوم إلى الغروب كل يوم والبعض الآخر كان يفطر كل يومين، والآخرون كل خمسة أيام، وآخرون كان يصومون ويقفون في الليل ويجلسون في النهار. وذهب الأنبا مكاريوس أيضًا وبلل سعف النخل الذي كان معه، وأخذه ووضعه على منضدة مستديرة أمامه، ووقف في ركن من قلايته، وكان يجدل السلال إلى أن انتهت الأربعين المقدسة، ولم يجلس قط ولم يأكل خبزًا ولم يشرب ماء ولم يركع ولكنه كان كل يوم يأخذ بعضًا من ورق "الكرنب" ليأكله أمامهم حتى يعرفوا أنه كان يأكل وإذ كان يخرج ليرش الماء ليبلل سعف النخل، كان يعود مسرعًا فورًا لا يكلم أحدًا ولا يفتح فاه قط ولكنه كان ساكنًا مصليًا في قلبه يشتغل في السعف. فلما رآه كل النساك على هذا الحال، قاموا ضد رئيس الدير قائلين: "من أين أتيت بهذا الشيخ؟" ألأنه غير مكسو باللحم أتيت به هنا لكي يديننا، اجعله خارج هذا المكان وإلا نهرب كلنا".
فلما علم الأنبا باخوميوس صفة أعماله التقوية صلي إلى الله أن يكشف له خبر الشيخ، فاعلمه الله أنه الأنبا مكاريوس الإسكندري الذي كان يسكن شيهيت، فأخذ الرئيس بيد الشيخ، وأحضره في وسط المكان الذي كانوا يجتمعون فيه" بعد أن فرغوا من صلاة القداس حتى يراه كل جموع الرهبان وقال له: "هيا إلى هنا، أيها الشيخ الجليل كيف يكون ذلك أأنت الأنبا مكاريوس وقد أخفيت نفسك عنا! كم من الزمان وأنا أسمع عنك وأرغب أن أراك! ولكنني أشكرك لأنك وعظتنا كلنا وعلمت الإخوة الشبان ألا يفتخروا بأعمالهم التقوية ولو بذلوا غاية جهودهم فلن يقتربوا قط من مقياس الأربعين يومًا التي لسيدنا ومخلصنا يسوع المسيح بن الله الحي، وخصوصًا أعمالك التقوية أيها الرجل الذي يشبهنا فقد قمت بها وأنت متقدم في الأيام. اذهب إلى مكانك بسلام فقد وعظتنا وأرشدتنا كلنا بما فيه الكفاية، صل من أجلنا - حينئذ ذهب بينما كانوا يتوسلون إليه ويرجونه ليصلي من أجلهم (9).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ثم ان سيدة اسمها ليديا. سمعت عنه فأتت إليه من تسالونيكي وكانت كاتبة تكتب الكتب ومتقشفة جدًا تحيا حياة شاقة وقد أمضت سنة كاملة تسكن في مغارة كبيرة وكانت تقابل الشيخ ولم يرها أحد في كل الجبل إلا في اليوم الذي تركته فيه لتذهب إلى بلدها، وقد أراحها الله من الأفكار التي أتت إليه من اجلها بصلوات الشيخ وعادت إلى بلدها ممجدة الله.
_____
(8) نسبة إلي Tabenna بالقرب من قنا في مواجهة دندرة ويذكر المتنيح القمص عبدالمسيح المسعودي في تحفة السائلين ص206 أنه قد أطلق اسم طبانيين على أماكن أنبا باخوميوس عند البعيدين فسموا الرهبان الطبانيين لأن هذا أول دير لهم.
(9) وردت هذه القصة مختصرة بالسنكسار (اليوم السادس من بشنس)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/macarius-of-alexandria/instructions.html
تقصير الرابط:
tak.la/ay7h6nn