السؤال الخامس:
هل طالبت الكنيسة العروسين بالامتناع عن المعاشرات الزوجية الثلاثة أيام التي تلي صلوات الإكليل؟
الإجابة:
أولا: وقبل كل شيء، يجب أن يكون واضحًا أن:
العلاقة بين الزوجين هي علاقة طاهرة
فكما يقول الكتاب: "ليكن الزواج مكرمًا في كل شيء، وليكن فراش الزوجية طاهرًا" (عبرانيين 13:4).
والسبب في ذلك:
أنه من خلال صلوات سر الزيجة يصبح العروسان " جسدًا واحدًا" (متى 19: 5، 6)،
وبالتالي يصبح:
"ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل.
وكذلك الرجل أيضًا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة" (1 كورنثوس 7: 4). والكتاب يوصى:
ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضًا الرجل" (1 كورنثوس 7: 3).
لذلك... جاءت كتابات الآباء القديسين وقوانين الكنيسة مؤكدة طهارة العلاقة الزوجية، فمثلا يقول القديس إكليمندس الإسكندري:
"إذا كانت الشريعة مقدسة، فالزواج مقدس أيضًا" (54)
وبالرغم من ذلك:
فالكنيسة توصى بالامتناع عن المعاشرات الزوجية
في أوقات معينة... لماذا؟
+ يجيب بولس الرسول:
"لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعون أيضًا معا لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم" (1 كورنثوس 7: 5).
لذلك...
+ أوصت الكنيسة بالامتناع عن المعاشرات الزوجية في أيام الصوم، بشرط رضى الطرفين واتفاقهما دون حرج(55)
+ وطالبت الكنيسة بالامتناع عن المعاشرات الزوجية ليلة التناول، ويوم التناول... وأيام الآحاد للتفرغ للعبادة(56).
ولكن...
ماذا عن الامتناع عن المعاشرات الزوجية ثلاثة أيام بعد الإكليل؟
نعم، لقد أوصت الكنيسة بهذا...
وهو تقليد قديم جدًا أخذته الكنيسة من الكتاب المقدس، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. فنقرأ في سفر طوبيا أن رئيس الملائكة الجليل روفائيل قال لطوبيا قبل زواجه من سارة:
"استمع فأخبرك من هم الذين يستطيع الشيطان أن يقوى عليهم:
إن الذين يتزوجون فينفون الله من قلوبهم، ويتفرغون لشهوتهم...
أولئك للشيطان سلطانا عليهم.
فأنت إذا تزوجتها، ودخلت المخدع، فأمسك عنها ثلاثة أيام، ولا تتفرغ معها إلا للصلوات...
وبعد انقضاء الليلة الثالثة تتخذ البكر بخوف الرب" (طوبيا 6:16 -22).
ونجد أن هذا هو ما فعله طوبيا، إذ قال لعروسه سارة:
" قومي يا أختي نصلى لله اليوم وغدا وبعد غد،
لأنه في هذه الثلاثة ليالي نتحد بالله.
وبعد الليلة الثالثة نكون في زيجتنا،
فأننا أولاد القديسين، فلا ينبغي لنا أن نتزوج مثل الأمم الذين لا يعرفون الله.
فقاما كلاهما وصليا بحرارة لكي يعطيهما البركة" (طوبيا 8: 4 - 6).
ولكن: لماذا هذا الامتناع؟
لكي نجيب على هذا التساؤل، يحسن بنا أن نتوقف قليلا لنعرف:
كيف تعمل أسرار الكنيسة في الإنسان؟
+ السر يتم بواسطة الصلوات.. ويتم كاملًا.
+ يأخذ الإنسان السر الذي تم بالكامل...
+ ولكن عمل هذا السر في الإنسان يتوقف على:
إيمان الإنسان، وعلى مدى استعداد الإنسان روحيًا قبل أن يأخذ الإنسان السر...
ثم على ما يفعله الإنسان بعد أن يأخذ السر...
فعمل السر في الإنسان الذي بعد أن يتناول يذهب لبيته ويختلي بالله ويصلى، غير عمله في الإنسان الذي بنهاية التناول ينسى كل شيء عن الله ويقضى أوقاته منهمكا في العمل أو في جلسات اجتماعية أو مع وسائل الترفيه...
فالأسرار الكنسية لكي تبدأ مفاعيلها في النفس يحتاج الإنسان.
لفترة صلاة وخلوة بعد نوال أي سر.
لذلك...
فالامتناع عن المعاشرات الزوجية بعد الإكليل...
وتخصيص وقتا للصلاة والعمل الروحي...
يسمح لمفاعيل سر الزيجة بالعمل في حياة العروسين.
فالعروسان بعد الإكليل... يحتاجان لقضاء يوما أو اثنان أو ثلاثة في صلوات وتسبيحات وقراءات روحية.
+ ولقد جاء القانون أل 14 من قوانين مجمع قرطاجنة مطالبا العروسين بأن:
" يشتركا حالا بعد الإكليل في الأسرار المقدسة (التناول) وأن يحافظا على البتولية إلى الغد لأجل بركة وقدسية سر الزيجة والأسرار المقدسة (التناول). "
+ فإن لم يستطيعا أخذ هذه البركة، فعلى الأقل ليكملا اليوم بعد التناول أو بعد نهاية الإكليل في صلوات أو في قراءات روحية أو في أي عمل روحي...
ماذا عن الناحية الناحية النفسية؟
+ وصية الكنيسة بالامتناع عن المعاشرة الزوجية الثلاثة أيامًا التي بعد الإكليل لها فائدتها النفسية كذلك... فتشعر العروس أن العريس يحبها لشخصها وليس لمجرد العلاقات الجسدية... وأن اشتياقات عريسها هي لها وليست لمجرد الشبع من شهوة جسدية
+ ومن جانب آخر، أحيانا تحتاج العروس وقتًا كافيًا للتغلب على مشاعر الخجل...
+ فكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم مخاطبًا العريس:
"وبعد انتهاء احتفال الزواج، خذ عروسك... شجع خجلها لفترة كافية،
ولا تحاول أن توقف هذا الخجل فجأة أو بسرعة "(57)
اتصال متكامل:
+ إذا أنصت السمع للصلوات، ستجد إحداها تقول:
" يا رب بارك عبديك... لكي يكونا بكل تقوى وعفاف،
متصلين بجسديهما وروحيهما.."
+ فالنظرة الصحيحة للزواج تتضمن ليس فقط الاتصال الجسدي...
بل أيضًا الاتصال النفسي والفكري والروحي والعاطفي.
+ ومما لاشك فيه أن العروسين اللذين يستمعان للكنيسة في وصية الامتناع عن المعاشرات الجسدية لثلاثة أيام سوف يعطيان الفرصة لهذا الاتصال النفسي والفكري والروحي والعاطفي للنمو...
فتكون كل هذه الاتصالات مقدمة للاتصال الجسدي بينهما.
راحة بعد عناء:
+ أحيانا يكون العريس أو العروس أو كلاهما قد أمضيا أيامًا أو أسابيعًا قبل الإكليل في إجهاد وإرهاق مستمر واستنزاف للطاقة،
مما يجعلهما في مسيس الحاجة للراحة...
هذه الراحة لازمة لتعيد للجسم نشاطه وحيويته،
وللأعصاب اتزانها...
وللإنسان سيطرته على أعصابه وانفعالاته...
+ لعلك سمعت سابقًا عن عروسين تشاجرا في الأيام الأولى للزواج،
وأحيانا ينتج عن هذا الشجار تمزق في خيوط المحبة التي تربط بين قلبيهما.
ويتسبب في بداية سيئة للعلاقات الزوجية...
ولم يكن هناك سببا كافيا يستحق هذا الشجار...
لكن... كان هناك سببا غير مرئيًا،
وهو فقدان السيطرة على الأعصاب
نتيجة حالة الإرهاق الشديدة التي سبقت الإكليل...
+ لذلك...
فمن أجل بداية حسنة للزواج -وليس تشاجرًا- ننصح بإعطاء الجسد فرصة للراحة.
ومن كل هذا يتضح أن طاعة وصية الكنيسة بالامتناع عن المعاشرات الجسدية في الثلاثة أيام الأولى لها أهميتها البالغة: روحيًا ونفسيًا وعاطفيًا وجسديًا...
ولكن... التفاهم ضروري:
+ تنفيذ وصية الامتناع هذه يحتاج إلى تفاهم واتفاق بين العروسين، ويأتي نتيجة حوار وليس إرغام، ويتم برغبة الطرفين عن رضى، كما قرأنا عن اتفاق طوبيا مع عروسه سارة.
+ وما يتفقا العروسان عليه يجب أن يكون أمرا خاصا بهما، ولا يعلم به أحدا سواء من أسرتي العروس والعريس أو من الأقارب أو من الأصدقاء. ولعل هذا يكون بمثابة أول تدريب للعروسين في التفاهم معا والوصول إلي قرارات بدون الحاجة إلي تدخل أي إنسان آخر، وفي الاحتفاظ بأسرار بيتهما لنفسيهما فقط، وعدم تدخل الآخرين في شؤون البيت مما ينتج عنه سلام البيت! لقد أعجبتني نصيحة غالية قالها كاهن لعروسين:
"ما تناقشانه من أموركما، وما تتفقان عليه،
لا يجب أن يُسْمَع خارج غرفة نومكما."
والمقصود هنا، ألا يعرف أحد غيركما ما تناقشان أو ما تتخذان من قرارات.
ماذا كان يحدث في نهاية فترة الامتناع؟
+ وقديما كانت تقام في الكنيسة صلوات خاصة بالعروسين تعرف باسم "حل الزنار" أو "رفع الأكاليل" أو "التجليسة"، وعبر العصور اختلف موعد هذه الصلاة:
+ فقد كانت تتم بعد ثلاثة أيام من الأكاليل(58) (وهذا يوافق نهاية فترة الامتناع عن المعاشرات الزوجية)
+ أو ظهر الاثنين(59) (عندما كانت الاستعدادات تبدأ مساء السبت، وتعقبها صلوات الإكليل المقدس، ثم سهرة روحية تنتهي بالقداس الإلهي وتناول العروسان في صباح الأحد. في هذه الحالة كانت تنتهي الثلاثة أيام يوم الاثنين).
+ كان يحضر العريس والعروس صلاة قصيرة يتلى فيها الطرح (التفسير)، والذي يوضح لنا مقدار البركات التي نالها العروسان نتيجة حياة العفة التي عاشا فيها.
+ وهذه بعض فقرات من هذا الطرح(60):
" هذان (العروسان) حق عليهما صوت البركة الإلهي الصادر لأبينا آدم وأمنا حواء.
هذان اللذان فاضت عليهما البركة التي مُنحت لأبينا نوح البار.
هذان اللذان حفتهما بركة أبينا الخليل أب الآباء.
هذان اللذان اشتملا ببركات أبينا اسحق.
هذان اللذان تضاعفت لهما بركات أبينا يعقوب.
هذان اللذان استحقا بركة يوسف الصديق."
ثم... كان الكاهن يفك زنار العريس...
ويرفع عن رأسيهما الأكاليل التي وضعت على رأسيهما في صلاة الإكليل وظلا يرتديانها حتى هذه الساعة(61)
ويقرأ لهما الكاهن صلاة التحليل.
+ سوف تجد في بداية هذا الكتاب وفي ختامه أجزاءً أخري من صلاة " رفع الأكاليل"...
فيها ستجد ملخصا للبركات التي نالها العروسان في صلوات الإكليل...
ولكن العجيب في هذا الترتيب،
أن الكنيسة أرجأت هذا الإعلان إلي نهاية هذه الثلاثة أيام..
وكأنها قصدت أن توضح لنا
مقدار أهمية هذه الفترة الروحية في بدء مفاعيل سر الزيجة...
فهي التي ينتج عنها ظهور بركات هذا السر..
وبالتالي فهي المقدمة الهامة لحياة زوجية مباركة
قد تشبعت بكل بركات سر الزيجة العظيم.
لذلك...
أعود فأكرر دعوتي للعروسين في أن يأخذا هذه البركة...
علي قدر استطاعتهما...
وحسب اتفاقهما...
يومًا أو يومان أو الثلاثة أيام.
_____
(54) - Clement of Alexandria, Stromaties 2:48, 3:12.
(55) - القمص تادرس يعقوب ملطي، الحب الزوجي، صفحة 49.
(56) - المرجع السابق، صفحة 49.
(58) - القمص منقريوس عوض الله، منارة الأقداس، الكتاب الخامس، صفحة 144.
(59) - الأنبا إغريغوريوس، أصوامنا العامة السبعة ، الجزء الثاني، صفحة 28.
(60) - القمص منقريوس عوض الله، منارة الأقداس، الكتاب الخامس، صفحة 167.
(61) - ما زال هذا الترتيب معمولًا به في الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/victor-beshir/holy-matrimony/abstain-from-sex.html
تقصير الرابط:
tak.la/v46pskw