+ بعض الوطنيين من دولة جنوب أفريقيا كتبوا إلى البطريركية في القاهرة طالبين الانضمام إلى الكنيسة القبطية. أرسل البابا يوساب أبونا أيوب في 31/ 8/ 1948م إلى جنوب أفريقيا، وقضى 10 أشهر يتعرف على القبائل والشعوب، وعاد فكتب تقريرًا يؤكد نجاح الخدمة إذا بدأت هناك. فقام البابا يوساب برسامة أبونا أيوب أسقفًا لجنوب أفريقيا ونيجيريا باسم الأنبا مرقس، وسافر إليها يوم 6/ 9/ 1950م, ومعه أبونا شنوده وأبونا إسحق (كان شابًا في الخامسة والثلاثين) والشماس عزيز.
فرح الناس في جنوب أفريقيا بهم وبدأ الأنبا مرقس يعلمهم كل شيء عن الإيمان المسيحي وعمدهم وكان يصلي القداسات ويناولهم من الأسرار المقدسة. وترجم لهم صلوات الكنيسة للغاتهم..
+ حاول الأنبا مرقس تسجيل الكنيسة ولم يستطع فقد كانت الدولة هناك تشترط شراء أرض وبناء كنيسة، فعاد إلى مصر لجمع تبرعات عام 1951م ولكن الناس وقتها لم يفهموا أهمية الكرازة. وتوفى الأنبا مرقس فجأة بعد عام واحد أي سنة 1952م، وعندما وصل هذا الخبر للمجموعة التي تخدم في جنوب أفريقيا شعر أبونا شنوده والشماس عزيز باليأس فعادا، ولكن أبونا إسحق أستكمل خدمته وحده لأنه شعر أن الله هو الذي أرسله لخدمه هؤلاء الناس الطيبين. وظل يخدمهم وحده حتى عام 1969م حين أرسلت السفارة المصرية إلى القاهرة تلح في سحبه بعد أن أصبح لا يختلط إلا بالأفارقة، الأمر الذي جلب عليه سخط الحكومة البيضاء هناك.
+ خدم أبونا إسحق وحده منذ عام 1952م وحتى عام 1969م، لم يكن يملك أي أموال، ولم تكن الكنيسة تُرسل له أي دعم، ولم يأتِ لزيارة مصر أبدًا طوال هذه السنوات نظرًا لعدم امتلاكه ثمن تذكرة الطائرة. استمر وحده في الخدمة يُصلي قداسات
ويناول الشعب. ورغم أن حنجرته كانت ضعيفة، إلا أن صلواته كانت تُرفع من القلب، وكان يواظب على دراسة الكتاب المقدس مع الشعب.
ومع مرور الوقت، زاد إتقانه للغة الإنجليزية، كما تعلّم لغتهم. وحيث أنه لم يجد من يتحدث معه باللغة العربية طوال هذه السنوات، فقد نسيها لدرجة أنه لما عاد إلى مصر لم يكن يستطيع التحدث باللغة العربية، وكان يتحدث مع الرهبان باللغة الإنجليزية.
+ وكما كان بولس الرسول صانع خيام يعمل ليصرف على نفسه وعلى الخدمة " حاجاتي و حاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أع 20: 34/ 2 تس3: 7، 8)، كذلك عمل أبونا إسحق نجارًا، ثم افتتح محلًا صغيرًا لبيع العطارة التي كانت تأتي من الهند، واستطاع فعلًا الصمود وحده لمدة 19 سنة، ولم يكن يُفكر في الانسحاب والعودة، ولكن الحكومة العنصرية هناك هي التي رحلته لمصر عام 1969م.
+ لم ينشغل أبونا إسحق بمصادقة الأغنياء الكثيرين هناك، بل انحاز للفقراء السود وعاش معهم، شاركهم فقرهم وأمراضهم وعاش مثل سيده وديعًا متواضعًا يجول يصنع خيرًا (أع10: 38)، أحب الناس من كل قلبه فأحبوه، عاملهم بتواضع واحترام فرفعوه وأجلّوه وأطاعوه. لم ينل أي تشجيع أو مديح أو شهرة من الناس في مصر ولم يكن أحد يكتب عنه وعن بذله وتضحيته وعن خدمته الروحية العظيمة، ولكن هذا لم يؤثر عليه فقد كان هدفه واضحًا هو خدمة المسيح الذي أحبه من كل قلبه وخدمة أولاده الأفارقة. لذلك كان الله يملأ قلبه بتعزيات الروح القدس وثماره " محبة فرح سلام... "(غل5: 22، 23).
كان يُعلم الناس ويعمدهم وامتدت خدمته لأربعة قرى وسط القبائل المختلفة لكن لم يستطع أن يرسم كهنة يساعدوه لأنه لم يكن أسقفًا وظل متمسكًا بنظام الكنيسة القبطية ولم يحاول أن يرضي الناس هناك برسامات ومراكز مثلما كانت الكنائس المستقلة تفعل.
نجح أبونا اسحق جدًا في خدمته وتلمذ منهم كثيرين أحبوا ربنا من كل قلوبهم. لذلك عندما رجع أبونا اسحق ظلوا متمسكين بالإيمان الأرثوذكسي سنين طويلة إلى أن ذهبت الكنيسة القبطية لجنوب أفريقيا عام 1992. ومن هؤلاء الأفارقة، مَنْ صاروا كهنة يخدمون الآن في الكنيسة هناك.
أبونا اسحق بعد ما رجعوه من جنوب إفريقيا خدم فترة في السودان وعندما تقدم في العمر رجع وعاش في الدير في هدوء بدون دعاية ولا إعلان عن كرازته وعن خدمته. لكنه كان يصلي من كل قلبه من اجل أحباءه الأفارقة ليحافظ الله عليهم ويرسل لهم خدام وكهنة يخدموهم.
تنيح أبونا اسحق بدون أن يرى ثمرة تعبه وجهاده، لكن بالتأكيد الله لا ينسى تعب المحبة وحفظ له أجره في السماء وبارك الخدمة نتيجة محبته وإخلاصه وبذله. كما يقول الإنجيل " إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير" (يو 12: 24).
بعد ما رجع أبونا اسحق لمصر سنة 1969، استمرت الخدمة في الكنائس في جنوب إفريقيا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكان هناك إنسان غيور يحب الله جدًا اسمه سيمون خوبي. كان يكتب جوابات لمصر للمتنيح الأنبا اغريغوريوس ولخدام علمانيين وكانوا يرسلون له كتبًا ونبذات باللغة الإنجليزية عن الإيمان المسيحي الأرثوذكسي وشرح الكتاب المقدس. وهو يقوم بترجمتها للغات المحلية ويعلم الشعب.
+ بعض الأقباط الآن يرفضون التبرع للخدمة الكرازية بحجة أن هؤلاء الناس ينضمون للكنيسة طمعًا في المال. وخدمة أبينا إسحق الروحية الناجحة بلا أي أموال هي أقوى رد، وتكشف بوضوح عن محبة واشتياق هذه الشعوب لمعرفة الرب يسوع الذي يُحبهم ويشتاق لخلاصهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/shepherd-voice/christians-2/south-africa.html
تقصير الرابط:
tak.la/qaz37yy