الإنسان الساهر على خلاص نفسه، ويرقُب كل خطية تسعى إليه. وينتبه بكل يقظة قلب إلى الحروب الداخلية والحروب الخارجية التي تهاجم حياته الروحية. ولا يكون ساهرًا فقط، بل ساهرًا ومقاتلًا، حتى لا يهزمه الشيطان...
لأن كثيرًا من الخطايا، تسبقها الغفلة أو التهاون...
فيقع الإنسان في الخطية دون أن يشعر، وحينما يحس أنه قد سقط، يكون قد تورط وقطع شوطًا فيها. لذلك نحن نطلب من الله في تحليل صلاة الستار قائلين "امنحنا عقلًا مستيقظًا" أي منتبهًا غير غافل...
إن الشيطان يعمل في الظلام، حتى لا ندرك أعماله ولا نراها، لذلك سماه الرب "سلطان الظلام" (لو 22: 53). هذا الذي يعمل في الظلمة الخارجية، خارج الحياة مع الله... وحالة غفلة النفس، هي حالة ظلمة لا ترى فيها ولا تدرك...
الإنسان السهران، لا يسهل أن يخدعه الشيطان...
وكما يقول القديس بولس الرسول عن الشيطان".. لأننا لا نجهل أفكاره" (2كو 2: 11). فالإنسان الساهر على حياته الروحية التي يفهم بها حيل العدو فيهرب منها.
ولا يضربه الشيطان بضربة شمال، ولا بضربة يمين.
وضربة الشمال هي التساهل والتسامح مع الخطية والتسيب. أما ضربة اليمين فهي المُغالاة في الطريق الروحي، حيث يرتئي الإنسان فوق ما ينبغي (رو 12: 3).
الإنسان السهران، يكون له فِكْر حكيم، يدرك حيل العدو...
لا يمكن أن تخدعه الخطية. ويستطيع أن يميز تمامًا الخطايا التي تلبس ثياب الحملان، وتأتي إليه في شكل فضيلة! يستطيع أن يميز القسوة التي تأتيه باسم الحزم، والشهوة التي تأتيه باسم الحب والعطف. يستطيع أن يميز حب مديح الناس، الذي يأتيه في هيئة تقديم قدوة صالحة لفائدتهم... وهكذا في كل ما ثمر عليه من حروب في الخارج أو مشاعر في الداخل، يتذكر قول القديس يوحنا الحبيب (1 يو 4: 1):
لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح، هل هي من الله.
ذلك لأن الشيطان كما قال الكتاب "بغير شكله إلى شبه ملاك نور" (اكو 11: 14). إن كان يدفع أحدًا للارتفاع إلى فوق في الروحيات، بغير حكمة وبغير مشورة، إنما يرفعه ليسقطه من علو، أو ليرميه في الكبرياء، أو يوصله إلى مستوى لا يستطيع أن يستمر فيه، ثم يوقعه في الكآبة والحيرة...
أما الإنسان الساهر فلا يقبل من الشيطان نصيحة، مهما كانت تبدو ومخلصه، أو تبدو نافعة!! وإن كان الشيطان يغير شكله إلى شبه ملاك نور، فإن هذا ينبهنا إلى نقطة هامة وهي أن:
الساهر لا تخدعه الرؤى ولا الأحلام الكاذبة...
الذي في غفلة، قد تخدعه الرؤى والأحلام. أما الساهر على روحياته، فإنه يفحصها جميعًا، ويميز ما هو من الله ويرفض الباقي.
لست أريد أن أتفيض كثيرًا في الحديث عن حروب الشياطين، فموعدنا بها كتاب سنصدره في الشهر المقبل إن شاء الله عن الحروب الروحية، فيه باب أساسي عن حروب الشياطين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أما الآن فإننا نركز على السهر الروحي في هذه الحروب فنقول:
الإنسان الساهر لا يدخل في حرب، وهو في حالة ضعف...
إنه لا يدخل في قتال مع الشيطان، إلا وهو مستعد له، سيفه على فخذه من هول الليل. أما إن أحس ضعفًا في دخله، فإنه يبعد عن كل حرب خارجية يثيرها الشياطين. بل يهرب من العثرات على قدر طاقته مهما كان تبدو خفيفة...
يهرب من الخطايا القريبة، ومن الخطايا البعيدة أيضًا...
من الخطايا التي يمهد الشيطان طريقها بعد أسبوع أو شهر أو سنة ويقول لنفسه في حرص الساهر... أنا عارف أن هذه السكة سوف تتعبني، ولو بعد فترة طويلة، فالبعد عنها من الآن أفضل وأسلم.
وهكذا يراقب نفسه من الداخل، ويراقب العدو من الخارج...
هذا هو الإنسان الساهر روحيًا: يراقب نفسه باستمرار، يراقب مشاعره وأفكاره وحالة قلبه الداخلية. فإن وجد في نفسه ضعفًا معينًا، أو ميلًا في وقت ما نحو الخطية، أو تراخيًا مقصودًا في مقاومتها... يسرع بإقامة حالة طوارئ بالنسبة إلى نفسه، ويزيد من حراسته، ويدعمها بالوسائط الروحية العميقة...
ولا يترك العدو يهاجمه، وهو في حالة غفلة أو عدم اهتمام، أو وهو في حالة ضعف أو لا مبالاة. وكما قال أحد القديسين:
الخطية يسبقها أما الشهوة، أو الغفلة أو النسيان.
والساهر يحترس من هذه كلها. ويراقب نفسه ويرى ما يصلح لها، ويقويها، ولا يدعها تكون فريسة سهلة لعدو الخير المتربص لافتراسها0 وإن وجد الحرب شديدة عليه، يصرخ كما في قطع صلاة الستار "يا رب أنت تعرف يقظة أعدائي. وضعف طبيعتي أنت تعرفه يا خالقي. فاسترني بأجنحة صلاحك، لئلا أنام نوم الوفاة".
هذا ما يفعله الساهر الذي يراقب نفسه. لهذا أقول لكم في صراحة:
راقبوا أنفسكم جيدًا، بدلًا من أن يراقبكم الناس.
وكما قال القديس مقاريوس الكبير "أحكم على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". إصحوا لأنفسكم. إفحصوا أنفسكم من الداخل. راقبوا أفكاركم ومشاعركم وحواسكم.
وإن كان أحد منكم غير ساهر، ولم يراقب نفسه، وراقبه غيره، ووجد فيه عيبًا، ووجهه إليه، أو انتقده روحية، أن يرسل له الله من يوقظه. وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم:
الذي يبكتك على خطاياك، اتخذه لك صديقًا...
ينبغي أن تشكر مثل هذا، الذي لم يتركك مستمرًا في غفوتك، فأيقظك. كإنسان سائرًا في الطريق، وأمامه حفره سيقع فيها وهو غير ملتفت، فوجد من يجذبه بعيدًا عنها، ولو في عنف، ولو بكلمة شديدة. المهم أنه أنقذه، فيستحق الشكر.
نعم، إن كنت غافلًا عن نفسك، فأنت محتاج إلى من ينبهك فتصحو، قد يكون هذا الذي يوقظك أحد أعدائك أو أحد معارضك، فينتقدك، أو يشتمك، أو يهاجمك، بسبب أخطائك. لكنه على كل حال... يوقظك...
فافرح بهذا الذي أيقظك، حتى لو فعل ذلك بعنف...
اعتبره مثل الملاك الذي دخل السجن، وضرب جنب القديس بطرس ليوقظه ولينقذه (أع 12: 7)0 واعتبره مثل الحوت الذي ابتلع يونان، لينقذه من الغرق في البحر...
لا تتضايق إذن إن أيقظتك إهانة أو مشكلة. قل كما قال المرنم في المزمور "خير لي يا رب أنك أذلتني. لكي أتعلم وصاياك" (مز 119).
احتفظ بسهرك. وضع أمامك مبادئ تساعدك على استمرار السهر.
مبادئ، أو آيات من الكتاب، أو أقوال قديسين، تضعها أمامك على مكتبك، أو تعلقها أمامك على الحائط، أو تكتبها في مفكرة لتقرأها باستمرار كأنها "سفر تذكرة" (ملا 3: 16). أو اتصل باستمرار بالأشخاص أصحاب المبادئ، أو أصحاب المستويات العليا في الروح، الذين كلما تراهم تصحو نفسك، وَتَتَبَكَّت على خطاياك، وتعود إلى سهرك...
اتصل بِمَنْ يكشف لك ضعفاتك، لا ولا تهرب منه...
ولا تغضب منه إطلاقًا. إنه يوقظك لتسهر.
وإن كنت ساهرًا على خلاص نفسك، تراقبها، وتراقب كل خطية تحاربك، وتراقب الشياطين وكل خططهم وكل فخاخهم... فهناك نصيحة أخرى هامة وهي:
كما تراقب الخطايا الظاهرة، راقب أيضًا خطاياك الخفية:
اهتم بهذا أيضًا... أعنى الخطايا الساكنة في أعماق النفس من الداخل، الخطايا الكامنة في أعماق العقل الباطن، والتي تكون مصدرًا لأفكار وظنون وأحلام وحركات للنفس تبدو غير إرادية... راقب كل هذه، حاول أن تعالجها.
كن كحارس دَيْدَبَان على نفسك. وتمثل بالزارع الحكيم.
الزارع الذي يكون متيقظًا تمامًا، منتبهًا لكل ما يحيط بزرعه وما يلزم له. يراقب الجو، الحرارة، البرودة، الرياح، العواصف، ويحمي زرعه من كل هذا. كما يرقب مواعيد الري، ومواعيد السماد العضوي والكيماوي. ويرقب الآفات أو الحشرات التي تهاجهم الزرع، ويقاومها ويخلصه منها. كما يرقب ما يطرأ على زرعه من ذبول أو اصفرار، ويعرف سببه ويعالجه. ويرقب النمو والثمر... هذا مزارع ناجح، ساهر على صالح مزروعاته. افعل أنت أيضًا هكذا بالنسبة إلى حياتك، فتحيا...
ارقب كل خطية من بدايتها...
ولا تنتظر عليها حتى تكبر وتتأصل... حالما تلمح الفكر الخاطئ آتيًا من بعيد، اطرده أو اهرب منه، ولا تتركه يدخل إلى ذهنك ويتمكن. ولا تدع الفكر يتحول إلى شعور، ويضعف إرادتك. إنما كمراقب ساهر على حفظ تخومه، ينذر بالخطر إن رأى عدوًا آتيا من بعيد... هكذا مع الخطية قاومها من قبل أن تسيطر. قل لها كما قال المرنم في المزمور "يا بنت بابل الشقية... طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة" (مز 136).
وفي سهرك الروحي، اهتم بالنقطة التالية: احترس من الانحدار التدريجي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/vigil/wars.html
تقصير الرابط:
tak.la/4ahjsx8