الإنسان الروحي الساهر على خلاص نفسه، هو إنسان له هدف ثابت قوي لا يتحول. وهذا الهدف هو محبة الله، وملكوت الله في قلبه.
فهل لك هذا الهدف؟ أم أنت تحيا بلا هدف، بلا خطة، بلا اتجاه ثابت، يوم يسلمك ليوم، وليل يسلمك لليل، دون أن تدري ما أنت فيه..؟!
ضع لك إذن هدفًا روحيًا. واسهر على هذا الهدف باستمرار، وراقبه لئلا يضعف أو يتغير. ولا تكن مثل كثيرين بدأوا بالروح وكملوا بالجسد (غل 3: 3) لأنهم لم يكونوا ساهرين.
ما أسهل أن يتغير هدفك في الطريق إن لم تكن ساهرًا...
كثيرون بدأوا بهدف سليم هو محبة الله. وكمظهر هذه المحبة، أو كتعبير عن هذه المحبة، دخلوا في محيط الخدمة، أنهم يريدون أن يدخل الناس في محبة الله مثلهم.
وبمرور الوقت تحولت الخدمة إلى هدف، فقدوا فيه محبتهم لله. وأعطوا الخدمة كل جهدهم ووقتهم وتفكيرهم، حتى لم يبق لهم وقت يقضونه مع الله في صلاة أو تأمل..!
وهكذا فترت حياة هؤلاء، وبالتالي فترت خدمتهم، ولم تعد خدمة لها الطابع الروحي!
أو آخرون من أجل محبة الله دخلوا الخدمة. ولأنهم لم يكونوا ساهرين على أنفسهم، تحولت الخدمة عندهم بمرور الوقت إلى لون من الرئاسة والسيطرة والسلطة وتأكيد تفوق الذات، وحلت الذات محل الله، وضاعوا وضاعت خدمتهم.
والبعض بدأوا بمحبة الله كهدف سليم. ومن محبتهم لله أرادوا أن يتعمقوا في معرفته، وبحثوا عن هذه المعرفة في الكتب... وبمرور الوقت أصبحت الكتب هي هدفهم. وتوسعت بهم المعرفة حتى خرجت عن محبة الله، وتاهوا في معارف متعددة. وبعضهم وقعوا في شكوك، أو أوقعوا غيرهم في شكوك. واستهوتهم المعرفة حتى تحولوا إلى عقل صرف لا تشغله محبة الله! وأدخلتهم المعرفة في صراعات مع من يخالفونهم في الرأي. وفي صراعاتهم نسوا الله الذي يتصارعون من أجله. وجرفتهم الدوامة التي جرفت كثيرين.
أما أنت فإن دخلت في الخدمة أو المعرفة، فاسهر على نفسك، واحرص فيهما على هدفك الحقيقي الذي هو محبة الله وملكوته على قلبك...
واحترس من الأهداف الجانبية...
أو احترس من الأمور الجانبية، التي تسرقك أثناء عدم انتباهك وعدم سهرك، وتتحول إلى أهداف! فتسعى إليها بكل قلبك، ناسيًا هدفك الحقيقي...
اسهر إذن، وفتش نفسك بين الحين والآخر، وفتش أهدافك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. واذكر عبارة القديس أرسانيوس:
"تأمل يا أرساني في ما خرجت لأجله".
وكان للقديس أرسانيوس كل الحق في أن يخاطب نفسه بهذه العبارة، لأن كثيرين دخلوا الرهبنة "من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح".. ولكنهم إذ لم يكونوا ساهرين على هدفهم الروحي، تطوروا بمرور الوقت، ونسوا هذه المحبة، ونسوا نذورهم ووعودهم الأولى، وتحولوا إلى وضع مختلف تمامًا عن الوضع الذي بدأوا به هذا الطريق الروحي.
أخشى أن تنظر روحك في مرآة، فتقول من هذا؟! لست أنا ما أراه في المرآة!
تنظر إلى ذاتها بعد وقت، فتجد بدلها شخصية أخرى، ليست هي ذاتها التي بدأت الطريق الروحي بطريقة روحية. ولكن لعدم سهرها على هدفها، تغيرت دون أن تدري...
والإنسان الساهر على خلاص نفسه، إن لاحظ تغيرًا في هدفه، يعالجه بسرعة، ويصلحه بسرعة، متنبهًا إلى نفسه، ولا يعطي فرصة لهذا التغير يثبت فيها وجوده ويرسخ أقدامه...
وكما يسهر الإنسان على هدفه ويلاحظه، هكذا ينبغي أيضًا أن يسهر على الوسائل التي يستخدمها في تحقيق هدفه، مراعيًا أن تكون روحي، وصالحة لتوصيله إلى الهدف.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/vigil/aim.html
تقصير الرابط:
tak.la/yfbv26n