ولعلك تقول: "وما شأني بهذه الطلبة، وأنا لم أسفك دمًا طوال حياتي؟!". أقول لك: بل هذه الطلبة تخصك وتخص كل إنسان على وجه الأرض، إذا فهمنا كلمة الدماء بمعنى آخر وهو:
النفوس التي هلكت، ومِنْ يدك يطلب الله دمها:
ولعل هذا يوافق ما ورد في سفر حزقيال النبي، حيث يقول الرب ".. فذلك الشرير يموت بذنبه، أما دمه فمن يدك أطلبه" (حز8:33). مثل هذا الدم هو الذي تطلب من الله أن ينجيك منه... إذن يمكن أن يكون المقصود بالدماء في هذه الآية، هو المعنى الروحي وليس مجرد المعنى المادي...
الذين يتسببون في هلاك غيرهم، يطالبهم الرب بدمائهم:
من أمثلة ذلك كل من يعثر غيره ويوقعه في الخطية، حتى لو لم يخطئ معه... من أمثلة ذلك الفتاة التي تعثر شابًا فيسقط في الخطية بالفكر والشهوة أو بالفعل بسببها، حتى دون أن تسقط هي معه... ومن أمثلة ذلك بلعام الذي ألقى بعثرة أمام بني إسرائيل (رؤ14:2). وبالمثل من يعثر غيره بأفعاله الخاطئة، فيوقعه في خطية الإدانة وما يصحبها من غضب... أو من يثير غيره ويوقعه في الغضب، دون أن يغضب هو.
كذلك تنطبق هذه الطلبة على من ينشرون البدع والهرطقات والتعليم الخاطئ.
فإن كان الناس يمكن أن يهلكوا روحيًّا ويفقدوا أبديتهم، عن طريق البدعة والهرطقة، إذن لا بُد أن يطالب بدمائهم من أخترع هذه البدع ومن نشرها ومن علم بها... ترى كم من الدماء سوف يطالب بها أريوس وأوطاخي ونسطور، وكذلك من ينشرون أفكار شهود يهوه وأمثالهم... لأجل هذا كله يقول الرسول "لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم، لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا" (يع1:3، 2). فليحترس إذن الذين ينشرون تعاليم خاطئة، لأنهم بذلك ينالون دينونة أعظم، وفيها يطالبهم الله بدماء كل من اعتنقوا تعاليمهم... كم وكم إذن تكون دينونة من ينشرون الإلحاد بالتعاليم وبالكتب وبالسلطة وبالمثل كل من يثيرون الشكوك في الدين وفي العقيدة ويفسدون إيمان كثيرين يطالبهم الله بدمائهم...
تنطبق هذه الطلبة أيضًا على الذين يهملون في أمور الرعاية والخدمة والتعليم.
وهكذا يقول الرب في سفر حزقيال النبي "إن لم تتكلم لتحذر الشرير من طريقه، فذلك الشرير يموت بذنبه. أما دمه فمن يدك أطلبه" (حز8:33) وينطبق هذا على كل الذين يعملون في الرعاية، كل منهم في نطاق اختصاصه... وفي طقس رسامة البطريرك يقال له "تسلم عصا الرعاية من يد راعي الرعاة الذي ائتمنك على رعيته. ومن يدك يطلب دمها".. لذلك فالسلطة يسمونها أيضًا مسئولية، لأن الله سيسأل صاحبها عن النفوس التابعة له...
وبالمثل ينطبق هذا على الوالدين في تربية أبنائهما.
سيطالبهما الله بدم كل ابن أهملا في تربيته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ومن الأمثلة الواضحة في ذلك "عالي الكاهن" وما أوقعه الله عليه من عقوبة شديدة، لأنه أهمل في تربية أولاده، على الرغم من أنه وبخهم على فسادهم ولكن بطريقة هينة غير حازمة لم تستطع أن تأتي 124 بالتأثير المطلوب. وينطبق هذا الكلام بالمثل على المرشدين الروحيين وخدام التربية الكنسية، وكل من اؤتمنوا على تربية النشء، كالمشرفين على الملاجئ مثلًا...
ولعل هذا ينطبق أيضًا على الذين يتخذون موقفًا سلبيًا.
أي الذين أمامهم فرصة لإنقاذ الآخرين ولم يتقدموا لإنقاذهم، مادامت لديهم القدرة على ذلك... فليس الخطأ فقط فيمن يقودون غيرهم إلى الهلاك، فيطالبون بدمائهم... أتراك بعد كل هذا لا تقول "نجني من الدماء يا الله، إله خلاصي"..
جميلة وعميقة هذه العبارة: إله خلاصي.
وما أكثر ما يتحدث داود في المزامير عن الله مخلصه، فيقول "خلصني يا رب فإن البار قد فنى"، "اللهم باسمك خلصني"، وأيضًا تلك العبارة التي نقتبسها منه في صلوات البصخة "قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا".. ويتحدث داود كثيرًا عن تفاصيل هذا الخلاص الذي ناله، ويتغنَّى به... والسيدة العذراء نفسها وتغنيت بهذا الخلاص أيضًا في تسبحتها المشهورة فقالت ".. وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو47:1).
أتراك أنت أيضًا: تبتهج روحك بالله مخلصك؟
أولًا تطلب منه وحده الخلاص. ثم تتأمل في كل المواقف التي خلصك الله فيها، وتشكره عليها وتبتهج بالرب. تتذكر كم خلصك من الخطية ومن العقوبة، ومن الناس الأشرار، ومن الهلاك الأبدي... وكم غفر لك...
تأمل في المزمور أيضًا، كيف أنه نتيجة لهذا الخلاص يقول المرتل:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/thanksgiving-psalm-50/deliver-me-from-blood.html
تقصير الرابط:
tak.la/a2g28st