إن كان نقل الكلام خطية ويسبب مشاكل، فإن أخف الناس ضررًا من ينقلون الكلام كما هو، كما يفعل مسجل الصوت (الريكوردر) الأمين المخلص الذي لا يزيد على ما قيل شيئًا.
إنما هؤلاء يأخذون الكلام، ويضيفون عليه رأيهم الخاص واستنتاجاتهم وأغراضهم وما يستنتجونه أو يدعونه من قصد ونية المتكلم، ويقدمون كل ذلك لإنسان آخر، كأنه الكلام المباشر الذي نطق به من قد سمعوه!!
انظروا ماء النيل وقت الفيضان وهو بني اللون من كثرة ما حمل من طمی... هذا الماء البني المشبع بالطين كان في وقت من الأوقات ماءً صافيًا رائقًا عندما نزل مطرًا من السماء على جبال الحبشة. ولكنه طول رحلته في الطريق ظل ينحت الطمي من الصخور ويختلط بالطين حتى وصل إليك بهذه الصورة... هكذا كثير من الأخبار التي تصل إليك، مشبعة بالطين، ربما كانت رائقة صافية في أولها. والفرق بينها وبين ماء النيل أن طينه مفيد للأرض، أما الطين الذي يضعه الناس فمفسد للعلاقات.
كثير من الأخبار عندما تصل إليك تكون اخبار مختلفة جدا عن الواقع. وسأضرب لذلك مثلًا:
يقول شخص لآخر: ألم تسمع؟ لقد حدث كذا مع فلان. فيجيبه لا شك أنه غضب جدًا لهذا. فيقول له طبعًا لا بد أنه غضب جدًا. فيوصل الخبر لثالث ويقول له: «فلان غضب جدًا لأنه حدث معه كذا» فيجيبه: «من غير المعقول أنه يكون غضب فقط، لا بُد أنه سينتقم». ويصل الخبر لرابع إنه سينتقم، فيجيب: «حسب معرفتی لطبعه لا بُد أنه يدبر دسيسة للانتقام ممن أغضبه» وصل الخبر الخامس فيقول: «ربما يرسل خطابًا لمصلحته يتهمه باتهامات» فيجيبه سادس: «مش بعيد يقول عليه شیوعي مثلًا» ويصل الخبر السابع فيذهب إلى الشخص المقصود ويقول له: «الحق، فلان بعت لك جواب للمصلحة بيقول إنك شیوعی».
يحدث كل هذا، وربما يكون الشخص الذي يتكلمون عنه قد تضايق في وقتها ثم صرف الغضب وسامح من أغضبه وانتهى الأمر. أو قد يكون قد أخذ الأمر ببساطة ولم يتأثر...
وهكذا قد يأتيك إنسان ويقول لك: «أنا زعلان منك»، فتسأله عن السبب، فإذا به كلام قد وصل إليه مخالف للحقيقة. ليت هذا الإنسان بدلًا من أن يغضب، يأتي أولًا ويسأل: «أحقًا حدث كذا». ومع ذلك فهو أفضل ممن يسمع كلام الدسيسة فيغضب ويكتم ويتطور الأمر في داخله دون معرفة من الطرف الآخر.
ومع ذلك فهناك من يتهمونه، ولا يدافع عن نفسه، ويكون بريئًا، ولا يكون سكوته دليلًا على ادانته...
ربما يكون الشخص من طبعه عدم الدفاع عن النفس مثل القديس يوسف الصديق، أو قد يمنعه تواضعه أو خجله. وربما اثبات براءته يجعله يكشف أسرارًا يحرص على اخفائها. أو ربما براءته تدین آخرین وتكشف أخطاءهم وهو لا يريد ذلك. وربما إثبات براءته يجر عليه مشاكل أخرى من الحاقدين عليه أو المتهمين إياه. وأحيانًا يكون الشر قاسيًا مخيفًا وطاغيًا. وربما يكون هذا الساكت تاركًا الأمر لله يدافع عنه دون أن يدافع هو عن نفسه... وربما لا يكون عارفًا بما يدبر له...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
«مُبَرِّئء المذنب، وَمُذَنِّب البريء، كلاهما مكرهة للرب» (أم 17: 15).
ربما يقول شخص حقًا إن مذنب البريء شخص ظالم وكاذب، ولكن ما خطية: «مُبَرِّئء المذنب» أليس عمله محبة وعطفًا..؟! ولكي أشرح هذه النقطة أضرب المثل الآتي:
فتاة تقدم شاب لخطبتها، وأنت تعلم أنه شرير ومتعب، فإذا اُخذ رأيك فيه وامتدحته، وبهذا اضعت مستقبل الفتاة المسكينة، فإن هذا التصرف منك ينطبق عليه قول الرب إن: «مبریء المذنب... هو مكرهة للرب»..
إن مُبَرِّئ المذنب. كما في هذه الحالة - هو شاهد زور.
مثل آخر: إنسان فقیر ترشحه عند أحد أصدقائك ليشغل وظيفة، وهو غير كفء لها أو غير أمين وسيتلف العمل بلا شك. هذا إن برأته أمام صديقك ورشحته وامتدحته، تكون شاهد زور خائنًا لصديقك، ولا يعفيك عطفك على الفقير...
إن هذا يقودنا إلى فرع آخر من خطايا الكذب وهو: الملق، والمحاباة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-7-10/news-journey-to-the-listener.html
تقصير الرابط:
tak.la/mj39sds