مع اعترافنا بأن الأسقف سيد ورئيس وملك وراع كما تدعوه الدسقولية، إلا أننا عندما نقول: "أبونا الأسقف" و"أبونا المطران" و"أبونا البطريرك"، إنما يتملكنا إحساس قوي بعاطفة أعمق بكثير من رسميات الرئاسة والسلطة. يكفي أن الله ذاته نناديه قائلين: "أبانا" دون أي إنقاص من سلطته لينا.
وأنت يا الأب الأسقف، عندما تنسى إنك رئيس وسيد، وتذكر فقط أنك أب تجمع أولادك في حضنك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، حينئذ ستعيش في جو من المحبة، وتربطها بأولادك المحبة أكثر من الخضوع.
من حقك أن تأمر فتطاع. ولكن حسن أن تنسي سلطانك، وأن يطيعك الناس حبًا فيك لا خوفًا منك، وطلبًا لبركاتك ورضاك لا إتقاء لعقوباتك وسلطة كهنوتك.
بالحب تكسب نوعًا آخر من الخضوع هو خضوع الثقة ورضا القلب...
وما أجمل قول الكتاب:
"إن صرت اليوم عبدًا لهذا الشعب وخدمتهم وأحببتهم، وكلمتهم كلامًا حسنًا، يكونون لك عبيدًا كل الأيام" (1مل7:12)
ليست أبوة الرعاة لقبًا رسميًا، بقدر ما هي حالة من الحب والعناية والعطف، يلمسها عمليًا كل من يتصل بالراعي عن قرب أو بُعْد. فالراعي هو القلب الواسع الكبير، الذي يلجأ إليه الجميع، فيجدون عنده حلًا لمشاكلهم، أو على الأقل عزاءًا في ضيقاتهم...
الراعي الحقيقي يدخل مدرسة الحب قبل مدرسة الخدمة. يتخذه الناس أبًا عن جدارة لا عن وظيفة. حتى إن قلت مواهبه، تعوضها محبته...
إن السيادة الحقيقية للراعي هي سيادته على القلوب بالمحبة، ولا يصح أن تأخذ مظهرًا عالميًا ينحرف بها إلي حب السيادة والتسلط!! إن عمله هو كسب النفوس للرب، وليس كسب طاعتهم وخضوعهم لشخصه!
وما أسهل أن يحاول الراعي تبرير موقفه، بأنه يقول: "لست أبحث عن كرامتي، وإنما عن كرامة الكهنوت"!! إنه فهم خاطئ لكرامة الكهنوت. فالسيد المسيح لم يفقد كرامته، عندما إنحني وغسل أرجل تلاميذه، بل ازدادت كرامته في أعيننا بخدمته لنا.
إن كنت تبيت مسرورًا، حينما تخضع غيرك لسلطانك الكهنوتي، وتذله تحت قدميك، إذن فأنت مجرد سيد ولست أبًا. أما إن كنت أبًا بالحقيقة، فلن يغمض لك جفن، إن قهرت ابنك وأذللته، وبات بسببك متعبًا..!
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
الطاعة والخضوع أمران سهلان، ولكن أهم منهما المحبة والاحترام.
الراعي المحب يقنع أولاده بحكمة أوامره، كما كان الرب يشرح ويفسر. وطريق الإقناع طويل، ولكنه أثبت وأنفع. أما طريق السلطة، فقصير ومختصر ولكنه خطر وغير ثابت. إنه يمكن أن يسير الأمور إلي حين، ولكنه لا يرضي قلب الخاضع، ولا يخلص نفس الآمِر!
وقد يكسب الراعي خضوع الناس، دون أن يكسب توقيرهم وتقديرهم. وقد ينال إحترامهم لوظيفته، دون شخصه. أما الذين خلدوا، فهم الذين وقرهم الناس وأحبهم الله، لأشخاصهم، مهما كانت وظائفهم ضئيلة...
_____
(1) نقلناها عن "الكرازة" من العددين 4، 5، سنة 1966 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dwtt94p