أول الحاسدين كان الشيطان. حسد الإنسان الأول على نقاوته، بينما فقد هو تلك النقاوة. وحسده لعلاقته الطبية مع الله، بينما خسر هو تلك العلاقة. وحسده لأنه خلق على صورة الله ومثاله. وحسده على تمتعه بالبركة والسلطة في جنة عدن. فأراد أن يفقده كل هذا... ماذا فعل إذن؟ خدعه وكذب عليه وأغراه، وأسقطه في الخطية، فتعرض لحكم الموت. وهكذا نقول في القداس الإلهي (والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس، هدمته).
كانت إذن مؤامرة من الشيطان، وخدعة، ولم تكن ضربة عين.
الشيطان لا يحب الناس، ولا يحب الخير للناس، لذلك يحسد. فليست في قلبه المحبة التي لا تحسد، بل تتركز في قلبه العداوة والكراهية، وبالتالي الحسد. وفي الحسد يحب أن يضر. ويحب أن النعمة تزول من المحسود، على الرغم من أن هذه النعمة سوف لا تتحول إليه. ولكنها مجرد الكراهية التي تجعله يفرح بسقوط البشر.
وقد حسد أيوب الصديق. ولم يستطيع أن يضره إلا أن أخذ سماحًا من الله (أي 1، 2).
وحتى ذلك بسماح كان في حدود لا يتعداها، في الحدود التي كان الله يعرف أن أيوب البار سوف يحتملها. وانتهى الأمر بأن رفع الرب وجه أيوب، وعوضه الخير الذي فقد مضاعفًا. ولم تفلح مؤامرة الشيطان. وكان الله ضابط الكل ممسكًا العملية كلها في يمينه، محولًا كل شيء إلى الخير كما فعل مع يوسف الذي حسده أخوته من قبل (تك45: 8).
فإن كان الشيطان بكل جبروت حسده وقوته لا يستطيع أن يؤذي إلا بسماح، فهل تظنون أن عيون الحاسدين من البشر الضعفاء تستطيع أن تؤذي؟!
مهما أوتيت من قوه البصر!! أين إذن ضابط الكل وحمايته؟ ومن الذي أعطى أولئك الحاسدين تلك القوة الضارة الجبارة في عيونهم!؟ وهل الله يمنح أمثال هؤلاء قوة للإضرار، ليست تحت ضبط، وتعمل بلا سبب داع لإهلاك الناس؟! أمر لا يصدقه منطق، ولا يسنده الكتاب...
ولو كانت ضربة العين حقيقة، إذن لهلك كل أصحاب المواهب والمناصب والتفوق.
الحاصلون على جائزة نوبل كل عام، أليس لهم حاسدون؟ وهؤلاء الحاسدون أليست لهم عيون؟ هل تصيبهم ضربة عين، فيفقد العالم أعظم علمائه وأدبائه وأبطال السلام فيه!!
وأبطال الرياضة أصحاب الكؤوس الذهبية والميداليات، والمتفوقون في الفن والموسيقي، وملكات الجمال في العالم... أليس لهؤلاء أيضًا حاسدون، ولهم أو لأصحابهم عيون.
والذين ينجحون في الانتخابات، ويتولون المناصب والرياسات، على كل المستويات، وفي كل البلاد، أليس لهم أيضًا حاسدون؟!!
وأوائل الطلبة في الكليات والجامعات، وأوائل الثانوية العامة، وقد يكون الأول متفوقًا بنصف درجة فقط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكل الذين يعينون في مناصب مرموقة جدًا، أليس لهم أيضًا حاسدون؟ هل تصيب كل هؤلاء ضربة عين فيسقطون؟!
أم أننا لا نكون آمنين إلا من حسد العميان أو ضعاف البصر، الذين ليست لهم عيون تفلق الحجر؟!!
إنني لست أوافق مطلقًا على ضربة العين، ولا أرى الحسد إلا مشاعر خاطئة، قد تعبر عن ذاتها بمؤامرات تحوكها حول المحسودين، ربما تضرهم أو لا تضرهم.
والسيد المسيح حينما أخفي لاهوته عن الشيطان، لم يكن ذلك خوفًا من حسد الشيطان، حاشا. بل لئلا يعطل الشيطان قضية الفداء، أو قيل (لأنهم لو عرفوا، لما صلبوا المجد) (1كو2: 8).
كذلك القديسون لم يخفوا فضائلهم خوفًا من حسد الشياطين، وإنما تواضعًا. فالشيطان كان يعرف فضائلهم.
بلا شك كان الشيطان يعرف أن القديسة مارينا امرأة، لا يمكن أن تنجب من امرأة أخرى ابنًا!! إنما هذه القديسة صبرت على العار تواضعًا منها. وإن كان هناك مجال لحسد الشيطان، فهو أن يحسدها على تواضعها، الأمر الذي ما كان ممكنًا أن تخفيه عنه.
وبالمثل القديس أبا مقار الكبير، كان الشيطان يعرف تمامًا أنه لم يخطئ إلى تلك الفتاة. فالشيطان هو الذي أغراها على الزنى مع الشاب. وهو الذي أوعز إليها أن تلصق التهمة بالقديس مقاريوس الذي قيل ذلك تواضعًا منه. وليس دخل بحسد الشياطين.
القديسون كانوا يحفظون فضائلهم من مديح الناس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/devils.html
تقصير الرابط:
tak.la/x5d4jw2