يحدث عند البعض أحيانًا، أنهم يبرئون كل أحد -مهما كان مخطئًا- حتى لا يقعوا في خطية الإدانة. وأمثال هؤلاء، عليهم ان يسمعوا قول الكتاب:
"مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ" (أم 17: 15). ذلك لأن كليهما بعيد عن الحق، ويتكلم بالباطل. ونلاحظ هنا انه وضع عبارة (مبرئ المذنب) أولًا.
فلا تظن انك تكون ذا قلب شفوق إن كنت تبرئ المذنب. فالمذنب هو ذنب. والخطأ هو خطأ. قد تدافع عن المذنب من حيث أنه فعل الذنب عن جهل، أو عن ضعف، أو عن خوف، أو بسبب ظروف ضاغطة فتحفف بهذا من ذنبه. ولكن لا تستطيع ان تبرئه، أو تدعي أنه لم يخطي...!
بل يحدث أحيانًا أن مبرئ المذنب يثير السامعين.
ويجعلهم يدينونه هو في دفاعه عن الباطل، ويدينون المذنب بأكثر شده حتى يوازنوا مع ما قيل في تبرئة بعكس المقصود منها.
كما أن تبرئة المذنب تساعد على الاستهتار.
سواء من جهة هذا المذنب، الذي لا يشعر بتأنيب الضمير نسبب محاولة تبرئته، فيستمر في أخطائه أو من جهة استهتار من يقلدونه، شاعرين أنهم سيجدون من يعمل على تبرئتهم.
وقد سُئِلَ القديس باسيليوس الكبير هذا السؤال.
ما هي دينونة الذين يحامون عن الخطي ويدافعون عنه؟
قال أظن انها دينونة ثقيلة، أكثر من دينونه الذي يعثر غيره، كما وردت في الإنجيل (متى 5: 29، 30).
لأن الذي يدافع عن المخطئ، يمنع المخطئ من أن يتوب.
ويجعله بهذا يستمر في خطيته، ويعلم غيره شرّه.
وهذا حق، لأنه إن كان هذا الذي يدافع يقول: ماذا فعل (فلان)؟ لا يوجد خطأ في كل ما فعله... فهو بهذا الكلام يشجع غيره أن يفعل مثله ما دام الفعل غير مدان.
هنا ويواجهنا سؤال لا بُد من الإجابة عليه، وهو:
لماذا إذن ينصحنا القديسون أن ندافع عن المخطئين؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نعرف تمامًا ما هي نوعيه الدفاع؟ ليس معني الدفاع أن نقلب الموازين الروحية، ونقول عن الخطأ إنه صواب. كلا بلا شك. فقد قال الكتاب: ويل لمن يقول عن المر أنه حلو (أش 5: 20)
وإنما الدفاع هنا ينصب على الظروف المحيطة، وليس على كنه العمل ذاته.
كأن ندافع بسبب أن الحرب كانت ثقيلة عليهم، مع ضعف الطبيعة البشرية. كما نقول في أوشية الراقدين "إذ لبسوا جسدًا، وسكنوا في هذا العالم"، وإنه "ليس أحد بلا خطية، وإن كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض" أو نعتذر عنهم بمكر الشيطان المحارب وخديعته وكثرة حيلة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أو ندافع بأنهم فعلوا ذلك جهلًا...
كما قال السيد المسيح عن صالبيه "لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). وقال القديس بولس الرسول "لأنهم لو عرفوا، لَمَا صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 8).
أو نقول إنه كان في حالة إثارة، بحيث لم يستطيع أن يملك نفسه، أو كان واقعًا تحت إغراء أو ضغوط أو عثرة...
ولكن لا يمكننا أن ننفي الخطأ، أو ندعي أنه ليس خطأ. بل يتحدث فقط عن الظروف المحيطة. تمامًا كالمحامي الذي لا ينفي التهمة، أو الركن المادي منها، ويتحدث فقط عن الركن الأدبي أو الحالة النفسية أو العقلية للمتهم.
ولا يكون القصد سوى التخفيف من وقع الخطأ بدافع الرحمة، وليس إنكار وجود الخطأ، كأن يقول إنسان مثلًا "كلنا تحت الزلل" أو "كلنا معرضون للخطأ". أو كما دافع بعضهم عن خطأ نسب إلى شخص كبير ة، فقال: هذه هي الطبيعة البشرية. والكتاب يحكي عن نبي عظيم جدًا مثل إيليا فيقول:
"إيليا كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا" (يع 5: 17).
مع أنه صَلَّى صلاة أن لا تمطر السماء ثلاث سنين وسته أشهر فلم تمطر، ثم صلي بعدها فأعطت السماء مطرًا (يع 5: 17، 18).
ويقع في محاولة تبرئة المذنب من يتملق الكبار!
محاولًا أن يبرئ أخطاءهم مهما كانت جسيمة، بأسلوب بعيد عن الحق. وبسبب هذا التملق، يسقط كثير من الكبار في أخطاء ويستمرون فيها، ولا تبكتهم ضمائرهم، ببل قد يفتخرون بما وقعوا فيه من أخطاء!! ويدفعهم من يبرئهم إلى العزة بالأثم وإلى سياسات خاطئة، ويشترك معهم في أعمالهم الشريرة.
إن كان الذين يصمتون على الخطأ، ولا يخرجون الخبيث من وسطهم، يدانون كما دان بولس الرسول أهل كورنثوس. فماذا نقول إذن عن الذين يحامون عن الخطأ ويدافعون عنه ويبررونه؟ لا شك أن هؤلاء دينونتهم أعظم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/judge-not-others/acquits-the-guilty.html
تقصير الرابط:
tak.la/bgbnv3x