القديسون لإيمانهم بأن الله يعطي دون أن نطلب، كانوا يخجلون أن يطلبوا شيئًا. طلبتهم الوحيدة كانت هي الله نفسه...
ولهذا يقول داود النبي في صلاته: "طلبت وجهك، ولوجهك يا رب التمس. لا تحجب وجهك عني" (مز 26)(1). ويقول في نفس المزمور "واحدة طلبت من الرب وإياها التمس، أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر نعيم الرب وأتفرس في هيكله" (مز 26). أما باقي الأمور فهي بسيطة يقضيها لنا الرب دون أن نطلب أليس هذا هو ما قاله لنا السيد الرب:
"اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره. وهذه كلها تُزاد لكم" (متى 6: 33).
لم يقل: "وهذه تطلبوها بعد ذلك "وإنما قال: هذه تزاد لكم. أي يعطيها الله لكم دون أن تطلبوا.
ولهذا أيضًا كانت كل طلبتنا في الصلاة الربية، هي صلوات روحية تتعلق بملكوت الله وبره. والباقي يزاد لنا من الله دون أن نطلب. هو يعلم أننا نحتاج إلى هذه كلها، فيعطيها لنا من عنده كأب شفوق يعرف احتياجات أولاده، دون أن يجشمهم الإلحاح عليه في طلبها...
ومع ذلك، أعطى الله الضعفاء أن يطلبوا ما يشاءون...
اطلبوا تجدوا (متى 7: 7) فتفرح قلوبكم بالله الذي يعطي، ويُزداد إيمانكم به. وكلما تعمق إيمانكم في أن الله يعطي كل شيء، حينئذ سوف لا تطلبون سوى الله وحده، وملكوته وبره... "أطلبوا تأخذوا، لكي يكون فرحكم كاملًا" (يو 16: 24). وكل طلبه يسمعها الله منكم يتقبلها بحنو، كما من أفواه أطفاله الصغار.
عجيب هو إلهنا الحنون، المعطي، والمستجيب لطلبه أولاده.
أن الذي يؤمن بالله وعطائه، ينام في حضن الله ويستريح...
ويكون واثقًا أن الله يدبر له كل شيء... كما كان بطرس نائمًا في السجن مطمئنًا إلى عمل الله من أجله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكان نومه ثقيلًا لدرجه أن الملاك الذي أنقذه، لكزه أولًا وأيقظه (أع 12: 7) بينما كان هيرودس مزمعًا أن يقتله (أع 12: 4). ومع ذلك نام، واثقًا أن الله مستيقظ وساهر على خلاصه. ولهذا أيضًا نسمع داود النبي يقول في المزمور:
"الرب يرعاني، فلا يعوزني شيء" (مز 23: 1).
وما دام لا عوزه شيء، إذن فهو لا يطلب، لأن الله لم يتركه معوزًا شيئًا يطلبه ولهذا نقول نحن أيضًا في القداس الغريغوري: "لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك".
فإن قال لك الله ماذا تطلب، أتراك تجيب قائلًا:
وهل تركت لي شيئًا أطلبه؟! إنني لو قضيت عمري كله شاكرًا، فلن يكفي. لذلك أن رأيتني يا رب احتاج شيئًا، أعطني إياه.
إنك أغرقتني بعطاياك، وأعطيتني فوق ما أطلب. ولم تدعني معوزًا شيئًا... كما إنك أدري بما ينقصني، إن كان هناك شيء ينقصني.
عملي الوحيد هو أن أشكر وان أسبحك على كرمك، لا أن أطلب...
ولعل البعض يسأل: ماذا إذن عن الضيقات؟ نقول:
إن أولاد المؤمنين برعايته وعطاياه، لا ينزعجون ولا يقلقون. ويرون أنه ما دام الأمر في يد الله، فهذا يكفي...
هذا يكفي لاطمئنانهم وسلامهم. لأنه لا يوجد أحب من الله لهم، ولا يوجد من هو أكثر عناية منه بهم. ما دام الله قد تسلم كل أمورهم، لم يعد لهم شيء يقولونه أو طلب يطلبونه.
يكفي للإنسان أن يطلب محبة الله، لأنه يريد قلوبنا.
هو لا يرغمنا على محبته. يريدنا أن نحبه برضانا. وأن أحوجتنا المحبة نطلبها منه. وهو يسكبها في قلوبنا بالروح القدس. إنه لا يرهبنا بلاهوته، بل يجذبنا بمحبتها ويريدنا أن نبادله حبًا بحب، لذلك يقول: "يا أبني أعطني قلبك" (أم 23).
والذي تملك محبة الله على قلبه، لا يشتهي في العالم شيئًا ليطلبه.
بل هو يقول للرب: "معك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز 23: 25) ويقول مع القديس بولس الرسول: "خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح وأوجد فيه" (في 3: 8، 9).
هذا هو طلبك الوحيد: الله ومحبته وملكوته وبره، وكفَى.
وكل الأمور الأخرى، يمتلئ قلبك بالرجاء أن الله سيحلها دون أن تطلب. هو يعلم ما تحتاجه، له المجد في محبته ورعايته.
_____
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/hope/faith.html
تقصير الرابط:
tak.la/fn5499q