ملاحظات
الإنسان الهارب من الله هو إنسان لم يعرف الله، لم يذق حلاوته، ولم يجرب عشرته.
الهارب من الله هو إما إنسان جاهل بالله، أو خائف منه. إنسان لم تربطه بالله علاقات الحب، بل هو بعيد عن الخبرات الروحية.
الإنسان الذي ذاق الله، لا يمكنه أن يهرب منه، قد يبتعد إلى حين، ولكن لا يمكنه الاستغناء عنه. الله بالنسبة إليه أكثر من الدم الذي يجري في عروقه، وأكثر من الهواء الذي يتمشَّى في رئتيه. هو ألزم إليه من ذاته.
الإنسان الذي جرب الله وحلاوته، يقول كما قالت عذراء النشيد "أمسكته ولم أرخه". يسعى وراء الله ويبحث عنه، يريد أن يوجد فيه، ويحيا فيه، ويثبت فيه. يصير الله بالنسبة إليه هو الكل في الكل وليس سواه.
الإنسان الذي ذاق عشرة الله ولو إلى لحظة، تظل هذه المذاقة في قلبه وفي فكره مدى الحياة.
مهما بعد يتمنى أن يرجع إليه. وإن فترت محبته يشتاق أن تلتهب من جديد.
الذين قابلهم المسيح على الأرض تركت فيهم المقابلة تأثيرًا خاصًا، حتى المقاومين منهم، فيهوذا الإسخريوطي -لأنه عاشر الرب فترة- لما خان المسيح، تعذب كثيرًا، وأرجع المال قائلًا: أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا - وبلغ من تألم ضميره أنه مضى وشنق نفسه... (مت3:27-5).
"الذي عاش مع المسيح، يعتبر أن المسيح هو سر حياته كلها. يقول: لي الحياة هي المسيح..."
أي أنني إذا بعدت عن المسيح، بعدت عن الحياة. حياتي فيه. أنا أحيا به، وأحيا معه، وأحيا فيه... "به نحيا ونوجد ونتحرك" كما قال بولس الرسول (أع8:17).
قال السيد المسيح "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو1:15). والأغصان ثابتة في الكرمة، كذلك نحن في المسيح. عصارة الكرمة تتمشى في كل غصن، وفي كل ما يحمله الغصن، في كل ثمرة وفي كل زهرة، وفي كل ورقة... والغصن إذا لم تتمش فيه عصارة الكرمة يجف ويموت... هكذا الإنسان بالنسبة إلى المسيح. المسيح يوجد في حياة الإنسان كلها، يتخلل قلبه وفكره وحواسه وعواطفه، يملؤه كله.
الذي عاش مع الله، وجرب عمل روح الله فيه، يحب باستمرار أن يمتلئ من روح الله... يحب أن روح الله يملأ القلب، ويملأ الفكر، ويملأ حياته كلها.
روح الله يعمل فيه كل العمل، حتى أن تكلم ينطق روح الله على فمه...
لذلك فالهاربون من الله، لم يذوقوا الله المذاقة الحقيقية، ولم يختبروا حلاوة العشرة معه، ولم يختبروا سكنى روح الله وعمله فيهم... ولهذا ينصحهم المرتل: قائلًا ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب... (مز8:34). جربوا عشرته.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لا تنظروا إلى الله على اعتبار أنه هو القوة المانعة، التي تمنعكم من تنفيذ أغراضكم. الذي يقول لكم لا... لا... لا تقتل... لا تسرق... لا تزن... لا تشهد بالزور... لا تشته مال قريبك...
كلا، بل الله هو القوة المانحة، الذي منحك الوجود والمواهب...
ثم منحك كل شيء. وهو الذي منحك الوصية التي تقول "لا"... لكي يحميك من نفسك ومن شهواتك، ومن الفساد والضياع...
ينبغي أن يكون الله بالنسبة إليك هو الصديق والرفيق والحبيب، والسند، والمعين والحافظ والراعي، لا تنظر إليه كمجرد سلطة تصدر أوامر، وإنما كقلب كبير يفيض حبًا، وأوامره من فيض حبه.
لا تهرب من الله، وإن هربت، فإلى أين تهرب؟! لا بُد أن الله سَيُتَابِعَك.
كلمة الله ستجري وراءك في كل موضع... وصية الله سترن في أذنيك مهما هربت... حاول إذن أن تلتقي بالله. وإن هربت ارجع إليه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/notes.html
تقصير الرابط:
tak.la/qw7r836