الأعياد هي ترتيب إلهي، في كتابه المقدس.
يريد الله أن يفرّح أولاده على الأرض. فجعل لهم أعيادًا يفرحون فيها ويبتهجون. وتكون لهم في مواسم يحتفلون بها. لئلا يظن البعض أن الدين هو مجرد ضبط للنفس وحزن وكآبة وبكاء على الخطايا. فالله يريد للإنسان أن يفرح وأن يكون سعيدًا. وإلا ما كان قد وضعه في جنة حينما خلقه (تك 2: 15).
وأول قائمة للأعياد، وردت في سفر اللاويين (لا 23).
وأول عيد أمر به الله، كان هو يوم الرب.
وهكذا ورد في اللوح الأول للشريعة "اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل، وتصنع جميع عملك. وأما اليوم السابع، ففيه سبتٌ للرب إلهك. لا تصنع عملًا ما، أنت وابنك وابنتك، وعبدك وأمتك وبهيمتك، ونزيلك الذي داخل أبوابك" (خر 20: 8-10)، "لكي يستريح عبدك مثلك. واذكر أنك كنت عبدًا في أرض مصر..." (تث 5: 14-15).
وكان يوم السبت هو أول الأعياد في قائمة سفر اللاويين:
إذ يقول فيها الرب: "هذه هي مواسمي: ستة أيام يُعمل عمل. وأما اليوم السابع، ففيه سبت، عطلة محفل مقدس. عملًا ما لا تعملوا. إنه سبت للرب في جميع مساكنكم" (لا 23: 2-3).
ولم يكن السبت مجرد فرض، وإنما راحة للإنسان وعيد، كما قال السيد الرب:
"السبت قد جُعِلَ لأجل الإنسان. وليس الإنسان لأجل السبت" (مر 2: 27).
فلماذا؟ قال أحد المفسرين إن الله الذي خلق الطبيعة البشرية، يعرف أن هذه الطبيعة تحتاج إلى يوم راحة في الأسبوع. فمنحها السبت راحة لها... عيدًا تفرح فيه... والذين ينهكون أنفسهم بعمل متواصل طوال الأسابيع، إنما يُحَمِّلون طبيعتهم ما لا تحتمل...
وقد اسْتُبْدِلَ السبت بالأحد، فأصبح الأحد عيدًا.
لأن فيه استراح الرب من إكمال عمله بالفداء، والقضاء على الموت الذي هو نتيجة خطية الإنسان (رو 6: 23). فكان السبت يرمز إلى يوم الأحد. أو أصبح الأحد هو السبت الحقيقي، هو يوم الرب كما يسمونه في اليونانية Κυριακή (كيرياكي) أي الخاص بالرب... وهكذا قال الرسول "لا يحكم عليكم أحد... من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة" (كو 2: 16-17). إذن السبت كان ظلًّا ورمزًا للأحد...
![]() |
على أن أول عيد احتفلوا به في العهد القديم كان عيد الفصح:
الذي ذبحوا فيه خروف الفصح. ولطخوا أبوابهم بدمه لكي ينجوا من الملاك المُهْلِك، كما قال لهم الرب "فأرى الدم وأعبر عنكم" (خر 12: 13). "فيكون لكم هذا ا لليوم تِذكارًا، فتعيدونه عيدًا للرب. في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية" (خر 12: 14). وذُكِرَ في الإنجيل أن الفصح عيد لليهود (يو 6: 4).
وكان الفصح رمزًا لذبيحة المسيح، لننجو به من الهلاك.
وهكذا يقول الكتاب "لأن فصحنا أيضًا المسيح ذُبح لأجلنا" (1 كو5: 7). فما هو شعورنا في اليوم الذي قدَّم فيه السيد نفسه ذبيحة عنا "لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). ألا يكون يوم فرح، يوم عيد، يوم خلاص...
لذلك نحن نقول في صلاة الساعة السادسة "صنعت خلاصًا في وسط الأرض كلها أيها المسيح إلهنا، لما بسطت يديك على عود الصليب".
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويرمز الفصح إلى سر الإفخارستيا.
الذي نقول عنه "يُعْطَى عنَّا خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لكل مَن يتناول منه". إذن كلما نحتفل بسرّ الإفخارستيا، نعتبره عيدًا للخلاص. لذلك نقول فيه "هذا اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنبتهج فيه"...
ولذلك اعْتُبِرَ يوم خميس العهد عيدًا سيديًّا.
نحتفل به مع أنه يوم صوم، ضمن أسبوع الآلام! ذلك لأن أعيادنا أعيادًا روحية، لو كانت في يوم صوم. نفرح فيه بالخلاص الممنوح لنا من الرب...
ونقول للرب في اليوم الذي قدم فيه نفسه ذبيحة عنا: "قوتي وتسبحتي هو الرب. وقد صار لي خلاصًا مقدسًا" (مز 118: 14).
إذن يوم الأحد هو عيد للراحة (بدلًا من السبت). هو عيد للقيامة، للإنتصار على الموت، وهو عيد للخلاص (بسر الإفخارستيا الذي نقيمه فيه).
أتُرَى هذه المعاني كلها تجول في أذهاننا، ونحن نحتفل بسر الأفخارستيا في قداس كل أحد؟ أم أنها تتوه عنَّا وسط انشغالنا بالألحان والطقوس؟ دون أن نربط بين عيد الفصح، ويوم خميس العهد، ويوم الجمعة الكبيرة، ويوم الأحد، ويوم سرّ الإفخارستيا بوجه عام... مع يوم آخر وعيد آخر نذكره الآن.
هو عيد الفطير الذي كان يرتبط بعيد الفصح من أول احتفال بإقامته.
كما قال الرب: "سبعة أيام تأكلون فطيرًا. من اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم. فإن كل مَن أكل خميرًا من اليوم الأول إلى اليوم السابع، تُقْطَع تلك النفس من إسرائيل" (خر 12: 15). فما السرّ في هذا؟
كان الخمير يرمز إلى الشر، والفطير يرمز إلى البر.
والبر يرتبط بالأكل من خروف الفصح الذي يرمز إلى الفداء. وهكذا قيل عن الفصح "تأكلون اللحم تلك الليلة، مشويًّا بالنار مع فطير" (خر 12: 8). أما عن تطبيق هذا في العهد الجديد، فيقول الرسول: "نقوا منكم الخميرة العتيقة... لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا. إذن لِنُعَيِّد، ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (1 كو 5: 7-8).
إذن التناول من الفصح، ومن سر الإفخارستيا، يرتبط بالقداسة والبر. ورقم 7 الخاص بأيام عيد الفطير يرمز إلى الكمال، كمال الحياة كلها.
فلا يَقُل أحد إذن: إني قد خَلُصْتَ لأني داخل الأبواب المرشوشة بالدم. وليس هذا بسبب أعمالي، وإنما بسبب الدم المرشوش، الذي يراه السيف المُهْلِك، أي العدل الإلهي، فيعبر عني... هذا حق...
ولكن تذكر أنه داخل الأبواب المرشوشة بالدم، كان أُناس قد عزلوا الخمير من بيوتهم، أي عزلوا كل شر...
وكل مَن أكل مُختمرًا، كانت تُقْطَع تلك النفس من جماعة الشعب، مهما كانت الأبواب مرشوشة بالدم، إن الخلاص بالدم يرتبط أيضًا بالحياة التي تخلو من الخمير، التي ترمز إليها سبعة أيام، أي كل أيام الحياة، تأكل خلالها فطيرًا أي تَتَغَذَّى بالبر.
لذلك يعجبني صموئيل النبي، لما دعا بيت يسَّى إلى الذبيحة، قال لهم:
"تقدَّسُوا، وتعالوا معي إلى الذبيحة" (1 صم 16: 5).
"وقدَّس يسى وبنيه، ودعاهم إلى الذبيحة". وهنا يرتبط التناول من الذبيحة بالقداسة، لكي يكون الإنسان مستحقًا للتناول.
الأعياد -لذلك- كانت تُقَدَّم فيها ذبائح. وكانت لها محافِل.
وكانت الأعياد أيامًا مقدسة (لا 23).
ليست أيامًا للهو والطرب والفرح، بل محافل مقدسة (لا 23: 2، 4، 8). حقًا كانت أيام عطلة، لا عمل فيها. ولكنها أيام مقدسة. وحسنة هي الترجمة الإنجليزية Holy Day أي يوم مقدس، التي -للأسف الشديد- استبدلها البعض بعبارة Week End أي نهاية الأسبوع. ونسوا قداسة اليوم. وأصبحت مجرد عطلة، ربما بعيدة عن الله...!
العطلة ليست عُطلة مطلقة. إنما نتعطَّل عن الأعمال العالمية، لكي ننشغل بعمل الله، لكي تنشغل الروح بعملها.
وهذه هي المشكلة التي قامت بين الرب والفريسيين، وأقنعهم بأمثلة كثيرة أنه "يَحِلُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي السُّبُوتِ" (مت 12: 10-12).
فالمحافل المقدسة هي عمل، وتقديم الذبائح والمحرقات عمل أيضًا... وكذلك تقديم البخور. وأيضًا سر الإفخارستيا والتناول منه...
إذن يوم الأحد، بالإضافة إلى كونه عيدًا للراحة، وللقيامة أي الانتصار على الموت هو عيد للخلاص، وأيضًا للقداسة التي يرمز إليها الفطير المرتبط بالفصح... ليتنا نذكر هذا كله.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
في العهد القديم، كان هناك عِيدُ الْمَظَالِّ (لا 23: 34؛ يو 7: 2).
وهو سبعة أيام للرب. كان يسكن فيها الشعب في خيام (مظال). "في مظال تسكنون سبعة أيام" (لا 23: 42)... ولكن بالأكثر لكي يذكروا غربتهم على الأرض. فالغريب يسكن في خيام، يخلعها ويقيمها من مكان إلى آخر. أما المستقر فيسكن في بيت. وهكذا قيل عن أبينا إبراهيم إنه عاش مُتَغَرِّبًا "ساكنًا في خيام، مع إسحق ويعقوب..." (عب 11: 9). وقيل نفس الكلام عن كل الأبرار الذين "أقروا بأنهم غرباء ونُزَلَاء على الأرض... يبتغون وطنًا أفضل أي سماويًّا" (عب 11: 13، 16).
الاحتفال الظاهري هو السُّكْنَى في خيام. أما الداخلي في القلب، فهو الإيمان العميق بالغربة على الأرض، والاشتياق إلى الوطن السمائي.
وهكذا في كل أعيادنا ينبغي أن تكون لنا النظرة الروحية العميقة.
كان عند اليهود عيدًا آخر هو عيد الحصاد (خر23: 16).
وكان يحسبون من أول حزمة حصيد (لا 23: 10) سبعة أسابيع كاملة إلى غد السبت السابع خمسين يومًا، ثم يقربون تقدمة للرب (لا 23: 15-16).
ونحن نسمي هذا العيد في المسيحية "يوم الخمسين"، "عيد البندكستي".
عيد تأسيس الكنيسة الذي كان فيه الحصاد الحقيقي الذي بدأه "باكورة الراقدين" في يوم القيامة (1 كو 15: 20). ونفرح بهذا الحصاد العظيم الذي صارَت به الأرض للرب ومسيحه. "في كل يوم يضم الرب إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2: 47). وفي نفس الوقت ننصت إلى قول الرب "الحصاد كثير، ولكن الفعلة قليلون. فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (مت 9: 38). نعم يا رب أرسِل الفعلة. لأنه هوذا "الحقول قد أبيَضَّت للحصاد... لكي يفرح الزارع والحاصد معًا" (يو 4: 35-36).
نعم يا رب، إنك قد أرسلتنا لنحصد ما لم نتعب فيه. آخرون تعبوا ونحن قد دخلنا على تعبهم (يو 4: 38).
لقد تعب آباؤنا الرسل في غَرْس بذور الإيمان، ورواها غيرهم بعرقهم ودموعهم، وكنت أنت الذي تُنْمِي (1 كو 3: 7). ثم إذا بالشهداء يروون هذه الغروس بدمائهم. وأتى أبطال الإيمان لينزعوا الأشواك التي ألقاها الهراطقة. واستمر العمل المقدس، نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (1 كو 10: 11). لنحصد ثِمار الإيمان الذي لم نتعب فيه...
لنفرح إذن بعيد الحصاد، كلما انضم إلى الكنيسة غرس جديد.
ونصلي -كلما نمت الكنيسة وانتشرت- أن يرسل الرب فعلة لحصاده. حقًا إن الحصاد حصاده، والحقول حقوله، ولكننا فَعَلَة فيها. نعمل مع الله. كما قال بولس الرسول -لأهل كورنثوس- عن نفسه وزميله أبلوس: نحن عاملان مع الله، وأنتم فِلاحة الله..." (1 كو 3: 9)، "وكل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1 كو 3: 8).
إن كنا ننظر إلى أعياد العهد القديم، بهذا المفهوم الروحي، فلنأخذ أعياد العهد الجديد أيضًا في عُمق معانيها.
ننظر مثلًا إلى عيد الميلاد، بأنه العيد الذي أتَى فيه الله ليفتقد شعبه (لو 1: 68)، وليصالح الأرضيين مع السمائيين، ولكي يبارك طبيعتنا فيه، كما نصلي في القداس الإلهي فنفرح بمجيء الرب إلينا، هذا الذي لم نقدر نحن أن نصعد إليه، فنزل هو إلينا.
فيكون عيد الميلاد، هو عيد الحب الإلهي، الذي فيه يفتقد الرب شعبه.
ويكون عيد الغطاس هو عيد التواضع الإلهي.
الذي فيه تَقَدَّم الكاهن الأعظم، الذي على رتبة ملكي صادق، لينال من أحد خدامه من بني هارون، معمودية التوبة التي لم يكن هو مُحتاجًا إليها، بل بكل تواضع قال ليوحنا المعمدان: "اسمح الآن، لكي نكمل كل بر" (مت 3: 15).
وليكن عيد القيامة هو عيد النصرة على الموت، وعلى كل ما يؤدي إلى الموت.
ولا يمكن أن ننتصر على الموت، إلا بالانتصار على الخطية، لأن أجرة الخطية موت (رو 6: 23).
ولكل عيد دلالاته وتأملاته، التي ليس الآن مجال للحديث عن تفاصيلها جميعًا. إنما المهم أن نتأمل كل عيد بعُمْق، ونسأل أنفسنا:
ماذا غرسته فينا من مشاعر؟ وما أحدثته فينا من تغيير إلى أفضل؟ وكيف تربطنا بالله بالأكثر؟ وكيف تعطينا فهمًا جديدًا في معرفة هدف العيد والدخول إلى أعماقه.
أقول هذا، وأنا أهنئكم بكل عيد...
كونوا فيه بخير... فرحين بالرب (في 4: 4).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/10-feasts/feasts.html
تقصير الرابط:
tak.la/7mm5fnp