3- لا بد مِن التجارب في الحياة:
"لما صار المساء كانت السفينة
وسط البحر وهو على البر وحده"
عن أن تمسها يد الشرير، فطالما هو يعيش في خوف الله ويُراعى ضميره في كُل تصرفاته فإنه يكون في أمان وراحة. مع أنْ العكس تمامًا هو الصحيح، لأن بولس الرسول قال: "كُل الذين يُريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون" (2تى3: 12).
فالمؤمن سائح يعيش الأبدية مِن الآن، ويُجدف في بحر الحياة حتى يحتفظ بها، ولذلك تعترضه ريح مُضادة، تشتًد أحيانًا وتهدأ أحيانًا أُخرى:
أ- فعدو الخير: لا يرتاح لمنْ يُعطى المجد لله في حياته، فهو يجول بنشاط وطُرق شتى لكي يُسقط هذا الإنسان ويضمُه إلى مملكته. فقد بدأ في القديم بحسد الإنسان حينما رأى محبة الله له، فاستخدم الحيلة والخداع مع آدم وحواء لكي يُسقطهم مِن كرامتهم، ونجح في ذلك، وصارت عداوة بين الإنسان ومملكة الظُلمة، كما قال الله للحية في القديم: "أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تك3: 15).
حتى أن عدو الخير لم يترك السيد المسيح نفسه، بل حاربه بشدة ولكنه لم يقدر عليه، وبعد أن غلبه السيد المسيح في التجربة على الجبل، يقول الكتاب: "أنه فارقه إلى حين" (لو4: 13)، أي أنه كان يعود ليُهاجمه ويُحاربه بطُرق مُتعددة -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- كأن يُهيج عليه الشعب، أو يجعلهم يطلبونه ليكون ملكًا عليه حتى ينسى موضوع الفداء والصليب، أو يجعل مدينة ترفض أن تستقبله حتى يكُف عن كرازته.... وظل يُزيد عليه الهجمات حتى على الصليب. وقصة أيوب البار تُبين حسد الشيطان له: "فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي أيوب لأن ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومُستقيم يتقى الله ويحيد عنْ الشر" (أى1: 8).
لذلك تُعلمنا الكنيسة أن نُصلى كُل يوم في صلاة الشكر قائلين: [كُل حسد وكُل تجربة وكُل فعل الشيطان ومؤامرات الناس الأشرار انزعها عنا وعن سائر شعبك].
ويُرشدنا بطرس الرسول إلى ضرورة السهر ومداومة الصلاة حتى نغلب عدو الخير، فيقول: "إن عدوكم يجول كأسد زائر يجول مُلتمسًا منْ يبتلعه. فاصحوا للصلوات" (1بط5: 8).
ويُشجعنا يعقوب الرسول قائلًا: "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 1).
ونحن مطمئنون أننا لسنا وحدنا في حروبنا ضد الشيطان، فالله أعطانا سُلطانًا أن ندوس على الحيات والعقارب وكُل قوة العدو، وأن أسلحة مُحاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون" (2كو10: 4).
ب- وأحيانًا أجد التجربة تأتيني مِن ذاتي، مِن ضعفي وعنادي وكبريائي، فقد قال يعقوب الرسول: "كُل واحد يُجرًب إذا انجذب وانخدع مِن شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية. والخطية إذا كمُلت تُنتج موتًا" (يع1: 14).
فالرغبة الجامحة في تحقيق ملذات الجسد بطريقة غير مُنضبطة تدفع النفس لعمل الشر، فتجلب على النفس التجربة (شهوة مال - جوع للكرامة - طموح أكبر مِن الإمكانيات - تلذُذ بأحاديث مُثيرة - فحص خصوصيات الغير بجرأة - التهاون في تقبُل المشاعر والملاطفات بدون فحص....).
وأيضًا الطباع التي نشأت عليها، ولا أريد أن أُغيرها تجلب علىً التجارب، مثل: الإهمال - الاستهتار - الكسل - اللامبالاة - عدم الإحساس بالغير - الكبرياء - الأنانية..... لذلك يُوصينا بطرس الرسول قائلًا: "لا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو مُتداخل في أمور غيره. ولكن إن كان يتألم كمسيحي فلا يخجل بل يُمجًد الله" (1بط4: 15، 16).
لذلك يجب أن يسهر الإنسان على نفسه ويفحصها حتى لا يترك شهواته تجمح في داخله، يُحاسب نفسه مِن وقت لآخر، بل يُصلى دائمًا ويقول مع داود النبي: "اختبرني يا الله واعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري. وأُنظر إن كان في طريق باطل. واهدني طريقًا أبديًا" (مز139: 23، 24).
ج- وأحيانًا أجد التجربة تأتيني مِن الناس الأشرار، فمنهم منْ يحسد شخص على نجاحه ويُحاول تحطيمه، ومنهم منْ هو مُتقد بالشهوة فيجلب العثرات، ومنهم منْ يُصادق مِن أجل المنفعة، ومنهم منْ يتلذذ بالكذب والخيانة وخداع الغير وظُلمهم.... كُل هذه الأمور عانى منها وأدركها آباء الكنيسة، فعلمونا أن نُصلى كُل يوم في صلاة الشُكر قائلين: [مؤامرات الناس الأشرار وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين انزعها عنًا وعنْ سائر شعبك وعنْ موضعك المُقدس هذا].
فنحن لا نخاف مِن مؤامرات الناس الأشرار وخيانتهم، بل بالأولى نثق في أمانة الله التي تجعل: "كُل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يُحبون الله" (رو8: 28). ونؤمن أنه إن استسلمنا لله ضابط الكُل فإن كُل هذه الأمور سوف تؤول لخلاصنا وبُنياننا.
وقد ذكر لنا بولس الرسول أسلحة الروح التي يجب أن نتمسك بها في جهادنا فقال:
* "اثبتوا مُمنطقين أحقاؤكم بالحق" (أف6: 10- 18)، الحق هو المسيح، والثبات فيه يكون بالمواظبة على التناول مِن الجسد والدم المُقدًسين.
* لابسين درع البر، أي نُحصن أنفسنا بالعمل الصالح تجاه كُل الناس، حتى يُدركنا الرب في أوقات تعبنا.
* حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام، أي نكون صانعي سلام بين الناس.
* حاملين فوق الكُل تُرس الإيمان، لأنه بدون إيمان بقوة الله لا نقدر أن نغلب أصغر الأعداء.
* لابسين خوذة الخلاص، أي لا ننسى أننا محميين في دم المسيح الذي سترنا وخلًصنا، وأعاد الصُلح بيننا وبين الآب.
* سيف الروح، الذي هو كلمة الله، نحفظها وندرسها فهي التي وتمنحنا اطمئنان، وتُعرفنا كمْ يعتني الله بنا.
* مُصلين بكُل صلاة وطلبة كُل وقت، فحينما نعرض أمورنا أمام الله، تتبدًد كُل مخاوفنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pauline-todary/god-life/trials.html
تقصير الرابط:
tak.la/kg3kw4g