مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب سر القربان المقدس - أ. إسكندر حنا

16- بركات سر الإفخارستيا المقدس: قوت للنفس، حياة أبدية، الثبات في المسيح

 

بركات سر الإفخارستيا المقدس

إلى هنا وأقول أن معاهدة الصلح التي تُعْقَد بين أمة وأمة وشخص وشخص لإثبات الصلح والسلام، عادة تحوي عطایا وواجبات على الطرفين، فَيُراعَى فيها صالِح كل من الطرفين المتعاقدين ومنفعته، وبذلك تكون المعاهدة للصلح والسلام. وفي هذا العهد الإلهي نرى الله قد أعطى الإنسان عطايا، وفرض عليه واجبات. فالإنسان يعطي ويأخذ، والله يعطي ويأخذ. فيأخذ الإنسان جسد ودم يسوع المسيح الاقدسين، وينال بهما بركات هذا السر المجید العجيب. فما هي تلك البركات؟

قوت للنفس - يعطي حياة أبدية - الثبات في المسيح

 

St-Takla.org Image: Arabic Bible verse: "This is My blood of the new covenant, which is shed for many for the remission of sins." (Matthew 26: 28) - Arabic calligraphy, by Adib. صورة في موقع الأنبا تكلا: نص آية "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (متى 26: 28) - فن بالخط العربي، الخطاط: أديب.

أولًا- قوت للنفس:

اسمعوا يا أعزائي بماذا يخاطبنا يسوع المسيح في إنجيل معلمنا يوحنا قائلًا "هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حيوة العالم" (يو 6: 50-51). نجد هنا قوتًا روحيًّا، فكما لا يحيا الجسد بغير طعام هكذا الروح لا تحيا من غير طعامها الروحي.

 

أيها الأعزاء:

تقدم يسوع المسيح إلى يايروس رئیس مجمع یهودی ليقيم ابنته من الموت فمسك بيدها، وقال لها "أيتها الصبية لكِ أقول قومي". وبعد ما أحياها دفعها إلى أبيها وقال: "أعطوها لتأكل"، فلو تُرِكَت هذه الصبية بدون طعام ألا تموت ثانية؟ هكذا الحال معنا أيها الأعزاء. فماذا صنع يسوع المسيح في أرواحنا؟ اسمعوا ماذا يقول الوحي الإلهي: "وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلًا حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلًا بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا، اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ -بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ- وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أف 2: 1-6). هذه هي القيامة الروحية، أقامنا بعد الذنوب والمعاصي والآثام بالمعمودية: "فَدُفِنَّا معه بالمعمودية للموت" (رو6: 4)، وقمنا معه للبر. أماتنا وأقامنا، ولكن هذا المُقَام من بين الأموات، ألا يحتاج إلى قوت يتغذَّى به؟ نعم، إنه في أشد الاحتياج إلى جسد يسوع مأكلًا ودمه مشربًا. فلو تُرِك بدون هذا الطعام الروحي لمات ثانية.

 

أيها الأعزاء:

يعيد التاريخ نفسه، فقد أخرج الله شعب إسرائيل على يد موسی من عبودية فرعون، ولكنهم لما رأوا أنفسهم وسط البرية القاحلة والجبل المجدب تذمروا قائلين: يا موسی، هل أتیت بنا إلى هنا لِتُميتنا جوعًا وعطشًا؟!" فجعل الله السماء تمطر لهم المن، وأخرجت لهم الصخور ماء. ويسوع المسيح قد أخرجنا من عبودية فرعون الروحي وهو الشيطان، فهل يُعْقَل أن يقدم لنا في وسط هذا الجهاد الشديد قوتًا أقل فاعلية من المن والسلوى؟ كلا! لأنه على قدر الغاية تكون الواسِطة. فالمن كان قوت الجسد، أما جسد الرب ودمه فهما قوت الروح. لذلك نرى الرب يقول لأولئك الذين يستهينون بهذا السر "آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»." (يو 6: 49-51).

ويقول بولس الرسول: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ...! فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهذِهِ، وَأَمَّا السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا، فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هذِهِ" (عب 9: 13-14، 23). إن في ذلك العهد (العهد القديم) قَدَّس الله شعبه بدم عجول وتيوس، ولكن في هذا العهد الروحي يَتَقَدَّس بجسد يسوع المسيح ودمه الاقدسين.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ثانيًا - يعطي حياة أبدية:

فهو ليس قوت للأرواح، فقط بل اسمعوا ماذا يقول المسيح له المجد: "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حيوة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 6: 54). فكل مَن لا يأكل جسد الرب المقدس ويشرب دمه الكريم، فلا يُعايِن ملكوت السموات.

ثالثًا - الثبات في المسيح:

وهي عطية عظيمة جدًا، فالسيد يقول "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه". عندما أكون أحبك حبًّا قلبيًّا عميقًا، فأعظم وَصْف أصِف به حالتنا أقول أني أريد أن آكُلك وابتلعك، لأن هذا فرط الحب. أريد أن يمتزج جسدي بجسدك ودمي بدمك. هكذا عمل يسوع المسيح معنا، فقال "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه". فعندما نأكل الخبز العادي يتحوَّل في داخلنا إلى دم ويمتزج بدمنا. وعندما نأكل جسد المسيح المقدس ونشرب دمه الكريم، فإنه يسير في شرايننا، ونصبح جزءًا من المسيح لا يَتَجَزَّأ. فالتناول من هذا السر يصبح مُمتزجًا في المسيح والمسيح فيه.

الصلاة للسر عند الغير مؤمنين

سر القربان المقدس كتب أ. إسكندر حنا

هل التناول تذكار فقط

---