والآن لنعد الى النقطة الأساسية وهي ظهور الاله القدير في الجسد في شخص السيد المسيح.
أنا أقر مع حضرة الشيخ الموقر بان ادراك هذا الأمر هو فوق استطاعة العقول البشرية ولكن هل كل ما لا يدركه العقل يُرفض؟ ان كان الأمر كذلك لساغ لنا الا نؤمن بالله لأن العقل البشري لا يمكنه إدراكه جل وعلا ولذا يصرح الوحي الالهي في الإنجيل المقدس قائلًا "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟.لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ." (رو 11: 33-36)
من ذلك يتبين أن الأمور المتعلقة بالله تعالى لا يمكن ادراكها بالبحث العقلي واثباتها بالحجة والبرهان -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- لأن الجبلة لا تستطيع أن تدرك جابلها بل يجب علينا قبولها بمحض الإيمان مجردين أنفسنا من الحكمة الجسدية لتحل علينا حكمة الله وإرشاده إذ الوحي الإلهي يعظنا قائلاُ "لاَ يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ فِي هذَا الدَّهْرِ، فَلْيَصِرْ جَاهِلًا لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيمًا! لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: الآخِذُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ." (1كو 3: 19،18) مرتكنين في قبولها على صدق قول الله الذي يأمرنا بوحيه الكريم أن نقبل كلمته بوداعة "فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ." (يع 1: 21)
على انه لو نظر حضرة الشيخ في الأمر بروح النعمة والإيمان لما وجد فيه صعوبة.
الله القادر على كل شيء، الواسع الرحمة، العظيم في المجد، الغني في النعمة لما رأى خلائقه قد ضلوا في طريق الغواية والشرور وتشتتوا في فيافي وقفار الآثام وسقطوا في وهدة الموت والهلاك وأسروا في رق عبودية الشيطان ولم يجد في أنبيائه ورسله الذين أرسلهم إلى العالم القدرة على رد نفوس براياه وخلاصهم، شاء أن يخلصهم بنفسه فخرج كراع صالح ليجمع الضال ويطلب المفقود ويرد بيد مراحمه سبي شعبه وشتات قطيعه الذي كلت عن رده أيدي كافة الرعاة الاخرين لانهم ليسوا أصحاب الغنم كقوله تعالى في الانجيل المقدس " أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ. وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ راعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلًا وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي،" (يو 10: 11-14)
وهنا أستلفت أنظار حضرة الشيخ إلى ما جاء في القرآن "ولقد أرسلنا نوحًا وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد" "وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم" "وآتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة" (سورة الحديد)
فماذا يفهم الشيخ من ذلك؟ ألا يفهم ان الله سبحانه وتعالى أرسل أنبيائه نوحًا وابراهيم وذريتهما لهداية البشر وردهم إلى السبيل المستقيم ثم قفى على آثارهم برسله ولما لم يقووا جميعًا على خلاص نفوس براياه وتحريرهم من عبودية الشيطان والخطية افتقدهم بنفسه واشرق عليهم أخيرًا وهم سالكون في الظلمة وظلال الموت في ابنه الوحيد يسوع المسيح لكي يعمل في شخصه ما لم يقو على عمله كافة الرسل والأنبياء.
وألا يرى الشيخ في نص القرآن هذا مطابقة تامة لما تقدم من أقوال السيد المسيح (يو 10: 11-14) ولقوله "«اِسْمَعُوا مَثَلًا آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْمًا، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى بُرْجًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ. فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا. ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذلِكَ. فَأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلًا: يَهَابُونَ ابْنِي!" (مت 21: 33-37)
بهذه الطريقة أراد الله تبارك اسمه أن يخلص نفوس البشر ولعلمه جل شأنه أن ضعف البشرية لا يستطيع ان يرى جلال مجده وبهاء نوره الإلهي كما لا تقوى العين الرمداء على النظر إلى نور الشمس شاء أن يستر جلال مجده وبهاء لاهوته تحت ستار الجسد فحل الله (الابن الكلمة) بقدرته الغير المبحوثة ولا مدركة على مريم العذراء وأخذ منها جسدًا وفي هذا الجسد اسمعنا صوته الإلهي وأرانا مجده وبين لنا عظمته وقدرته السرمدية وسلطانه الكامل باقواله واعماله العجيبة، وفي هذا الجسد أيضًا اتم عملية الفداء والخلاص على ما هو وارد في أقوال الوحي الإلهي الكريم. هذا هو يسوع المسيح الإله المتجسد.
"اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ،الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ." (عب 1: 1-4)
"وبالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الامم، اومن به في العالم، رفع في المجد." (1تي 3: 16)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iskander-hanna/christ-answer/incarnation.html
تقصير الرابط:
tak.la/vrpzwr7