مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المرأة العصرية في مواجهة المسيح - أ. إيريس حبيب المصري

171- المرأة هي العضو الروحي في الطبيعة البشرية

 

*ما قاله بول افدوكيموف:

ومن أروع ما كتب عن خدمة المرأة العصرية ما سجَّله الكاتب الروسى بول افدوكيموف عن المرأة السوفيتية. فقد وضع كتابًا بعنوان "الزواج أو السرّ القدسي للمحبة" تناول البحث فيه عن النواحي والاتجاهات العديدة التي نظر بها الناس إلى الزواج ثم أكَّد فيه عن وجهة نظر الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية نحو هذا الموضوع الخطير. والنقطة التي ركَّز عليها الضوء هي الناحية الخاصة بالمرأة إذ قد أسماها "العضو الروحي في الطبيعة البشرية" وممَّا قاله في هذا الكتاب المقتطفات التالية: "المرأة نقطة التلاقى بين الله والإنسان" لئن اشترك الرجل في التجسد بصفته مُمَثَّلًا في القديس يوسف فإنَّ المرأة هي التي اشتركت علانية حين فاهت بكلمة الخضوع للإرادة الإلهية. ومقابل الكلمة الخالقة الصادرة من الله الآب تستجيب "أمة الرب" بكلمة الرضى والاستسلام. وهذه الكلمة التي صدرت عن السيدة العذراء ضرورة لازمة لتحقيق التجسد. أنَّها الـ"نعم" التي تفوهت بها الإنسانية على لسان مريم في حريَّة. نعم أنِّي أرغب في الخلاص. نعم أنِّي متعطشة للمُخلِّص... فما كان من الممكن أنْ يتَّخذ المسيح لحمًا ودمًا لو أنَّ الإنسانية -في شخص مريم- لم تُقدِّمها طوعًا واختيارًا كتقدمة خالصة. وفي ليلة الميلاد تترنم الكنيسة قائلة: "ماذا نُقدِّم لك أيها المسيح؟ إنَّ كلًا من مخلوقاتك يُقدِّم لك تقدمة الشكر والامتنان - فيُقدِّم الملائكة تسابيحهم، والسماء نجومها، والمجوس هداياهم، والرعاة إعجابهم، وتُقدِّم لك الأرض مغارة والصحراء مذودًا، ونحن البشر نُقدِّم لك أمًا عذراء". ولهذا السبب عينه جعلت الكنيسة الأرثوذكسية أيقونة التجسد هي تلك التي تحمل فيها السيدة العذراء الطفل يسوع على ذراعيها فتعترف عن طريق الأيقونة بالدرجة العليا للتشارك بين الله والناس ولتلاقى الرغبة الإلهية بالرغبة الإنسانية الحرة.

St-Takla.org Image: The Virgin Mary works with willing hands, Joseph the carpenter begins his work with joy, and the young Christ looks at them, blessing the work by participating in it. - art by Mamdouh, from the book: The Modern Woman Facing Christ, by Iris Habib Elmasry. صورة في موقع الأنبا تكلا: العذراء مريم تشتغل بيدين راضيتين، ويوسف النجار يباشر مهنته بفرح، والمسيح الفتى ينظر إليهما مباركا المهنة باشتراكه فيها. - رسم الفنان ممدوح، من صور كتاب المرأة العصرية في مواجهة المسيح: إيريس حبيب المصري.

وصِلة المسيح بالإنسانية قامت عن طريق مريم -فلو قد عرف الناس- وصار واحدًا منهم عن طريق الأمومة. والكنيسة الأرثوذكسية تنحني أمام كلمة الرب ليوحنا "هوذا أمك" وترى فيها استكمال حواء. فمريم هي "أم الأحياء" أي أنَّها صورة للكنيسة في أمومتها الراعية. وهي في ضراعتها صلاة الكنيسة بأسرها. وهي تسبل سترها على العالم. فهي في شفاعتها حصن منيع للخطاة.

والرجل بوصفه كاهن مرتبط بالمسيح الكاهن يخترق عناصر هذا العالم ويُقدِّسها عن طريق الشعائر القدسية فيحوّلها إلى ملكوت الله. ثم بكونه عنيف فإنَّه يغتصب هذا الملكوت. على أنَّ هذا الملكوت يتطلَّب قداسة الذات. وهذه القداسة ترمز إليها المرأة، وهي تجرح التنين في رأسه لا بالأعمال ولكن بكيانها ذاته وبطهارتها. وهذه القداسة المُميَّزة للذات غير محتملة من الشياطين لأنَّها تقتلهم...

← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

وجَّه أحد الوثنيين السؤال إلى القديس ثيئوفيلس الأنطاكى قائلًا: "بيّن لي الهك". فأجابه: "أرني إنسانك وأنا أريك إلهي" وهو يقصد بذلك أنَّ الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله يعكس السرّ الإلهي فكلاهما أبعد من أنْ يُعبِّر عنهما لسان. وحينما خلق الله آدم - رأى المسيح الإنسان، المسيح الذي يجب أنْ يكون في يوم ما الذي كأنَّه هذا الطين وهذا الجسد -والدافع العميق للتجسد لا ينبعث من الإنسان بل ينبعث من الله ومن رغبة الله تعالى في أنْ يجعل من الإنسانية تجليًا إلهيًا- أي أنْ يجعل من الإنسان المسكن المحبوب من الله. وتتجلَّى هذه الحقيقة العظمى خلال القداس في كلمة "الله محب البشر" فالغاية العظمى النهائية من خلقه الإنسان هي رغبة الله في أنْ يصبح الإنسان إلهًا بالنعمة مشتركًا في الوجود الإلهي: الخلود والكمال وعفة الكيان...

ويُميز القديس أنطونيوس ثلاثة أنشطة تواجه الإنسان: النشاط الإلهي والنشاط الإنساني والنشاط الشيطاني. والحكم الذاتي الإنساني يقوقع صاحبه ويجعله مستقرًا. وتنازع الاختصاص تعبير عن الإرادة الشيطانية الغريبة عن الإنسان. والحكم الإلهي ليس معناه الخضوع الأعمى أو الانصياع اللاواعى وإنَّما معناه التنسيق والتشارك والصداقة "لا أعود أُسمِّيكم عبيدًا.. لكنِّي سميّتكم أحباء". وحينما تنبع حريتنا ومسلكنا داخل التصرف الإلهي - حينذاك تجد المناخ الوحيد الصالح لازدهارها وتفتحها. والإيمان ليس مجرد التصاق فكرى ولا هو خضوع أعمى ولكنَّه إخلاص شخصي للشخص. ويطلب الله من الإنسان أنْ يُتمِّم الإرادة الإلهية على أنَّها إرادته الشخصية..

ومن الواضح أنَّ هناك قداسة جديدة تنبثق. وهذه القداسة لا تستهدف ترك العالم بل بالحري ترنو إلى تفجير القوى الكامنة داخل النفس... ويمكن القول بأنَّ القداسة المنبعثة من الله ومن الأديرة قداسة عامودية فهي أشبه بمنارة الكنيسة المتجهة إلى فوق. أمَّا اليوم فمحور القداسة يقترب من العالم. والدافع لهذا الاقتراب هو الإخلاص لنداء الله وهذا الإخلاص يُحفِّز المجاهدين على أنْ يكونوا الأداة لتوصيل النعمة إلى الجذور الإنسانية حيث تنساب الحياة.

" لقد أثبت الاختبار في روسيا السوفيتية مدى الدور الرئيسى الذي قامت به المرأة في تجديد الحياة الروحية. ففي اللحظة التي صمت فيها صوت الكنيسة قسرًا وقهرًا رنَّ فيها صوت المرأة وسطع معه نور إيمانها. وفي تلك اللحظة ظهرت حقيقة كهنوتها فلقد أكملت رسالتها القدسية بأنْ شيدت الإيمان وسط عالم مُقاوم للإيمان إذ قد تفتحت نفسها الضارعة لفيض الروح القدس. وبهذا التفتح جعلت النفوس حساسة لنداء ابن الله. ومن غير بحث عن شيء خارجي تلفتت داخل نفسها وأدركت خلال التلفت رسالتها العظمى: رسالة خادمة الله الموضوع عليها إيقاظ النفوس وإشعال القلوب وتجميع أحباء العريس. لقد سارت المرأة هناك خلف السيدة العذراء حين أجابت الملاك بقولها "هوذا أنا أمة الرب" وبهذا التسليم للإرادة الإلهية استطاعت أنْ تُحوِّل تيار اللادينية إلى الدين وأنْ تأتي بمُقاومي الإيمان إلى الإيمان...".

صورة عصرية للمرأة من روديسيا

المرأة العصرية في مواجهة المسيح كتب إيريس حبيب المصري

ميادين لمسئولية المرأة

---