التهيؤ للجهاد:
والخطوة الأولى نحو التنفيذ هي أن تهيئ كل منها نفسها للجهاد إذ لا يستطيع إنسان مثلًا أن يمارس مهنة الطب اعتباطًا بل عليه الدراسة والسهر الليالي الطوال إلى أن يحصل على البكالوريوس ثم يتمرن... وعلى هذا القياس يسير جميع من يريدون الاشتغال بأي عمل فنى معين وهذه نقطة يتجاهلها الكثيرون مِمَّن يعملون في كرم الرب زاعمين أنه ما دام هناك استعداد نفسي فهذا يكفي. ولكن الاستعداد النفسي مجرد تمهيد يجب أن يتبعه الاستعداد العقلي والاستعداد أيضًا لمواجهة مختلف الضيقات والمشقات. فالقيام بالمسئولية الروحية ليس هينًا. صحيح أن الرب يجعله هينًا بل ومفرحًا كذلك. ولكن قبل أن يستطيع المجاهد تذوق هذا الفرح لا بُد له من اختبار الألم. ويقول لنا ذهبي الفم أن الجهاد الروحي يستلزم التيقظ والتفطن، بينما يعلن لنا رسول الجهاد وجوب الصحو المستمر إذ يقول: "أن محاربتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين.. مع أجناد الشر"(74). على أن هذه المصارعة التي يجب أن ندرك واقعيتها من البداية يجب أن لا تقعدنا عن الجهاد لأن "الذين معنا أكثر من الذين علينا" ولنتخذ مثلًا واحدًا لنوضح ما تصل إليه المجاهدة من نصرة. هذا المثل هو السيدة ترفة التي عاصرت البابا الإسكندري الرابع والسبعين (أيام حكم صلاح الدين). فقد كانت هذه السيدة واسعة الثراء ولكنها لم تنعم بالأمومة ولما وجدت أن لا أولاد لها تنصرف إلى العناية بهم وتربيتهم رأت أن تستعمل "وزناتها" فيما يعود بالخير عليها وعلى مجتمعها. فبنت كنيسة أطلقت عليها اسم أبا نوفر السائح. ثم شيدت ديرا للراهبات أوقفت عليه من الأطيان ما يكفي للانفاق عليه. ثم صرفت أموالا طائلة في نساخة عدد كبير من الكتب الكنيسة وهبتها للراهبات ربحًا لنفوسهن فحافظت بذلك على التقليد المصري السحيق في القدم الذي جعل من المرأة "حاملة الشعلة" لتضئ الطريق أمام الساعين نحو الحق(75).
فهذه السيدة ترفه قد عاشت في وقت كانت المرأة لا تعمل فيه إلا داخل بيتها. ومع ذلك فقد عرفت أن تستثمر طاقاتها فتاجرت بالوزنة التي أعطاها إياها رب المجد. وكان في وسعها أن تعيش في ترف وكسل وأن تنصرف إلى الاستمتاع بملاذ الحياة -حتى في الحدود المشروعة. ولكنها فضلت أن تختار "النصيب الصالح الذي لن ينزع منها". المواعيد الإلهية لا تتحقق إلا لمن يتمسك بها:
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ولسنا نضع هذا المثل أمامنا إلا لندرك مدى عمل النعمة الإلهية وكيف تستطيع النفس المتطلعة إلى الله ان تصارع في سبيل الخير وتنتصر. وليس من شك في ان الكثير منا يمكنهم تقديم الأمثلة من حياتهم الخاصة أو حياة من يعرفون عن فعالية روح الله في روح الإنسان. لذلك أسوق المثل التالي فقط عن شابة تعيش في العالم الآن وسط عائلتها وأهلها. وهي مِمَّن يحبون الله ويلتصقون به. وقعت هذه الشابة في ضيقات مريرة وعصفت بها العواصف على غير انتظار. فكانت خلال العاصفة تهتف إلى الله: "أنا محسوبة عليك فلا تسمح بأن تفضحنى أخرجنى من هذه الضائقة". ثم تستنجد بمختلف القديسين بدموع وانسكاب صارخة: "يا حلفائي الأقوياء. يا من لهم الشفاعة المقبولة. سارعوا إلى انقاذي. وأنت أيتها السيدة العذراء. أنت مليكتى وحبيبتى وشفيعتى فاسعفينى" وداومت على صلواتها واستشفاعاتها فمرت العاصفة وانتهت. وأذا بصديقتى تضحك وتقول: "أنا الآن أضحك من نفسي إذ لم يكن ممكنا أن يتركني الله وهو القائل ان نسيت الم رضيعها لا أنساكم... عيني عليك من أول السنة إلى آخرها.. وغير ذلك من المواعيد الإلهية الوفيرة التي لا بُد أن تتحقق لمن يتمسك بها في اصرار".
_____
(74) (أف 6: 12).
(75) تاريخ الكنيسة القبطية لمنسى القمص ص 541.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/preparing-women-for-war.html
تقصير الرابط:
tak.la/96p8rp2