نموذج من التسامي في الصلاة:
ونعود مرة أخرى إلى توضيحات ذهبي الفم لنسمعه يقول: "أتريد أن تعرف معنى السهر في الصلاة؟(56) اذهب إلى حنة واصغ إلى كلامها: "فقامت حنة بعد ما أكلوا في شيلوه وشربوا(57) ولم تنم ولا استراحت. بل أنه ليبدو لي أنها أكلت قليلًا كي لا تثقل بالأطعمة. والا ما استطاعت أن تذرف كل هذه الدموع. فان كنا ونحن صائمين لا نستطيع الصلاة كما صلت فهل من المعقول أن تكون قد أكثرت من الطعام؟ فلنخجل إذن -نحن الرجال- من المثل الذي تقدمه لنا هذه المرأة. لقد انهالت دموعها قبل كلماتها لأنها كانت ترجو أن تستنزل عطف الله بهذه الدموع. وحيث الدموع هناك الوجع. وحيث الوجع هناك التيقظ أو التفطن. وهي لم تعد بأن تعطي ابنها لله سنة أو سنتين أو أكثر بل وعدت بتقديمه كل حياته. ولم تقل لله ان أعطيتني ولدًا أقدم لك مالا بل قالت أقدمه هو لك - أي أنها وعدت بأن تقدم لله العطية نفسها التي سيعطيها لها. لقد قدم إبراهيم ابنه حينما طلبه الله منه. أما هي فقد قدمت ابنها قبل أن يطلبه الله منها.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ثم لاحظوا وقارها العميق: كانت شفتاها تتحركان من غير صوت هكذا يقترب إلى الله كل من يريد الوصول إلى هدفه. ولكن - ألم يعرف الله رغبة هذه المرأة قبل أن تطلبها؟ نعم. كان يعرفها. على أنه لو كان أعطاها لها من غير طلبها ما كانت حرارتها لتظهر ولا فضلها ليعلن. وما نالت هذه الجزاء العظيم فتأخيره في العطاء كان رعاية منه تعالى لها. ثم أنه حين كانت منافستها تعيرها لم يجبها بكلمة، بل لم تطلب من الله أن ينتقم لها منها.
كذلك تأملوا حكمة هذه المرأة: لقد أجابت عالي الكاهن حين ظن أنها سكرى بقولها: "لا تحسب أمتك ابنة لبليعال لأني من كثرة كربي وحزني تكلمت إلى الآن".
هنا مثل حق للقلب المنكسر إذ لم تغضب على معيرها ولم تجبه إلا دفاعا عن نفسها وبهدوء. فأصغوا يا من لكم طلبة تتلهفون على تحقيقها. اصغوا وتضرعوا لله بقلب منكسر لأن الصلاة تقتدر كثيرًا في فعلها.
_____
(56) تعليق على (أفسس 6: 18).
(57) (1صموئيل 1: 9).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/hannah.html
تقصير الرابط:
tak.la/nayxvw6