فكيف قابل الرب المجد ذلك الاستعداد الذي أبدته المرأة نحوه؟ لقد منحها أولًا أن تكون أمه فتربي تحت رعايتها وأطاعها وأكرمها حتى لقد بدا اكرامه لها رائعًا وهو معلق على الصليب حينما أوصى تلميذه الحبيب بها. وفي وصيته هذه أكرم الأمهات جميعًا في شخصها كما دعم بنوتنا لله في آن واحد. ومن نعمته الوفيرة أنه منحنا أسبابًا عديدة من القوة أبدعها تلك المنحة العظمى التي وهبنا إياها وهو معلق على الصليب تسيل الدماء من كل جسده القدسي. هذه المنحة هي أنه رفعنا بكلمة واحدة إلى مصاف اخوته إذ التفت إلى تلميذه الحبيب يوحنا وقال له: "هذه أمك"، ثم قال لأمه "هذا ابنك". ولحن كنيستنا المحبوبة يوجه أفكارنا نحو هذه المنحة العظمى بترديدنا كلماته:
ابنك أوصاك بنا في الصليب وأعطانا اياك في شخص الحبيب
وهذا معناه أنه حين قال لها بأن يوحنا ابنها قال لنا ضمنًا في الوقت بأننا جميعًا أولادها. على أننا في غمرة الفرح بهذه البنوة علينا أن نتريث فلا ندع الفرح يجرفنا. لماذا؟ لأن وصية رب المجد ليست قاصرة على جعلنا أولادًا لتلك المختارة التي هي والدته بل هي وصية تمتد لتبين لنا سعة الأمومة التي يطلبها من كل خادمة أمينة. فالحياة العادية هي أن الأولاد حين يكبرون ويشتغلون يتزوجون. وهنا تجد الأم نفسها في شبه عزلة كما تجد متسعًا من الوقت. وعندما تتضح لنا الحكمة العميقة من هذه الوصية العظمى التي أوصي بها رب المجد حين قال: "هوذا ابنك" ومن تمعن التأمل في هذه الوصية تدرك أنه يطالبها بأن تكون أما روحية للكثيرين والكثيرات. فكم من يتيم في حاجة إلى الرعاية، بل كم من شباب لا يجد من والديه المرشد الحق وهو في مسيس الحاجة إلى من يرشده ويوجهه. وكم من أشخاص تخطوا الشباب ومع ذلك فهم ما زالوا جائعين من أجل البر. هؤلاء جميعًا في حاجة إلى أم روحية تحنو عليهم وترعاهم وتوجههم وتطعمهم الطعام الباقي. فيجب أن توسع قلبها وتوسع نفسها لتفيض المحبة من هذا القلب المتوسع وهذه النفس المتوسعة وتغمر هؤلاء وأولئك والعالم اليوم أحوج ما يكون إلى المحبة الدافقة -فليست هناك قوة سواها بلسمًا لكل جراحات الإنسانية المعذبة. ان المحبة المخلصة الحارة الباذلة هي أرهب قوة: فيها العزاء وفيها الشفاء. والأم التي تستطيع أن تجعل أمومتها شاملة هي الأم التي ستعيد إلى العالم طمأنينته واستقراره لأنها تكون عن هذا الطريق قد نفذت أمر المخلص المعلق على الصليب. ولئن كان الواجب تحتم علينا طاعة جميع أوامر المخلص وتوجيهاته فكم بالحري ذلك الأمر الصادر منه في تلك الساعة الرهيبة التي دفع فيها الثمن عن الإنسانية بأسرها؟ ويجب علينا في الوقت عينه أن نتفهم تلك الفعالية الضخمة التي للسيدة العذراء: فهي المجري الذي انساب خلاله الخلاص، وهي بتسليمها الكامل للإرادة الإلهية قد ساهمت في عمل الفداء. فهي قد اشتركت فعلًا في محو زلة حواء. وبالتالي هي أم الحياة الروحية التي فينا، وأم القداسة التي نسعى لبلوغها عن طريق شفاعتها المستديمة.
والقمة التي ننتهي عندها من التمعن في لقاءات مخلصنا مع مختلف النسوة وفي مختلف المناسبات هي "المسئولية". لقد أوضح لنا وضوحًا ساطعًا أن المرأة كائن مسئول "موضوعة عليها الضرورة" -فويل لها ان لم تبشر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/gods-care.html
تقصير الرابط:
tak.la/dkxj9v2