1- مدى أثار الأمومة:
أن الأمومة -وأن تكن وضعًا بيولوجيا طبيعيًّا واجتماعيًّا- إلا أنها مما يجب التفكير فيه على وحدة لما لها من أثار بعيدة المدى. فالشمس مثلًا هي دعامة الحياة ولكننا لا نفكر فيما لها من أهمية حيوية لأنها تشرق علينا كل صباح. ولو وقفنا لحظات لنتخيل يومًا لا تشرق فيه الشمس، أو لنتخيل أن شروقها ليس له مواعيد محدده ثابتة لأصابنا الذعر: وعلى هذا المقياس يجدر بنا أن ننظر إلى الأمومة لأننا لو تصورنا جيلًا إنسانيا بأكمله ينمو من غير رعاية أم لأصابنا نفس الذعر. ولولا هذه الحقيقة لما سعت الجماعات والأفراد إلى إيجاد من نحل محل الأم للطفل اليتيم أو الشريد. وفي هذا الصدد قرأت مقالا ذات يوم بعنوان "القوة الرهيبة التي للمحبة" فتمعنت في العنوان مدى لحظات مندهشة من ربط المحبة بالرهبة.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وكان المقال لطبيب أطفال قضى السنين الطويلة في مهنته. ومن بين أبحاثه دراسة وافية لما جرى في مؤسستين: أحداهما حضانة لأطفال لهم والدون يحبونهم ويحوطونهم بعطفهم ورعايتهم، والأخرى مركز للقطاء. وقد بين أن العناية بالمؤسسة الثانية لم تقل عنها بالأولى، فأوضح بالتفصيل كل الوسائل العلمية والخدمات الطبية والدقة في المواعيد التي كانت تراعي في كلتيهما. ثم أنتهى إلى القول بأن كل المسئولين كانوا منذهلين لأنه على الرغم من عنايتهم التامة بالمؤسسة الثانية فالأطفال كانوا يموتون قبل السنة الثانية من عمرهم! في حين أن الأطفال الذي في الحضانة يستمرون في الحياة. فأخذ هذا الطبيب يسائل نفسه عن السبب في هذه النتيجة المتضاربة بين المؤسستين من غير ان يجدلها جوابًا. ثم حدث أن قام برحلة إلى المنطقة الواقعة ما بين ألمانيا والنمسا ليزور مستشفيات الأطفال استزادة للمعلومات. وفي احداها وجد سيدة متقدمة في السن تمر في العنابر، ومن حين إلى حين تحمل طفلًا مريضًا على صدرها أو تجلسه على حجرها وتربت عليه أو تنشد له في صوت خافت هادئ. فسأل عن السبب فيما تعمله أجابه رئيس القسم: "أنها تتدخل حيث يفشل الدواء ويعجز الطلب! فالطفل حين يحس بحرارة الحنان والمحبة تستجيب قواه أسرع وأقوى مما تستجيب لأية عناية طبية أو عملية" وكأنما كانت هذه الكلمة ومضة أضاءت له سر المؤسسة التي لم يجد فيها اللقطاء المحبة الدافئة والحنان العطوف. ومن هنا أعلن بأن المحبة قوة رهيبة: هي القوة التي تهيئ للطفل أسباب الحياة أو أسباب الموت. بل أن هناك بعض الروحانيين يقولون أن المحبة أشبه بالملاك الحارس. وليس من شك في أن محبة الأم هي أقوى نوع من المحبة الإنسانية- بل هي أقوى نوع من المحبة لدى الحيوان. ألم يقل لنا رب المجد: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها؟" فقدم لنا بذلك صورة الأم الحانية التي تستهدف حماية أولادها بوضعهم تحت سترها. وبهذه المناسبة أذكر أنني رأيت مرة فيلما عن صيادي الوحوش الكاسرة وحدث أن أصطاد أحدهم شبلًا بأخذت أمه تحبث عنه واستمرت تمشي وتمشي بلا توقف إلى أن عثرت عليه وعندها فقط أستلقت لتستريح وهو راقد فوق جسمها إذن فما دامت قوة المحبة النابعة من الأمومة بهذا العنف وهذا الأثر وجب التمعن فيها على حدة. لأن المحبة الجارفة قد تخنق بدلا من أن تدفع إلى الإزدهار ولنتمعن خطوة خطوة هذا الأمر الخطير.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/effects-of-motherhood.html
تقصير الرابط:
tak.la/fhcgra7