30- كرازة بولس فيها:
+ وهؤلاء الرجال الذين نجوا من السفينة التي كسرّتها الأمواج وجدوا أنهم وصلوا إلى جزيرة - هي جزيرة مالطة. وليس من شك في أنهم وصلوها عند الخليج المسمَّى الآن "خليج القديس بولس". فأبدى "البرابرة"(1) إحسانًا غير المعتاد، وتجاوبًا مع هذا الإحسان شفى بولس مرضاهم وعلمهم إنجيل الأمل البهيج. وفي إمكاننا أن نتصور ما غمر قلوبهم من فرحة وسلام.
+ ولقد قضوا ثلاث شهور بتلك الجزيرة انتظارًا لسفينة تحملهم إلى إيطاليا، وبذلك انتهى الشتاء وهم فيها: وبعدها أقلّتهم سفينة إسكندرية أيضًا، ووصلت بهم إلى ميناء الجميل - ميناء بوطيولي Puteoli. وقد دخلت الميناء مرفوعة الشراع، وكأنها في شيء من الاعتزاز لأن هذا الشراع المرفوع كان ميزة للسفن الإسكندرية الحاملة للقمح. أليست حاملة للغذاء الأساسي اللازم للجسد؟ وهذه المرة كانت تحمل -على غير علم منهم- خبز الحياة الأبدية.
ويا لعجب عمل الله الخفي! فقد شاء أن السفينة الحاملة للقمح تحمل أيضًا الكاروز الحامل لبشرى الفداء! ومن عجبه أيضًا أن هذه السفينة تأتي إليهم من عاصمة مارمرقس الكارز العظيم الذي هو أيضًا نادى بكلمة الخلاص في مختلف البلاد، والذي شهد له بولس نفسه قائلًا أن " مَرْقُسَ ... نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ " (2 تيموثيئوس 4: 11)(2). وهذه شهادة ذات قيمة مزدوجة: إنها تأتي من خادم أمين يعرف قيمة الخدمة؛ وهي تأتي من بولس الذي رفض مشورة برنابا باستصحاب مرقس بعد أن انفض المجمع الرسولي الأول (أعمال 15: 36-41). وهكذا نرى طيف مصر في هذه اللحظة من تحركات رسول الأمم إلى عاصمة الأمم.
+ ووقف بولس على ظهر هذه السفينة الإسكندرية وتأمل جمال المنظر أمامه: منظر الحدائق البديعة تتخللها فيلات أنيقة. ولكن يالبؤس الإنسان! فهذا الجمال وهذه الأناقة يعيش فيها قوم بلغوا قاع الهاوية من الشر: وفي إحداها يعيش الحاكم المطلق الذي يعتبره رعاياه إلهًا! وهذا الإله قد قتل أمه قبل ذلك بسنة. وفي هذه السنة قطع رأس زوجته الشابة وأرسلها هدية إلى خليلته! فما كان أحوج هذا المجتمع الروماني حاجة ماسة إلى السيد المسيح، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولم يكن أحد من الرسل قد وصل حتى تلك الساعة إلى العاصمة الرومانية الفائضة بالفجور والفساد(3).
+ وسار يوليوس بجنوده وأسراه من شارع إلى آخر، ومن زقاق إلى زقاق. وأخيرًا وصلوا إلى مقر "الحرس البرتيوري"(4). ولقد أبدى عناية فائقة ببولس إلى النهاية إذ أوصى به خيرًا لقائد هذا الحرس. ونتيجة لتوصيته لم يُطرح بولس في زنزانة مزعجة بل سمحوا له بأن يستأجر بيتًا يعيش فيه، كما سمحوا لمن يريد زيارته والسؤال عنه أن يأتي إليه. ولكنهم قيّدوا يديه بالسلاسل ووضعوا جنديًا إلى جانبه لحراسته. وعلى الرغم من هذا فقد استطاع أن يشعر بالراحة والهدوء.
_____
(1) ولنعجب من سلوك الإنسان: فاليهود اعتبروا جميع من ليسوا يهودًا أمميين. وبالمثل اعتبر اليونانيون والرومانيون من ليس منهم "برابرة"! ومن الموجع أنه في هذا العصر، وبعد ألفيّ سنة من المسيحية لا تزال هناك تفرقة عنصرية بشكل أو بآخر.
(2) أيضًا قصة الكنيسة القبطية (للمؤلفة) ج1 ص26.
(3) كان "سيرك مكسيموس" ضخمًا، وفيه كان يلقى عشرة آلاف شخص مقتلهم سنويًا سواء بالتصارع معًا أو مع الوحوش، فحتى الذي كان ينجح في قتل الوحش الهاجم عليه لا يعفو عنه قيصر ما لم يُلح الحاضرون على طلب العفو عنه.
(4) كان هذا هو الحرس الخاص بحراسة قيصر، فكان لرجاله نفوذ واسع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/paul-the-apostle/malta.html
تقصير الرابط:
tak.la/2p4wtqj