St-Takla.org  >   books  >   iris-habib-elmasry  >   paul-the-apostle
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

18- من أنطاكية إلى أفسس

 

17- من أنطاكية إلى أفسس:

+    وكان هدفه النهائي من هذه الرحلة الوصول إلى أورشليم، ووصلها في وقت مناسب لعيد الفصح، ولكنه لم يعد يشعر بهزة الفرح في هذه العاصمة الذي صبغ جوّها قلوب المسيحيين بالتهّود الضيق! لذلك غادرها حالما انتهى العيد قاصدًا إلى أنطاكية: هذه المدينة التي أصبحت "المركز - الأم" للمسيحيين الأمميين والتي بدأ فيها كرازته، وخرج منها ليحمل البشارة إلى كافة الأمم. وكم كان يشتهي أن يبقى فيها مع أحبائه القدامى، ولكنه لا يستطيع فعمله واسع سعة الأفق الشامل للعالم كله، والأيام تمر سراعًا.

+    وبدأ ما يمكن أن نسميه رحلة راعوية(1): فمرّ بطرسوس مسقط رأسه، ومنها إلى لسترة موطن تيموثيئوس، ثم اجتاز بالتتابع في كورة غلاطية وفريجيا، وانتهى به المطاف إلى مدينة أفسس التي دخلها لأول مرة ليقتنصها لفاديه الحبيب. لقد كانت مدينة عظمى، وهي والكنائس الست التي ذكرها يوحنا الحبيب(2) كانت تؤلف وحدة مركزية. وحين دخلها رسول الأمم كانت من أقوى معاقل الوثنية، ترتكز شهرتها على المعبد الضخم المقام لعبادة أرطاميس (أو ديانا). فكانت لذلك مركزًا للسحر والشعوذة مما جعل بولس يشير إليها بقوله: "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أفسس 6: 12).

St-Takla.org         Image: St Paul - Giotto Di Bondone - Religious Painting Art - 1290s - Fresco - Upper Church, San Francesco, Assisi صورة: لوحة الشهيد بولس، رسم الفنان جيوتو دي بوندوني في حدةد 1290، فريسكو حائطي في الكنيسة العليا، سان فرانشيسكو، أسيزي

St-Takla.org Image: St Paul - Giotto Di Bondone - Religious Painting Art - 1290s - Fresco - Upper Church, San Francesco, Assisi

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة الشهيد بولس، رسم الفنان جيوتو دي بوندوني في حدةد 1290، فريسكو حائطي في الكنيسة العليا، سان فرانشيسكو، أسيزي

+    ولنتأمل هذا الكارز بجسمه المريض ووحدته المزعجة في جرأته على أن يغزو مدينة كبرى بها نصف مليون من السكان! إن هذه الجرأة -في حد ذاتها- دليل أكيد على ضخامة إيمانه في حضرة الابن الوحيد لله الآب وفي سلطانه القاهر. ألم يوصف بأنه هو وزملاؤه بأنهم " أولئك الذين فتنوا المسكونة..." (أع 17: 6). وهذا الابن الأزلي هو هو اليوم كما كان لبولس، وهو -له المجد- يهيب بنا أن نجسر على أن نحمل صليبه ونتبعه.

+      ومن العجب أن كلمة الله ذاعت وانتشرت ليس في أفسس فقط بل وفي كل منطقة آسيا الصغرى حتى لقد احتاجوا إلى مزيد من القسوس وزادوا على ذلك بأن جمعوا كل كتب السحر والتدجيل وكوّموها في الميدان العام وأحرقوها. وقُدّر ثمن الكتب المحروقة بخمسين ألف قطعة من الفضة! ورفع بولس تمجيداته وتشكّراته لهذا الانتصار العظيم لمخلصه.

+      ولكن، ولكن الشيطان لا بُد له من أن يقاوم، وبالأخص أمام نصر مثل هذا. وكان شهر مايو: شهر الإلهة ديانا حين يكثر الزائرون من مختلف الجهات، وفي وسط المهرجانات جمع ديمتريوس زعيم صياغ التماثيل كل المشتغلين معه واستثارهم بعنف لأن هيكل معبودتهم ستُهدم عظمته، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وما هي إلا لحظات حتى تجمّع جمهور ضخم صاخب هائج واندفع نحو دكان الخيّامين إذ كان أكيلا وبريسكلا قد جاءا لزيارة بولس. ومن نعمة الله أنه كان غائبًا ساعتئذ، فواجه الزائر هذا الجمهور الثائر ببسالة مذهلة حتى لقد قال عنها بولس فيما بعد إنهما وضعا عنقيهما لحياته (رومية 16: 3-5). وحين فشلوا في القبض على بولس ظلوا يصرخون مدة ساعتين: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ!». (أع 19: 34).

+      وهنا أيضًا نعجب من عمل الله. فهذه الثورة الجامحة تبخرّت كالفقاقيع بكلمة هادئة من كاتب المحفل اختتمها بقوله: "لأَنَّنَا فِي خَطَرٍ أَنْ نُحَاكَمَ مِنْ أَجْلِ فِتْنَةِ هذَا الْيَوْمِ. وَلَيْسَ عِلَّةٌ يُمْكِنُنَا مِنْ أَجْلِهَا أَنْ نُقَدِّمَ حِسَابًا عَنْ هذَا التَّجَمُّعِ. وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَفَ الْمَحْفِلَ" (أع 19: 22-41).

 +        ومع أن بولس قد نجا بحياته إلا أنه من رسالته التي كتبها من أفسس أنه عانى الكثير من الضيق إذ قال: "إِنْ كُنْتُ كَإِنْسَانٍ قَدْ حَارَبْتُ وُحُوشًا فِي أَفَسُسَ..." (1كو 15: 32) بل لقد بئس من الحياة ذاتها لكثرة ما لحقه من الإهانات والتعذيب إلى درجة أنه قال إنه حُسب كوسخ وأقذار العالم!

          ووسط هذه المصارعات العنيفة كان سنده الأوحد الرب المسيح.

+      لقد كان بولس في واقعه فقيرًا ضعيفًا. متوتر الأعصاب، مرهقًا، قليل النوم، مصابًا بشوكة في الجسد لازمته مدى حياته. ولكن ابن الله القوي الهادئ كان الملجأ الذي يهرب إليه، وإليه يلقي أيضًا بكل أموره، وهذا سر قوة بولس وسر جهاده بلا هوادة، وسر فرحه في وجه كل ضيق. وفي وسط هذا الضيق ومن أفسس بعث برسالتيه إلى الكورنثيين وبرسالته إلى أهل غلاطية. وكذلك برسالته المدهشة إلى أهل رومية.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) راعوية نسبة إلى راعي، ورعوية نسبة إلى رعية.

(2) رؤيا الأصحاحان الثاني والثالث.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/paul-the-apostle/antioch.html

تقصير الرابط:
tak.la/6q23gms