إن مَنْ يقرأ التفسير الذي يقدمه الأنبا أثناسيوس عن المزامير في شيء من التمعُّن ليشعر بالإعجاب يتزايد نحو شخصية هذا البابا، إذ يزداد إدراكًا لمدى تَعَمُّقهُ الأسفار الإلهية. والدرس الذي يلقيه علينا ليس مجرد النصيحة التي قدمها لمارسللينوس، ولكنه يَتَضَمَّن عدة تعاليم ذات أهمية كبيرة خصوصًا لأهل هذا العصر.
والتعليم الأول الذي يلقنه إيانا حامي الأيمان القويم هو أن الكتاب المقدس -بكل أسفاره- مترابط متماسك. فيجب على مَنْ يهدف إلى تَفَهُّمه أن يقراه ككل، ثم يستعين بتفسير الآباء ليزداد فهْمًا لهذا الترابط العجيب: وهذا الدرس لِوِحْدَة الأسفار فيما تستهدفه هام لكل مَنْ يخطر على باله أن يُفَسِّر الكتاب آية آية. فهناك آيات تَنْقَلِب معناها تمامًا بهذا "التفصيص" - فمثلًا يقول بولس الرسول إن "ملكوت الله ليس أكلًا وشربًا بل هو بر وسلام" (رومية 14: 17) ويحلو لِمَنْ يشرحون كل آية على حدة أن يزعموا أن هذه الآية تلغي الصوم! فهم لا يلتفتون إلى ما قيل قبلها أو بعدها، ولا لِمْنْ قيلت، ولا لأيَّة مناسبة قِيلَت. فلماذا لم يَقُل القديس بولس هذه الكلمات لغير أهل رومية؟ ولماذا أوصى هؤلاء الناس بعد هذه الكلمات بقليل -أي في بداية الأصحاح الخامس عشر- بقوله: "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء"؟ لأنه كبناء حكيم يريد أن يَتَسَامَى بالرومانيين إلى الكمال المسيحي وهم في بداية الطريق، فكان منهم الضعيف في الإيمان ومنهم القوي، فأخذ يَتَدَرَّج معهم خطوة خطوة في ما يجب أن يقوم مَنْ تعاون معهم.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وثمة نقطة ثانية تثير انتباهنا بصفة خاصة: إذ يستهل الأنبا أثناسيوس الرسولي الفقرة 25 بهذه الكلمات: «إن كانت الأفكار الأجنبية تخلبك..» وَكَأَنَّهُ في هذا التوبيخ يتحدث إلينا في هذا العصر، لأن الكثيرين منا "تخلبهم الأفكار الأجنبية" فيتناسون في سبيلها تعاليم الآباء! ونظرة إلى أبنيتنا المُخَصَّصَة للعبادة، ونظرة إلى ما تَزْدَان به من "أيقونات" - نظرة واحدة تكفي لأن توضح لنا إلى أي مدى "خلبتنا الأفكار الأجنبية"(1)!
وبعد - فقد أرشدنا هذا البابا الإسكندري العظيم إلى وسيلة كُبْرَى نُحَصِّن بها نفوسنا وقت الضيق الشديد، ونتهلل بها وقت الفرج، فجدير بنا أن نصغي إلى إرشاده ونعمل به.
_____
(1) توضيح من الموقع: بالتأكيد المؤلفة لا تقصد خطأ وجود الأيقونات بالكنيسة، ولا أنه لا يجب أن نهتم بزينة بيت الرب، فهي ذاتها قد كتبت كِتابًا في "فن الأيقونة أو ثيئولوجية الجمال". ولكن نفهم من هذا أنها في الأغلب تعترض على استخدام الفن الطبيعي (الأوروبي/الغربي) في كنائس عِدَّة كلوحات، بدلًا من الأيقونات القبطية الثمينة المعنى والقيمة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/athanasius-psalms/conclusion.html
تقصير الرابط:
tak.la/s27y9yp