ج: قد يذكر أكثر من كاتب نفس القصة، فمثلًا قد يذكر اثنين أو أكثر من الإنجيليين معجزة أجراها السيد المسيح، ونجد مفارقات بين رواية هذا ورواية ذاك... لماذا..؟ لأن كل كاتب يركز على جانب معين.
ويقول "د. ادوار ج. يونج" "قد تقع في العادة بعض الفروق الطفيفة في الرواية الواحدة التي يتعرَّض لها أكثر من كاتب في الكتاب المقدَّس، غير أن هذا لا يُعتبر في حد ذاته مأخذًا عليها أو دليلًا علي عدم عصمتها... قد كان الجاري، علي ما يشهد به علم الآثار، كتابة الرواية الواحدة على أكثر من صورة أو أسلوب، وقد جاءت علي سبيل المثال نسخ متعددة للسجلات السنوية للملك سنحاريب فقد كُتبت لا علي ورق، أو رق، بل علي حجر، ومع أنها كانت تتعرَّض للواقعة الواحدة، إلاَّ إنها كانت توردها في اختلاف يسير بين النسخة والأخرى... ولا يمكن أن يقول أحد أن العصمة تتطلب بالضرورة عرض الرواية بنفس الصورة الأولى، مادام من الثابت أن الحق الوارد فيها في شتَّي الصور هو هو لا يتغير" (38).
كما يقول "د. إدوارد ج. يونج " أيضًا " إن عقيدة العصمة... لا تتطلب أن يتحوَّل كتَّاب الكتاب المقدَّس إلى مجرد آلات مُسجلة، أو أن يُسجّل جميعهم الواقعة الواحدة تسجيلًا موحدًا حرفيًا، أو أن يُرتّبوا سرد الوقائع وتتابعها بالصورة الواحدة، إذ يحدث مرات كثيرة، ولأسباب تختص بالتأكيد، وليس لمجرد التسلسل التاريخي، أن يأتي العرض بصورة مغايرة، فإذا نقل كاتبان واقعة واحدة مُترجَمة من لغة إلى لغة، فلا يشترط أن تأتي الترجمة واحدة بنصها وفصها عند الكاتبان -كالنقل من الآرامية إلى اليونانية- بل يجوز أن يستعمل كل منهما حريته في التعبير، وفي الحدود التي ينقل فيها بالضبط الفكر الأصلي، كما أن العصمة لا تتطلب أن يسرد كل كاتب الوقائع بنفس الصورة التي يسردها بها الكاتب الآخر، أو أن يأخذها من الزاوية التي يأخذها منها الآخر. إن العصمة في كلمات أخرى تسمح بالاستخدام الكامل للمواهب والوزنات التي أعطاها الله للكاتب أن يتحلى بها" (39).
ويقول "صموئيل كريج " عن هؤلاء النُقَّاد " فالذين يتصوَّرون هكذا يريدون أن تكون الكتب المقدَّسة نسخة طبق الأصل من نموذج واحد. ولكن الحقيقة غير ذلك وهي كما قال " إبراهام كيبر " أن الروح القدس الفنان الأعظم قد قدَّم اللوحة الفنية التي تشمل تشكيلة من الألوان ومتعددة الجوانب بحيث يمكن أن تتعدَّد تفسيراتها، ولكنها في النهاية تُقدَّم أبعادًا متكاملة عن اللوحة العظيمة الواحدة" (40).
ونحن نؤكد أن الوحي في المسيحية لا يعني علي الإطلاق الوحي اللفظي، وكأن الروح القدس يملئ الكاتب كلمة كلمة وحرفًا حرفًا، ويلغي شخصيته إنما الوحي عمل مشترك، إلهي وإنساني في آن واحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. الله يوحي ويرشد ويعصم بروحه القدوس، والإنسان يُعبّر ويُجسّد المعاني بلغته البشرية، ولذلك يقول نيافة المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف " إنها كلمة الله مهما تغيَّرت العبارة، فلو قلنا مثلًا " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16) بتركيبات أخري لظلت هذه الآية كما نقول " أحب الله العالم إلى درجة أنه بذل ابنه... " أو غير ذلك الكثير في اللغة العربية أو مئات التعبيرات في اللغات الأخرى... الوحي قوة تملأ فكر وحس الرسول فينطق به بلغة البشر... الروح إذًا يضبط الرسول في التعبير " مسوقين" (2 بط 1: 21) ويحفظه من الخطأ ويعصمه من التراث، فتجئ التعبيرات في لغة البشر ولكن الروح هو القوة الفعالة فيها " (41).
_____
(38) أصالة الكتاب المقدَّس ص 139، 140
(39) أصالة الكتاب المقدَّس ص 160، 161
(40) المسيحية الحقيقية ص 98، 99
(41) وحدة الكتاب المقدَّس ص 15، 16
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/revelation/difference.html
تقصير الرابط:
tak.la/fp9xjq5