س 37: الله وحده هو الخالق... هذه حقيقة مسلَّم بها، فهل قام السيد المسيح بعملية الخلق؟
ج: الخلقة من أعمال الله الخاصة جدًا التي تخصه وحده ولا يشاركه فيها أحد، ولهذا يقول الكتاب المقدَّس " في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك 1: 1).. " صانع الأرض بقوته مؤسَّس المسكونة بحكمته وبفهمه بسط السموات" (أر 10: 12).. " هكذا يقول الرب فاديك وجابلك من البطن. أنا الرب صانع كل شيء ناشر السموات وحدي باسط الأرض. من معي" (أش 44: 24).. " الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (أع 14: 15).. " أليس أب واحد لكلنا. أليس إله واحد خلقنا" (ملا 2: 10).
ولأن السيد المسيح هو الإله الخالق المتأنس لذلك نجده يقوم بأعمال الخلقة، فمثلًا:
1- حوَّل السيد المسيح في عرس قانا الجليل الماء إلى خمر جيدة وشهد بهذا رئيس المتكأ، وقد صنع السيد المسيح هذه المعجزة العظيمة بدون أن يصلي أو يتضرع أو يبتهل أو يطلب منه الله، وبدوه أن يضع يده ويلمس الماء. إنما المعجزة تمت بمجرد الإرادة... هو أراد فكان " قال لهم يسوع أملأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ. فقدموا" (يو 2: 7، 8) وللحال تمت المعجزة ونفذت المشيئة الإلهيَّة، وواضح أن هذه المعجزة معجزة خلقة لأن الماء يحوي عنصري الأكسجين والهيدروجين، بينما الخمر يشمل عناصر أخرى مثل الكربون، فمن أين جاءت هذه العناصر؟ لقد خلقها الخالق العظيم سيدنا يسوع المسيح من العدم.
2- عندما التقى السيد المسيح مع المولود أعمى " تفل على الأرض وصنع من التفل طينًا وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له أذهب أغتسل في بركة سلوام. الذي تفسيره مُرسَل. فمضى واغتسل وآتى بصيرا" (يو 9: 6، 7) وعندما نضع هذا العمل بجوار خلقة الله لآدم نجد تطابقًا ظريفًا، فعندما خلق الله آدم "جبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض" (تك 2: 7) وعندما خلق السيد المسيح عينين جديدتين خلقهما من تراب الأرض إذ تفل على الأرض وصنع طينًا، والأمر العجيب إن العين الصحيحة لو جاء عليها شيء من التراب أو الطين لآذاها، ولو وضع الإنسان طينًا على وجهه واغتسل لزال الطين، فكيف ثَبُتَ بالاغتسال..؟! بل كيف تحوَّل إلى أنسجة حيَّة وشرايين وأوردة وكوَّن عينان بكل ما تحويه العين من أعصاب وقرنية وشبكية... إلخ... إنها معجزة خلقة بكل المقاييس أراد بها السيد المسيح تقديم وسيلة إيضاح على أنه الله الخالق المتأنس، ولذلك خلق عينين لم يكن لهما وجود من قبل، وأدرك الفريسيون هذه الحقيقية فحاورا الأعمى كثيرًا. بل أنهم استدعوا والديه وأخذوا يحاورونهما لعلهما ينكرا هذه المعجزة التي كان يتمنى الفريسيون لو لم تحدث، وأخيرًا انقسموا على أنفسهم " فقال قوم من الفريسيين هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات.وكان بينهم انشقاق" (يو 9: 16) وصدق هذا الأعمى عندما قال "منذ الدهر لم يُسمَع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى" (يو 9: 32) فهذا العمل هو عمل إلهي ظل محفورًا في ذاكرة اليهود، حتى أنه عندما تعرض لعازر للموت قال بعض اليهود " ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت" (يو 11: 37).
3- عندما أشبع نحو خمسة آلاف رجل من خمسة أرغفة وسمكتين وحرص الإنجيل على تسجيل العدد ليظهر عظم المعجزة " فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وباركهنَّ ثم كسر وأعطى التلاميذ ليقدموا للجمع. فأكلوا وشبعوا جميعًا. ثم رُفِع ما فضل عنهم من الكسر اثنتا عشرة قفة" (لو 9: 16، 17).. فمن أين جاءت الأرغفة؟ ومن أين جاء السمك حتى شبع الآلاف وبقى ما بقى؟!.. لا عجب، لأن السيد المسيح هو الإله الخالق المتأنس.
ولعظم هذه المعجزة سمح السيد المسيح أن تتكرر ثانية مع أربعة آلاف رجل ماعدا النساء والأطفال، وكان لهم ثلاثة أيام يمكثون معه لم يأكلوا، فأشفق عليهم وأراد أن يطعمهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وتعجب التلاميذ من هذا الطلب وقالوا " من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يُشبع جمعًا هذا عدده؟ أما السيد الخالق فقد " أخذ السبع خبزات والسمك وشكر وكسر وأعطى تلاميذه والتلاميذ أعطوا الجمع. فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة" (مت 15: 36، 37).
وقد يقول قائل: وما رأيك في المعجزة التي صنعها إيليا مع أرملة صرفة صيدا... أليست معجزة خلقة..؟ الذي يدقق في المكتوب يعرف بسهولة إن الذي صنع المعجزة ليس إيليا بقوته الشخصية إنما الرب " لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل أن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرًا على وجه الأرض" (1 مل 17: 14). بل إن المعجزة بدأت عندما " كان له كلام الرب قائلًا قم أذهب إلى صرفة التي لصيدون وأقم هناك. هوذا قد أمرت هناك امرأة أرملة لتعولك" (1 مل 17: 8، 9) وهذا الفارق يشبه الفارق بين إقامة إيليا لابن هذه الأرملة وإقامة السيد المسيح للأموات، فإيليا " صرخ إلى الرب... فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه وعاش" (1 مل 7: 20 - 22) أمَّا السيد المسيح فكان يأمر الميت فيقوم.
4- يقول الإنجيل عن السيد المسيح "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3).. " كان في العالم وكُوّن العالم به" (يو 1: 10).. " لكن لنا... رب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1 كو 8: 6).. " فإنه فيه خُلِق الكلُّ ما في السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلِق" (كو 1: 16).. " الذي به أيضًا عمل العالمين" (عب 1: 10) وبينما نجد المزمور يقول عن الله " أقول ياإلهي... إلى دهر الدهور سنوك. من قدم أسَّست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى. كرداء تغيرهنَّ فتتغير. وأنت هو وسنوك لن تنتهي" (مز 102: 24 - 27) فإن الإنجيل يقول عن السيد المسيح " أما عن الابن... أنت يا رب في البدء أسَّست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوب تبلى. وكرداء تطويها فتتغيَّر ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى" (عب 1: 8 - 11) ومع التجاوز نستطيع أن نقول لولا الابن ما كانت هناك خليقة ما، لا على الأرض ولا في السماء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/creator.html
تقصير الرابط:
tak.la/4b8g7b7