س 38: ادَّعى البعض أن التلاميذ سرقوا الجسد، وادَّعى البعض أن يوسف الرامي أو بيلاطس البنطي قام بنقل الجسد، وقال البعض ربما قام بعض اللصوص بسرقة الجسد طمعًا في الأكفان... فما صحة هذه الادعاءات؟
ج: نناقش معًا في هدوء كل ادعاء من هذه الادعاءات:
اختلفت أقوال النُقَّاد فيمن سرق الجسد، فقال البعض أن تلاميذ المسيح هم الذين سرقوا الجسد وادعوا قيامته، وقال البعض يوسف الرَّامي نقله خوفًا على حرمة البستان، وقال آخرون بيلاطس البنطي أخفاه نكاية في اليهود، وقال غيرهم بعض اللصوص طمعوا في الكفن الغالي الثمن.
أـ
الادعاء بأن التلاميذ هم الذين سرقوا جسد المسيح
ب – الادعاء بأن يوسف الرامي نقل
جسد المسيح
ج – الادعاء بأن بيلاطس
البنطي قد نقل جسد المسيح
د – الادعاء بأن
اللصوص سرقوا جسد المسيح طمعًا في الكفن
وهو مجرد إشاعة أشاعها رؤساء الكهنة، لأنهم لو اعترفوا بقيامة السيد المسيح لثار عليهم الشعب الذي ضلَّلوه وجعلوه يصرخ "اصلبه... اصلبه".. "فقال لهم بيلاطس: فماذا أفعل بيسوع الذي يُدعَى المسيح؟ قال له الجَميع: ليُصْلَب... فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمَهُ علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 22، 25)، فأراد رؤساء الكهنة أن يفلتوا من هذا المأزق لذلك أنكروا قيامة المسيح، ويقول قداسة البابا شنوده الثالث: "كما حاول رؤساء الكهنة منع القيامة قبل حدوثها حاولوا أيضًا تشويه مجد القيامة بعد تمامها.
ولهذا لم يكونوا أهل تدين وصدق. لقد كسروا السبت في ضبط القبر وختمه، وقد كذبوا في موضوع القيامة وأغروا الحراس أيضًا بالكذب، كما قدّموا رشوة للجند لينشروا الكذب، وكانوا يستخدمون سلطانهم لدى الوالي خادعين الشعب كله. ثم اضطهدوا التلاميذ ظلمًا وهم يعلمون... وكما أتوا بشهود زور وقت محاكمتهم للمسيح أتوا أيضًا بشهود زور لكي ينكروا قيامته.
كذلك لم يكن رؤساء كهنة اليهود من أهل الإيمان. لم يؤمنوا بمعجزات المسيح أثناء حياته بينهم، ولم يؤمنوا كذلك بمعجزة القيامة وهي واضحة أمامهم، ولم يؤمنوا بالمعجزات التي حدثت على أيدي التلاميذ وبِاسم المسيح.
كانت قلوبهم مغلّقة تمامًا أمام الحق الواضح... وبرهنوا تمامًا على أنهم لا يستجيبون إطلاقًا مهما رأوا من معجزات... كما لم يؤمنوا أيضًا بكرازة التلاميذ. قيامة المسيح كانت ترعبهم، إذ كان وجوده يتعبهم ويكشفهم، وقد فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلّصوا منه وقتلوه"(210).
وموضوع سرقة التلاميذ للجسد يدخل ضرب المستحيلات وذلك للأسباب الآتية:
1ـ هذا كان مجرد إشاعة أشاعها رؤساء الكهنة، وانتشرت بين اليهود في القرون الأولى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي محاورة يوستين مع تريفو رقم 108 في القرن الثاني الميلادي نجد قول اليهود: "عن واحد اسمه يسوع جليلي مخادع صُلِب. ولكن تلاميذه سرقوا جسده ليلًا من القبر الذي وضعوه فيه بعد إنزاله من على الصليب، وأعلن التلاميذ أنه قام ثم صعد إلى السماء"(211). وفي دفاع ترتليان رقم 21 يقول: "وجِد القبر فارغًا إلاَّ من الأكفان، ولكن شيوخ اليهود الذين أرادوا إخضاع الناس لأفكارهم، نشروا الكذبة التي تقول: أن تلاميذه سرقوه، أو أن البستاني أخفى الجسـد حتـى لا يجيء الـزوار ويدوسوا على الخس الذي كان يزرعه في البستان"(212).
2ـ يقول الإنجيل: "حينئذٍ تَركَه التلاميذ كلهم وهَرَبوا" (مت 26: 56)، وبطرس المعروف بالجرأة خاف وأنكر وشتم وسب الاسم المملوء بركة، ومرقس عندما أرادوا الإمساك به ترك آزاره وهرب عريانًا، وعاد بعض التلاميذ إلى ذويهم، والبقية غاصت في أحضان العلية المُغلَّقة، وقد حلَّ بهم الخوف والرعدة والرعب، وقد فقدوا رجاؤهم في ملك إسرائيل... فكيف يقدر التلاميذ وهم في حالة نفسية سيئة كهذه أن يخططوا بين عشية وضحاها لسرقة الجسد رغم العوائق الصعبة التي تقف لهم بالمرصاد من جنود رومان مدجَّجين بالسلاح وحجر ضخم على فُم القبر... من أين أتتهم الشجاعة حتى يقتحموا موقعًا كهذا؟! ومن أين جاءتهم الشجاعة لتحطيم الأختام الرومانية وعقوبتها الموت المؤكد؟!
3ـ لم يكن التلاميذ من رجال العصابات وقطَّاع الطرق حتى يفكّروا في الانقضاض على الجنود الرومان المسلحين الأشداء، والأدهى من هذا كله أنهم يجدون الوقت الكافي لنزع الأكفان عن الجسد، وهي عملية في منتهى الصعوبة لالتصاق هذه الأكفان بالجسد بواسطة الأطياب والحنوط.
4ـ صُلِب السيد المسيح وقت عيد الفصح، وكانت أورشليم مكتظّة باليهود القادمين من كل حدب وصوب، وكانوا يقضون ليالي العيد السبع في تراتيل على ضوء القمر الساطع، سواء كانوا في خيامهم أو في سيرهم بالشوارع، فكيف يقدر التلاميذ على سرقة الجسد في هذا الزحام دون أن يراهم أحد وهم يحملون الجسد من القبر إلى أي مكان آخَر؟!
5ـ كانت عقوبة نوم الجندي الروماني في نوبة حراسته تعني الحكم عليه بالإعدام سواء بالسيف أو بإلقائه من على جبل مرتفع... فكيف يستهين ليس حارس واحد بل كل الحراس وحتى قائدهم إلى هذه الدرجة فينامون جميعًا؟! وكيف يفعلون ذلك ولديهم تحذيرًا مسبقًا بأن الجسد قد يتعرّض للسرقة ولذلك كانت حراستهم على القبر؟! ولماذا لم يتبعوا النظام السائد في دورات الحراسة بحيث ينام البعض ويظل البعض مستيقظًا؟!
6ـ كيف أمكن للتلاميذ دحرجة الحجر الضخم دون أن يستيقظ الحراس من غفوتهم؟! لقد أجرى اثنان من أساتذة كلية الهندسة بجامعة جورجيا دراسة على نوعية الأحجار التي كانت مستخدمة في زمن المسيح، فوجدوا أن وزن الحجر الذي يغلق فتحة القبر (4,5 × 5 م) يبلغ حوالي من 1,5 إلى 2 طن... تُرى يحتاج إلى كم رجل لرفعه؟! (راجع د. فريز صموئيل ـ قيامة المسيح حقيقة أم خدعة ص 159).
7ـ لو كان الجنود الرومان كلهم كانوا مستغرقين في النوم وقت سرقة الجسد مثل أهل الكهف، والضجيج الذي نتج عن دحرجة الحجر لم يوقظهم، فكيف عرفوا أن التلاميذ هم الذين سرقوه وليس شخص آخَر؟ ولو كان بعضهم مستيقظًا فلماذا لم يمنعوا التلاميذ من السرقة ويقبضون عليهم؟!.. يقول القديس أُغسطينوس عن هؤلاء الجنود: "إنهم إما كانوا نائمين أو مستيقظين، فلو كانوا مستيقظين لما سمحوا بسرقة الجسد، ولو كانوا نائمين لما استطاعوا أن يحكموا بأن الجسد قد سُرِق، وأن سارقيه هم التلاميذ. فإن النائم لا يدري بما يحدث من حوله! إنها أكذوبة تهدم نفسها، إذ أن نصفها الأول يكذّب نصفها الثاني لأن الحراس النائمين لا يمكنهم معرفة ما حدث. لقد كان العذر الذي ساقَه العسكر عذرًا سخيفًا، فكيف ينام كل الحراس؟ وكيف ينامون كلهم ونوبة الحراسة هذه هامة لأن هناك تحذيرًا مسبقًا من احتمال سرقة الجسد"(213).
8 ـ كيف نأخذ بشهادة الإنسان النائم، وهي مرفوضة قانونًا.
9ـ لو كان التلاميذ قد سرقوا الجسد فعلًا، فلماذا لم يُقاد الحراس للموت كما حدث للجنود الذين كانوا يحرسون بطرس (أربعة أرابع) وحكم عليهم هيرودس جميعًا بالقتل، وليس رجلًا بدل رجل؟!
10ـ ما الذي دفع التلاميذ لهذه المخاطرة؟ هل الدافع إكرام معلمهم؟.. كلاَّ لأن يوسف الرامي ونيقوديموس قد أكرموه وضخموا جسده بأطياب كثيرة، ووضعوه في قبر جديد.
11ـ لو كان التلاميذ قد نجحوا في الوصول إلى القبر وتحريك الحجر والدخول داخله والحراس نيام نوم الموت... ألم يكن من المنطقي أنهم يحملون الجسد ويهربون به بأقصى سرعة ممكنة؟!.. ما الداعي لنزع الأكفان عنه وهي عملية في منتهى الصعوبة وتستغرق وقتًا طويلًا؟! وهل التلاميذ الذين يحبون معلمهم إلى هذه الدرجة يرتضون أن يُعرّضوا جسده إلى مهانة العُري؟! وأيهما أسهل حمل الجسد بالأكفان الملتصقة به أم حمله عريانًا؟!.. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في القرن الرابع: إن الذي يسرق كان سيأخذ الجسد ملفوفًا بأكفانه، لا لكي يستر الجسد العزيز عليه فحسب بل ليسرع بالجسد ملفوفًا حتى لا يلقوا القبض عليه. إن المرَّ يلصق الكفـن بالجسم، فلم يكن هناك وقت لتخليص الجسد من كفّنه، وإن قصة سرقة الجسد غير معقولة. (راجع جوش مكدويل ـ برهان يتطلب قرارًا ص 286 ـ 287).
ويقول "جرينليف" أستاذ القانون: "إن يوحنا وهو يرى الأكفان صدَّق أنه قـام، فلا يمكن أن عدوًا أو صديقًا يترك المكان بمثل الترتيب الذي كان القبر عليه، لو أن جسد المسيح سُرِق منه"(214).
12ـ لو كان التلاميذ هم الذين نزعوا الأكفان وسرقوا الجسد... ألم يكن من المنطقي تمزيق هذه الأكفان بآلة حادة لإنهاء العمل بأقصى سرعة ممكنة؟! ولكن الأكفان وُجِدت كاملة موضوعة في القبر ملفوفة كما كانت بالضبط، وكأن جسد المسيح ما زال بداخلها، وهكذا المنديل كان ملفوفًا لوحده وكأن الرأس داخله، فلا شك أن هذه الأكفان هكذا هي شهادة في منتهى القوة لمن يفهم على قيامة المسيح إذ انسحب الجسد منها وهي كما هي، كما خرج من القبر وهو مُغلق، ودخل العلية وهي مُغلَّقة.
13ـ كيف يذيع التلاميذ قيامة المسيح، وأصلًا فكرة قيامته لم تكن تخطر لهم على بال، ورغم أن معلمهم حدثهم عنها مرارًا وتكرارًا لكنهم لم يفهموا ما هي القيامة من الأموات، فعقب التجلي حدثهم عن آلامه وقيامته: "وبعد أن يُقتَل يَقوم في اليوم الثالث. وأمَّا هُم فلم يفهَموا القول، وخافُوا أن يسألوه" (مر 9: 31، 32) ولذلك عندما سمعوا أنه قام لم يصدقوا النسوة: "فتراءى كلامَهنَّ لهم كالهَذَيان ولم يُصَدقُوهنَّ" (لو 24: 11)، "وبعد ذلك ظَهَر بهيئَةٍ أُخرى لاثنين منهم، وهُما يمشِيان مُنطَلقين إلى البريَّة. وذَهب هذان وأخْبَرا الباقين، فلم يُصَدِّقـوا ولا هذين" (مر 16: 12) ولذلك عندما ظهر لهم السيد المسيح وبّخهم بسبب عدم إيمانهـم: "أخيرًا ظَهَرَ للأحَدَ عَشَر وهم متَّكِئون، ووبَّخ عَدَم إيمانهم وقسَاوة قلوبهم، لأنهم لم يُصَدِّقوا الذين نَظروه قد قام" (مر 16: 14).
14ـ هل يُعقَل أن التلاميذ الذين تتلمذوا على يد أفضل مُعلّم، وتهذّبوا بيد أقنوم الحكمة ذاته، وتعلّموا الوداعة وحياة الفضيلة ومكارم الأخلاق أن يلجأوا إلى هذه الحيلة الدنيئة فيسرقون الجسد ويخدعون البشرية؟!.. وإن كان يهوذا الإسخريوطي من الاثني عشر وفعل فعلته الشنعاء فإن فاحص القلوب والكلى كان يعرفه وقال لتلاميذه: "أليسَ أني أختَرتُكم الاثني عشر؟ وواحِدٌ منكم شيطانٌ" (يو 6: 70) فبقوله واحد منكم شيطان ينفي هذه الصفة عن بقية التلاميذ.
15ـ لو قام التلاميذ بسرقة جسد المسيح... تُرى هل كان رؤساء الكهنة الذين اهتموا بضبط القبر يصمتون صمت الموت الرهيب؟! أيتركون التلاميذ يصولون ويجولون في المدينة المقدَّسة، وأكثر من هذا يوجّهون لهم تهمة قتل المسيح المسيا المنتظر؟!.. لماذا لم يقبضوا عليهم ويحاكمونهم؟!.. لماذا لم يشكونهم للوالي الروماني لكي يحكم عليهم كلصوص؟! وإن كانوا قد ضربوا من قِبَل الراعي فهل سيشفقون على الرعية؟! وإن كانوا فعلوا هكذا بالعود الأخضر فكم باليابس؟!.. بل إننا نرى ما يحدث عجبًا إذ بدلًا من القبض على التلاميذ بتهمة السرقة ونبش القبور نرى بعض كهنة اليهود يؤمنون بالمسيح القائم من الأموات.
16ـ القول بأن التلاميذ سرقوا الجسد هو مجرّد إتهام بلا دليل، فأين هو جسم الجريمة؟ وهل يصعب على القيادات اليهودية وتضافُر السلطات الرومانية معها العثور على الجسد المسروق؟!.. أنهم يستطيعون نبش كل شبر في أورشليم حتى يعثروا عليه.
17ـ كيف يُصدّق التلاميذ قصة هي من اختراعهم؟! وكيف يتحمّلون في سبيلها شتى أنواع الآلام الشنيعة وشتى أنواع العذابات، ويقدِّمون أنفسهم فدية من أجل هذه الكذبة؟ هل هم أغبياء إلى هذه الدرجة التي يقدّمون فيها ذواتهم للموت ثمنًا لقصة ملفّقة؟
18ـ لو كانت القيامة خدعة وقد سرق التلاميذ جسد المسيح وادعوا قيامته، فكيف تشهد السماء لجماعة من اللصوص، وتؤيدهم بالمعجزات الباهرات؟
19ـ كثيـر من علماء اليهود يرفضون هذه النظرية، فيقول جوش مكدويل: "إن كثيرًا من علماء اليهود اليوم يرفضون فكرة سرقة التلاميذ للجسد، قال اليهودي "كلاونز": إن التلاميذ كانوا أشرف من أن يأتوا بمثل هذه الخديعة"(215). ويقول فرانك موريسون: "إن كانت هذه الأكذوبة الجريئة على شيء من الحق. فكيف استطاعت الكنيسة المسيحية الأولى أن ترفع رأسها، وتقيم دعامتها وتشق طريقها في بحر خضم من الاضطهاد والآلام، كيف يتم كل هذا على أساس واهٍ يعلّم الرسل الأحد عشر أنه أكذوبة مختلفة صاغوها بأيديهم"(216).
افترض كلاوزنر Joseph Klausner أن يوسف الرامي نقل جسد يسوع إلى مكان آخَر أكثر ملائمة، وقال البعض أن يوسف الرامي قد وضع جسد يسوع في قبره الخاص بصفة مؤقتة لأن السبت كان قد لاح على أن ينقله إلى مكان آخَر بعد انقضاء السبـت، وقال آخرون أن يوسف كان قد وضع جسد يسوع في قبره بصفة مستديمة، ولكنه اكتشف أن الزيارات الكثيرة ستتلف البستان وتؤدي إلى تبويره، ولذلك قام بنقله إلى قبر آخَر، ولو صح هذا الادعاء بأن يوسف الرامي نقل الجسد لسبب أو لآخَر فإننا سنقف أمام الأسئلة الآتية:
1ـ بعد أن مرَّ السبت كان الجسد ما زال موجودًا في القبر، بدليل أن الحراسة كانت قد تعيَّنت عليه، وهذا دليل على أن يوسف لم يكن قد أخذ الجسد بعد، وفي فجر اليوم التالي قام المسيح وخرج من قبره، وبالطبع لم يصل إليه يوسف الرامي بعد قيامته ليضعه في قبر جديد.
2ـ عندما ذهب يوسف الرامي إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع، فهو بهذا العمل استنكر واستهجن عمل مجلس السنهدريم والأمة اليهودية، وهذا بلا شك أثار غضب واستياء واحتقار القيادات الدينية له، وفي كل هذا كان يوسف يقامر بمركزه الاجتماعي، فهل بعد أن ضحّى بكل هذا من أجل يسوع يلتفت إلى قبر ويستكثره على يسوع المسيح؟! ويقول فرانك موريسون المحامي: "فهل يُعقل أن يفرض على نفسه هذه العقوبات الشائنة من احتقار زملائه القدماء، وإثارة عداء الكهنة ضده، وعار اتباعه لنبي مصلوب مُهان. ثم يخلع عنه هذا الشرف ولم تمضِ عليه ست وثلاثون ساعـة؟ لا أظن هذا ما يسيغه العقل أو يُسلّم به علم النفس"(217).
3 ـ كان يوسف رجلًا مشيرًا شريفًا (مر 15: 43) كريمًا وقد تخلى عن قبره بإرادته وبطيب خاطر، ووهبه للسيد المسيح ليُدفَن فيه، فهل بعد هذا يتراجع فيما وهب ويسترد القبر ثانية، وأكثر من هذا يفعل هذا تحت جناح الليل، العمل الـذي يناسـب لصوص المقابر ويتعارض تمامًا مع كرامة وأخلاق يوسف الرامي؟!
4ـ من أين أتت الزيارات الكثيرة قبل القيامة والتلاميذ كانوا في رعبة الموت؟!.. لم يتجرأ على زيارة القبر سوى بضعة نسوة لا يزيد عددهنَّ عن أصابع اليد الواحدة، فهل هؤلاء النسوة الرقيقات كن سيتلفن البستان؟! وعندما ذهبن صباح الأحد لم يجدن الجسد لأنه قد قام، فهل كان يوسف الرامي نبيًا عَلِم بمَقدم هؤلاء النسوة ولذلك قام بنقل الجسد قبل أن يأتينَّ إلى القبر؟!
5ـ كيف استطاع يوسف الرامي سواء بمفرده أو بصحبة بعض أتباعه أن يحرك الحجر دون أن يحدث أي صوت في هدوء وسكون الليل البهيم، وحتى لا يستيقظ الحراس من غفوتهم على افتراض أنهم كانوا نائمين وهو افتراض صعب التحقق؟!
6ـ لو افترضنا أن يوسف وصل إلى القبر ونجح في دحرجة الحجر ودخل إلى أحشاء القبر فلماذا لم يحمل الجسد بالأكفان؟! لماذا جرَّد الجسد من الأكفان؟ وهل ليكفّنه بأكفان أخرى؟! يقول فرانك موريسون: "علينا أن نُصوّر لأنفسنا فريقًا من الناس يعملون على ضوء المصابيح أو المشاعل في ظروف تحيط بها صعاب جمة، يتحسَّسون طريقهم في مناطق معتمة وراء أسوار المدينة حاملين بين أيديهم جسدًا ثقيلًا ـ ربما لمسافة بعيدة ـ لإيداعه مثوى آخَر. ونحن نتصورهم يُعنَون أولًا بتجريد الجسد من أكفانه، تاركين إياه في القبر، وبعد إما يلفونه في أكفان جديدة غير التي ابتاعوها وأنفقوا عليها في الدفن الأول، وإما ينقلون الجسد عاريًا إلى مثواه الأخير، ونتصوَّر أيضًا أنهم نسوا إغلاق القبر القديم، أو ربما لم يريدوا إضاعة الوقت في ذلك"(218).
7ـ ولو افترضنا أن يوسف نقل جسد يسوع إلى قبر آخَر فلماذا لم يخبر التلاميذ وذويه بهذا؟!، ولو افترضنا أنه لم يخبرهم بهذا، فعندما سمع أنهم ينادون بقيامته فلماذا لم يواجههم بالحقيقة، وأنه قد نقل جسده إلى قبر آخَر، وهو ما زال به للآن؟!
ادعى البعض بأن بيلاطس نقل الجسد نكاية في اليهود الذين أرغموه على صلب المسيح، ويقف أمام هذا الادعاء التساؤلات الآتية:
1ـ كان الأجدر ببيلاطس لكيما يغيظ اليهود أن يرسل رجال مخابراته ويخطفون يسوع ويخفيه عن أعين اليهود قبل القبض عليه، أو يحكم بسجنه، أو يحكم بإطلاقـه، ولا يحكم بصلبه وهو يعلم تمامًا ببراءته، وأن اليهود أسلموه حسدًا، فالحقيقة أن بيلاطس اهتم بإرضاء اليهود لكيما يحافظ على ثبات ودوام كرسيه، ولو كان ذلك على حساب دم المسيح البريء.
2ـ هل يُعقَل أنه بعد أن منح بيلاطس الإذن ليوسف بأن يتسلم الجسد ويدفنه، يعود ويأخذ الجسد من قبره لكيما يدفنه في قبر آخَر؟!
3ـ كان من عادة الرومان عدم الاهتمام بالمصلوبين حتى أن جثثهم كانت تُترك على الصليب للطيور الجارحة، فما هو الدافع لإخراج جسد يسوع لإعادة دفنه في مكان آخَر؟!
4ـ لو كان بيلاطس أو غيره نقلوا الجسد إلى قبر آخَر، فعندما نادى التلاميذ بالقيامة، فلماذا لم يُكذّبوا التلاميذ ويعاقبونهم ويعلنون الحقيقة للجميع؟!
وهذا أيضًا أمر لا يوافق عليه إنسان عاقل للأسباب الآتية:
1ـ كان القمر بدرًا والحراسة مشدَّدة على القبر والأختام الرومانية على الحجر، وحتى لو اختفى القمر فإن اللصوص سيضطرون لحمل المصابيح، بالإضافـة إلى جلبة دحرجة الحجر الضخم، مما سيوقظ الحراس لو افترضنا نومهم، وحتمًا سيقبضون على هؤلاء اللصوص.
2ـ لو كان اللصوص اقتحموا القبر طمعًا في الأكفان الثمينة، فلماذا تركوا هذه الأكفان كما هي، وسرقوا الجسد بدون الأكفان. يقول القديس بطرس السدمنتي: "اعلم أنه لو سرقه سارق (غير التلاميذ) لكانت رغبته في هذه الثياب الثمينة والحنوط الكثيرة أكثر من أخذه الجسد دون القماش... أما التلاميذ فلا يصح لهم أخذه عريانًا!! إذ كانوا لا يودون إهانته بل إكرامه"(219).
_____
(210) تأملات في القيامة طبعة مارس 2003 ص 36، 37.
(211) جوش مكدويل ـ برهان يتطلب قرارًا ص 282.
(212) المرجع السابق ص 282.
(213) جوش مكدويل ـ برهان يتطلب قرارًا ص 285.
(214) جوش مكدويل ـ برهان يتطلب قرارًا ص 287.
(215) برهان يتطلب قرارًا ص 289.
(216) فرانك موريسون ـ مَن دحرج الحجر؟ ص 4.
(217) فرانك موريسون ـ من دحرج الحجر؟ ترجمة حبيب سعيد ص 78.
(218) فرانك موريسون ـ من دحرج الحجر؟ ص 75.
(219) أورده القمص إبراهيم جبره ـ قيامة المسيح أكاذيب وحقائق ص 11.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/disciples-stealing-body.html
تقصير الرابط:
tak.la/fnm6b92