الفصل الرابع والعشرون: كنيسة السينتولوجي
تأسَّس هذا المذهب المنحرف في الخمسينات، وبدأ يزدهر في الستينات، واستمد مبادئه من السيكولوجية البابوية Pop Sychalogy وأفكار التصوف والديانات الشرقية القديمة والتفكير الإيجابي، ويعتمد على الخضوع التام للقيادات التي تتبع منهجًا فاشستيًا، ولذلك يدعونه مذهب " تحويل العقل " Mind altering رغم ما يقيمه هذا المذهب من حلقات البحث والدراسة (السيمينارات) والخلوات الرياضية والروحية.
وقام بتأسيس هذا المذهب " لافيت رونالد هوبارد " Ronold Hubard (1911 – 1986م) الذي وُلِد في بلدة " نبرسكا " Nebraska، وعندما شبَّ زار مع والده شمال الصين والهند واطلع على ثقافات تلك البلدان، وعاش هوبارد نباتيًا لا يأكل اللحوم لأنه يعتقد أن الأرواح تقيم في اللحوم، فالحيوان يمثل دورة ثانية للحياة فلا يصح قتله ولا ذبحه، واجتهد في تفسير الصلة بين الإنسان والنبات، ويعتبر هوبارد من أبطال البحرية الأمريكية حيث شارك في الحرب العالمية الثانية لمدة خمس سنوات، وخرج منها مشلولًا وشبه أعمى ولكنه استعاد صحته، وعمل هوبارد كاتبًا للخيال العلمي، فكتب أكثر من 800 كتاب ومقالة ونبذة، طُبع منها نحو 90 مليون نسخة، وتُرجمت أعماله إلى 31 لغة ولهجة، وحصل على الميدالية الذهبية الأكاديمية للفنون والآداب الفرنسية، كما حصل على مكافأة من رابطة العلوم والرسائل والآداب الإيطالية اللاتينية.
وادعى هوبارد أنه قام بأبحاث علمية طويلة للتوصل إلى أسرار العقل الفعال Reactive Mind (وينشأ العقل الفعال من الضغوط والآلام التي يتعرض لها الإنسان كما سنرى فيما بعد) ووضع هوبارد نظرية " الديانتكس " Dianetices التي تختص بعلاج الصحة العقلية، وسجل نظريته هذه في كتاب مكون من 435 صفحة في أوائل الخمسينات، ويعتبره أصحاب هذا المذهب أنه الإنجيل الخاص بهم Gospel Dianetices حيث يناقش فيه كيفية الوصول إلى الصحة العقلية عن طريق ممارسات وجلسات معينة، وتم توزيع أكثر من 9 مليون نسخة من هذا الكتاب، بالرغم من أنه يحتوي في أحشائه نحو 3000 اصطلاح يحتاج لتفسير، مما دفع كنيسة الساينتولوجي إلى نشر قاموس خاص يشمل 7000 اصطلاح ومعانيها.
لقد أسَّس هوبارد هذا المذهب كمذهب علمي نفسي خاطئ، فواجه مشاكل جمة وانتقادات شديدة لأنه أنشأ مدارس طبية شعبية غير مؤهلة علميًا، ومنح درجات علمية زائفة. لذلك قرر هوبارد سنة 1955م بذكاء شيطاني أن يحول نشاطه إلى نشاط ديني، حتى يتخلص من الانتقادات، ويتهرب من الضرائب، وادعى هوبارد أنه زار السماء مرتين، في المرة الأولى وجدها عامرة لها بوابات حسنة، وطريقًا يقف على جانبيه تماثيل للقديسين. أما في المرة الثانية فوجدها خرابًا.
ومعنى سينتولوجي " كيف تعرف؟ " How to know ? فالسينتولوجي في نظرهم هو الشخص الذي يعرف ويتحقق أنه وجد الطريق إلى حياة أفضل، والسينتولوجي يساعدك من خلال الجلسات المدفوعة الأجر في تحسين علاقاتك بالآخرين، فتجد الانسجام في حياتك الروحية، والتفاهم مع أبنائك، ويعلمك كيف تحسن أداء عملك، وكيف تتخلص من القلق... إلخ وبالتالي تعيش في سعادة أكثر، وكما قال هوبارد في مقدمة كتابه " الديانتكس " أنه مُكرَّس ومُهدىَ لمساعدة الأفراد ليقودهم إلى حياة سعيدة وأكثر إنتاجية.
ولكنيسة السينتولوجي مركزًا في طريق فرانكلين بهوليود عليه لافتة " المركز الأول الشهير – واحة الحرية الخلاقة – مركز التحرير " حيث يستقبلون الزائرين ليقوموا بعملية " غسل مخ " لهم والاستحواذ عليهم عن طريق الأفلام واللقاءات والإستبيان الذي يصل إلى نحو 250 سؤالًا، ويرفعون شعار " إننا مسئولون عن تخليصكم من رواسب الماضي وإعطائكم الجلاء أو الصفاء الروحي " وسار في ركابهم عدد كبير وصل إلى أكثر من 600 ألف عضو يصلون في 600 كنيسة، بالإضافة إلى نحو أكثر من ستة ملايين في 35 دولة يتعاطفون معهم، واجتذبوا عددًا من مشاهير السينما مثل " جون ترافولتا " و"كللي برستون" وغيرهما.
ويعمل بكنائس السينتلوجي عدد من البُحَّاث المتفرغين، الذين يرتدون ملابس خاصة ذات ياقات بيضاء مثل القسوس الأسقفيين أو الإصلاح، ويدَّعون أنهم مسيحيون ويعرضون على من يلاقونهم إجراء تحليلًا لشخصياتهم Free Personality analysis لتحديد مقابل الذكاء، وذلك بدون مقابل. ثم يعقدون الجلسات لهؤلاء الذين سقطوا في المصيدة مقابل أجر مادي مرتفع، فالجلسة التي تستغرق ساعة قد تكلف الشخص 300 دولار أو أكثر، وبهذا ارتفع دخل هذه الكنائس مما دفع هوبارد للإشراف المالي الكامل على هذه المؤسسات الخادعة.
وتتلخص فلسفة هذا المذهب السينتولوجي في محاولة تخليص الإنسان مما لحق به من ضغوط أثناء تواجده في أحشاء أمه بالإضافة إلى الأرواح الشريرة، فيقول رونالد هوبارد " إن عقليات البشر مضغوط عليها، مُغلقة من تحقيق طاقاتهم الكاملة بسبب الأثر الناجم عن ضغوط قبل الولادة أثناء وجودهم في الرحم، التي يعريها السينتولوجي، ويخرج المعضلات الموجودة قبل الولادة، بالإضافة إلى السيتانز Thetans وهي الأرواح الخالدة التي طُرحت للأرض منذ 75 مليون سنة ماضية " (188).
فوظيفة السينتولوجي هي إزالة المخلفات الماضية والعواطف المعلقة من خلال الجلسات التي تشبه جلسات الاعتراف في الكنيسة، فالشخص يجيب على أسئلة السينتولوجي، ويظل يفرغ ما بداخله، وهو ما يسمى بالإنجرام Engrams، ويقول " وليم بترسون " William Peterson عن مذهب السنتولوجي أنه " التحام غريب لتحليل نفس ساذج في تفكير إيجابي وتدريب حساس مع بعض التعاليم " (189).
ومازال مذهب السنتولوجي مستمرًا، رغم ما وجده من رفض شديد، ففي سنة 1963م شنت " هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية " F.D هجومًا شديدًا على هذا المذهب، وفي سنة 1967م هاجم مستر " كينث روبرسون " وزير الصحة البريطانية هذا المذهب هجومًا شرسًا في مجلس العموم البريطاني، متهمًا إياه بأنه يحطم الترابط الأسري، ويؤدي إلى تفكك المجتمع، لأن الشخص السينتولوجي لا يحتمل النقد، ولذلك يصف أتباع هذا المذهب من ينتقدهم بأحقر وأقذر الصفات والدوافع الشريرة، وإن الذين يخضعون لهم يتعرضون للخطر، ومنعت بريطانيا دخول السينتولوجيين إليها سواء للعمل أو للدراسة في المنشآت والمنظمات السينتولوجية لمدة ثلاثة عشر عامًا، ويقول المدير التنفيذي لشبكة التحذيرات من المذاهب المنحرفة " يحتمل أن يكون السينتولوجي أكثر المذاهب المنحرفة قوة وضراوة وإرهابية، وأكثرها ابتزازًا لأعضائها في مختلف البلاد " (190) وقال " فيكي ازنراه " Wichi Aznarah القائد السابق لأحد فروع كنيسة السنتولوجي " أنها منظمة إجرامية، يوما تمارس نشاطها بالداخل، ويومًا آخر تمارسه بالخارج " (191). أما الإبن الأكبر لرونالد هوبارد هو " رونالد دي ولف " Ronald E. De Wolf فقد ترك الجماعة وعاد إلى أحضان الإيمان المسيحي وكشف عن خداع وفضائح أبيه الذي كان له عدد من المحظيات، وكان يمارس السحر الأسود... ويقول رجال الطب أن الذي يلجأ إلى جلسات السنتولوجي من أشخاص المهزوزين نفسيًا والضعفاء والقلقين والمرتبكين والانطوائيين والمرضى عاطفيًا...
وفي 24 يناير 1986م مات لافيت رونالد هوبارد ذاك الذي أعلن نفسه أنه رأس كنيسة السينتولوجي ونبيها الأوحد، بعد أن أمضى السنتين الأخيرتين من حياته في عزلة تامة في مزرعته بكاليفورنيا، وتولى من بعده هربير جينتوسكي Heber C. Jentzach الذي أراد تغيير الصورة، ومع ذلك فهو حافظ على المبادئ الرئيسية للسينتولوجي.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
من أهم مبادئ هذا المذهب المنحرف ما يلي:
1- الله غير معروف بالنسبة للسينتولوجي، فهم يعتقدون بتعدد الآلهة، وأنه يوجد آلهة وراء الكون، ويوجد إله فوق كل هذه الآلهة.
2- إن الجنس البشري متحرر من سلالة آلهة غير مخلوقة كلية القدرة يُطلق عليها زيتانز Theetans، ووظيفة السينتولوجي إيقاظ الطاقات الإلهية الكامنة في الإنسان، وذلك بإزالة الإنجرام وهي الضغوط السابقة والعواطف المعلقة.
3- يقولون أنه منذ نحو ألفي وخمسمائة عام كان الصفاء والجلاء يسودان العالم، وظهرت أفكار بوذا والعهد القديم والمسيح يسوع كظلال لهذا الصفاء. كما يعتبر أصحاب هذا المذهب أنهم الوريث الوحيد للبوذية في العالم الغربي.
4- يتكون الإنسان في نظرهم من أربعة أجزاء هي:
أ - الروح الخالدة (التيتان): وهي التي تراقب الشخص وكل تصرفاته، وتنتقل من جسد إلى آخر عن طريق التناسخ، فهم يؤمنون بتناسخ الأرواح.
ب - الجسم الطبيعي: فالروح الخالدة تدخل لهذا الجسم الطبيعي من خلال العمل والتصوُّر.
ج - العقل التحليلي أو الشعور تحت الظروف العادية: الذي يجعل الإنسان يعمل بصورة طبيعية عادية، فالإنسان السوي هو الذي يعمل عقله التحليلي بصورة طبيعية.
د - العقل الفعال: الذي ينشأ من الضغوط والآلام والإصابات التي يتعرض لها الإنسان في هذه الحياة أو في حياة سابقة، والعقل الفعال يجعل الإنسان يقطع صلته بالعقل التحليلي، وعندئذ يستحوذ العقل الفعال على مشاعر الإنسان مُسجلًا اختبارات سيئة وهو ما يدعونه بالإنجرامز، وهذه الخبرات السيئة تؤدي إلى حدوث فوضى لدى الإنسان أو اعتلال جسده أو دخوله في أمراض نفسية، وتزداد المشكلة سوءًا كلما ازدادت مرات التناسخ، لأن الروح الخالدة (التيتان) تدخل إلى الجسم الجديد وهي تحمل كل الإنجرام من آلاف السنين.
5- الإنسان في أساسه صالح، ولكن المشاكل تأتيه من خبراته السابقة، ولا يوجد أي شخص يستطيع أن يموت عن خطايا الإنسان، بل لابد من موت الخاطئ نفسه. أي أنهم ينكرون عقيدة الفداء.
6- يعتقدون أن الإنسان يحصل على الخلاص من خلال مجموعة متتالية من المناهج وجلسات السينتولوجي، ولكيما يصل الإنسان إلى الحرية الكلية يجوز في ثمانية درجات حتى يصل إلى الصفاء التام والجلاء الكامل.
7- يحاول السينتولوجيون أن تكون لهم الواجهة البراقة، لذلك يرفضون العلاقات غير الشرعية، ويتحاشون استخدام العقاقير، ويظهرون خدمتهم لذوي الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من عاهات مستديمة، ومع هذا فإنهم يعادون بشدة من ينتقدهم، حتى أنهم قد يسفكون دمه ويسلبون أمواله، فيقولون " حاول أن تهز البركانات المختزنة في عقلك الباطن، حاول أن تحلق وتشق طريقك إلى النجاح، حتى وإن اضطريت أن تسحق أي شخص يقف في طريقك " (192).
_____
(188) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 50.
(189) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 50.
(190) المرجع السابق ص 55.
(191) المرجع السابق ص 55.
(192) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 58.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/scientology.html
تقصير الرابط:
tak.la/p8qkhzv