وُلِد منصور St. Vincent De Paul (سانت فينسينت دي پول: فنسنت باول) في قرية "بَّوي" الصغيرة في جنوبي غربي فرنسا سنة 1581م في أسرة فقيرة من أب يدعى "جان دي بول" الذي كان يعانى شيئًا من العرج ولكنه لم يكف عن العمل الكادح ليوفر لأسرته لقمة العيش الضرورية من خبز الذرة، وقام منصور في بداية حياته بمساعدة أبوه الفلاح وذلك برعي الخنازير والغنم والبقر، وكان محبًا للفقراء حتى أنه وهو في العاشرة من عمره وهب كل ما يملك وهو مبلغ ثلاثون قرشًا لأحد المعوزين.
التحق بالمدرسة في سن الثانية عشر بفضل القاضي "دي كوما" الذي لمح ذكاءه فتفاهم مع أبيه ليرسله للمدرسة فتفوق في دراسته، وعندما دخل جامعة "تولوز" لدراسة اللاهوت وآداب اللغة لمدة سبع سنوات اضطر أباه إلى بيع زوج بقر ليوفر له مصاريف الدراسة. ثم قام منصور بإدارة بيت للطلبة المغتربين فكان يصرف على نفسه وعلى دراسته مما يتقاضاه من النزلاء.
قبِل منصور رتبة الشموسية سنة 1598م، وسيم كاهنًا سنة 1600م وله من العمر تسعة عشر عامًا، وفي سنة 1605م تركت له إحدى السيدات ميراثها وكان لها دين على أحد الأشخاص الذي هرب إلى " كستر"، فأستأجر الأب منصور حصانًا وذهب وراء هذا الشخص ليسترد منه الدين، وبعد أن وصل إلى كستر علم أن هذا الشخص ذهب إلى مارسيليا فباع الحصان الذي استأجره وذهب وراءه إلى مارسيليا، وأرغمه على سداد الدين، وفي طريق عودته بحرًا هاجم قراصنة البحار السفينة التي يستقلها وقتلوا ثلاثة من الركاب وجرحوا البعض ومنهم الأب منصور الذي جُرح بسهم في فخذه، واستولى القراصنة على السفينة بمن فيها، وباعوا الركاب كعبيد في تونس، فاشتراه صياد سمك عجوز ثم باعه لرجل عجوز آخر مسلم أمضى عمره في الحلم بتحويل سبائك
المعادن إلى ذهب فكان منصور يغزى النار لعشرة أفران، وكان الرجل يُرغِبهُ في الشريعة الإسلامية لقاء ثروته كلها.
وفي سنة 1606م دُعيَ الرجل العجوز إلى قصر السلطان، فترك منصور مع ابن أخيه الذي باعه لأحد المسيحيّين الأوربيّين الذين اعتنقوا الإسلام وكأن متزوجًا بثلاث نساء إحدهنَّ تركية الأصل فكانت تسأل منصور في أمور دينه حتى اقتنعت وأقنعت زوجها بالعودة إلى مسيحيته، فترك الرجل تونس وعاد مع أسرته ومنصور إلى مدينة " افينيون " بفرنسا، وقدم توبة أمام النائب البابوي. أما منصور فقد نال إعجاب النائب البابوي فصحبه معه إلى روما حيث التقى بالبابا بولس الخامس فأرسله إلى " هنريكوس الرابع " ملك فرنسا الذي جعله مرشدًا لزوجته التقيَّة " مرغو"، فكان يساعدها في توزيع الصدقات على الفقراء. أما الأب منصور فكان يشتهى الغنى لكيما يعطى الفقراء المحتاجين.
في سنة 1610م ذهب منصور إلى مستشفى المحبة بباريس وكان معه 15 ألف ليرة قدمها معونة للمستشفى، وكان هناك كاهنًا يعمل في خدمة الملكة مرغو وقد انتابته الهواجس والشكوك، وفشل منصور في محاولة إعادته إلى هدوئه، فصلى لله أن يرفع هذه الشكوك عن هذا الكاهن وأن يتحملها هو، وفعلًا انتابته الشكوك لمدة أربع سنوات، فكتب قانون الإيمان ووضعه على صدره وكان يشير إليه بيده للتدليل أمام نفسه على أنه ما زال يحتفظ بإيمانه، وأخيرًا وعد الله بأنه لو هدأت هذه العاصفة فإنه سينذر نفسه لخدمة الفقراء فهدأت العاصفة عنه. [تعليق: من المقبول أن يرفع الله الخطية أو الشك عن إنسان ساقط، ولكن ليس من المقبول أن يسلم الله أحد أولاده المخلصين للشكوك مقابل أن يرفع هذا الشك عن آخر].
عمل الأب منصور مرشدًا عامًا للمساجين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة والذين كانت تستغلهم الدولة الفرنسية في التجديف على السفن البحرية الملكية، فكانوا يعيشون في ظروف سيئة للغاية فالسجون مظلمة وضيقة وسيئة التهوية تزدحم بها الحشرات، وكل اثنين من المساجين مُكبَلين معًا فطالب الأب منصور بنقلهم إلى مكان أفضل، وكان السجين يُثبَّت إلى مقعده ليجدف وهو عاري الكتفين بلا توقف وإلاَّ فالسياط تلهب ظهره فطالب بتحسين المعاملة، وأخذ يعظ المسجونين. بل أنه استطاع أن ينقل الفتيان المحكوم عليهم بالسجن إلى جناح خاص بدير القديس لعازر وعيَّن لهم أخوة وكهنة يرعونهم ويهذبونهم حتى انخرط كثير منهم بعد انتهاء فترة سجنه في سلك الرهبنة اللعازرية.
ذاع صيت الأب منصور فعندما دنى أجل الملك لويس الثالث عشر طلبه ليكون بجواره ساعة انتقاله، وبعد انتقاله تمسكت الملكة آن دوتريسن بوجوده بجوارها ليكون مرشدًا ومعينًا لها فلبى الدعوة، فكانت الملكة خير مُعين له في تحقيق أهدافه في خدمة المحتاجين.
اهتم الأب منصور باللقطاء أبناء الخطية الذين كانوا يلقونهم أمام أبواب الكنائس حتى وصل عددهم في باريس إلى نحو 400 طفل سنويًا تجمعهم الشرطة وتُودِعهم "مستشفى الثالوث" فيتعرضون للموت بسبب الإهمال الشديد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكان البعض يأخذ بعض من هؤلاء الأطفال ويعتني بهم لكيما يبيعهم بثلاثين ليرة للطفل الواحد، وكان البعض يستغل هؤلاء الأطفال في التسول فيقطعون أحد أطرافهم أو أكثر ليثيروا شفقة الناس نحوهم، فبنى الأب منصور لهم بيوتًا تابعة لراهبات المحبة وأهتم بهم.
زاد عدد المتسولين في فرنسا حتى كان في باريس فقط 40 ألف متسول، وقد فشلت كل الجهود لمنعهم من التسول، فأنشأ الأب منصور ملجأ لهم وأهتم بهم.
دارت حرب الثلاثين عامًا بين فرنسا من جانب والنمسا وأسبانيا وهولندا من جانب آخر، فتخرَّبت الديار، وتشرَّدت الأسر، وعمَّت المجاعات الشديدة حتى أكلت الأم ابنها، وتفشَّت الأمراض، فتقدم الأب منصور وجمع التبرعات حتى صار دير القديس لعازر الضخم مخزنًا ضخمًا للمواد الغذائية فكان يوزع الطعام يوميًا على 15 ألف شخص، وآوى بالدير ستمائة فتاة لحمايتهنَّ من الاعتداء عليهنَّ، وأرسل مع معاونيه الأموال للمناطق المنكوبة في اللورين.
في سنة 1631م افتتح الأب منصور ديرًا في روما وأرسل خمسة كهنة لوعظ الشعب ولا سيما أن العنف كان متفشيًا بصورة بشعة في الريف الإيطالي، فكل مشادة يُسكِتها صوت البنادق أو طعنات الخناجر، وكل شخص كان يتقلد سلاحه حتى الكهنة الإيطاليّين أيضًا كانوا يحملون الأسلحة، فوعظ الآباء اللعازريين هذا الشعب العنيف فتخلى أفراده عن السلاح وصاروا يُحكّمون الآباء اللعازيين في المنازعات.
وفي جزيرة مدغشقر كان هناك شركة هندية تحتكر التجارة فطلبت من السفير البابوي إرسال كهنة لعازريّين لخدمة الجالية الفرنسية، فأسرع الأب منصور بإرسال بعض الآباء فعلَّموا شعب الجزيرة الذين كانت ديانتهم مزيجًا من اليهودية والوثنية والإسلام والسحر فنجح الآباء اللعازيّين في نشر المسيحية في هذه الجزيرة.
كما أرسل الأب منصور بعض من كهنته إلى تونس والجزائر لإنقاذ المسافرين الذين تعرضوا للأسر من قراصنة البحر وعُرِضوا للبيع كعبيد في تلك البلدان حتى وصل عدد هؤلاء إلى نحو ثلاثين ألف شخص، فكان الكهنة يشترونهم ويحرّرونهم، فكان ثمن الشاب يتراوح من تسعمائة إلى ألف وخمسمائة ليرة، ويصل ثمن الشابة إلى ثلاثة آلاف من الليرات حتى أنقذوا نحو ألف شخص من الثلاثين ألف.
أمضى الأب منصور في دير اللعازريّين نحو 30 سنة يدير شئون أبنائه من الآباء اللعازريين وبناته من راهبات المحبة في كل مكان، وكتب 30 ألف رسالة سلّم منها ثلاثة آلاف فقط، وعاش حتى سن الخامسة والتسعين وكان يقول أنني من أجل المحبة مُستَعد وأنا في هذه السن أن أذهب إلى الهند حتى ولو لفظت أنفاسي في الطريق.
سنة 1773م أصدر البابا اكليمنضس الرابع عشر قرارًا بإلغاء الرهبانية اليسوعية "الجزويت" لتصاعد نفوذهم الديني والمدني (فظل القرار ساريًا حتى سنة 1814 م.)، وفي سنة 1782م عيَّن البابا بيوس السادس رهبانية الآباء اللعازريين خلفًا لرهبانية الجزويت في الشرق الأوسط، فأسَّس الآباء اللعازريّين ثمانية أديرة في الشرق الأوسط منها خمسة في لبنان وواحد في سوريا وواحد في الإسكندرية وواحد في الأراضي المقدسة. أما عدد الآباء اللعازيّين الآن فيربو عن الخمسة والثلاثين ألفًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/saint-vincent-de-paul-mansour.html
تقصير الرابط:
tak.la/4vqbvf2