س 76 : ما هو المصدر "Q" الذي دعاه بعض النقّاد بالإنجيل المفقود؟ وما هيَ محتوياته؟ وأين هو؟ وهل يوجد دليل قاطع على حقيقة المصدر "Q"؟ وهل نقبل المصدر "Q" كمصدر جزئي لإنجيلي متى ولوقا؟
استقر معظم الدارسين أن هناك مصدر آخر غير "إنجيل مرقس" استقى منه كل من متى ولوقا، ولعجزهم عن معرفة هذا المصدر لذلك دعـوه باسم "Q" وهو الحرف الأول من الكلمة الألمانية "Quelle" أي "مصدر". وقال البعض أن هذا المصدر حوى أقوال السيد المسيح وبعض الروايات الإنجيلية، بينما قال البعض الآخر أن هذا المصدر حوى فقط أقوال السيد المسيح، وجــاء فـي "دائرة المعارف الكتابية": " المصدر الثاني، والذي يُعرف الآن بِالاسم "Q "، ظهر أولًا نتيجة فحص المادة التي لا يحتويها الإنجيل الثاني، ولكنها موجودة في متى ولوقا، وبينما توجد اختلافات حول طبيعة هذا المصدر الثاني، يوجد شبه اتفاق على وجوده، ولكن لا يوجد اتفاق عما إذا كان هذا المصدر قد احتوى على رواية الأحداث وكذلك الأقوال، أو أنه كـان سجــلًا للأقوال فقط (والرأي الأول، يعتبرونه الأرجح)، كما لا يوجد اتفاق عما إذا كان قد احتوى على رواية أحداث أسبوع الآلام (أنظر موفات بخصوص الآراء المختلفة عن Q). وبينما توجد اختلافات في وجهات النظر حول هذه النقاط وغيرها، فإن الاتجاه العام هو قبول نظرية "المصدرين" في صورة من الصور، لتعليل الظواهر الموجودة في هذه الأناجيل" (546).
وقال النقّاد أن هذا المصدر " Q " الذي استقى منه كل من متى ولوقا قد فُقد ونُسي من الذاكرة المسيحية، ولكن جزء كبير منه حُفظ في إنجيلي متى ولوقــا، ويقــول الناقد "بيرتون ل. ماك": "فإنجيل أقواله (Q) الذي بين أيديهم كان كافيًا تمامًا للحركة اليسوعية كما فهموها. وحتى بعد أن أصبحت الأناجيل السردية سائدة، كان إنجيل الأقوال لا يزال معتمدًا، وما زال يُنسخ ويُقرأ باهتمام في حلقات كانت تزداد اتساعًا... لكن ما لبثت الأناجيل السردية أن أصبحت هيَ السائدة بصفتها التصوير المُفضَّل لدى المسيحيين، وفُقد إنجيل الأقوال من الذاكرة التاريخية للكنيسة المسيحية.
ولولا قيام اثنين من مؤلفي الأناجيل السردية (متى ولوقا) بتضمين أجزاء لا بأس بها من إنجيل الأقوال في قصصها عن حياة يسوع لكان إنجيل الأقوال – لدى أتباع يسوع الأوائل – قد اختفى دون أي أثر... لقد كان لدى متى ولوقا نسخة من إنجيل الأقوال، والمادة التي نسخها كل منهما من إنجيل الأقوال متداخلة إلى حد كبير" (547).
لا يوجد دليل قاطع وأكيد على وجود المصدر "Q" في يوم من الأيام، فلم يعثر أحد على صفحة واحدة من هذا المصدر على مدار ألفي عام، حتى قال "وينهام" J. W. Wenham أن كل من متى ولوقا استخدم إنجيل مرقس، لكن لم يستخدما مصدرًا آخر للأقوال (راجع أ. ده. سيلفا - مقدمة للعهد الجديد ص 222)، ولذلك يظل القول بالمصدر "Q" مجرد نظرية لا ترقى لمستوى الحقيقة، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": " أقوال يسوع أو Q : ويدور جدل كثير حول الأجزاء المشتركة بين متى ولوقا، ولكنها لا توجد في مرقس، وهيَ عادة تختص بأحاديث يسوع، وأكثر النظريات قبولًا الآن هيَ أن متى ولوقا قد استخدما إنجيل مرقس، وكذلك مجموعة الأقوال، التي يطلقون عليها "Q " (وهيَ الحرف الأول من كلمة ألمانية معناها: "المصدر") ويمكن قبول هذه النظرية باعتبارها مجرد فرض من الفروض، ولكن لا يمكن اعتبارها حقيقة ثابتة... ونهاية المطاف للأبحاث النقدية هيَ وضع "Q " في نفس المستوى مع إنجيل مرقس، فحيث يذكر متى ولوقا أمورًا لا توجد في مرقس، فالأغلب – كما يزعمون – أنها مأخوذة عن "Q "..(548).
ويقول "جون درين": " هل المصدر "Q " وُجِد بالفعل؟.. هـل هناك ما يُسمى "Q "؟ وإذا كان هناك "Q " بالفعل، فلماذا كُتِب وماذا كانت رسالته؟.. هناك أسباب عديدة تدعو للشك في وجود هذا المصدر المُفترض "Q ":
ليس هناك دليل قاطع على وجود "Q " فبالرغم من كل الجهود التي بذلها العلماء في محاولة إعادة تجميع المصدر Q أو حتى ادعاء إعطاء وزن لتاريخه الأدبي أو تطوره. فإن الحقيقة هيَ أن أحدًا لم يره، ولا يوجد حتى مجرد قصاصات من أي من مخطوطة قديمة للمصدر Q، ولا إشارة واحدة لوجوده في أي من الأدبيات القديمة - اعتقد الشُرَّاح في القرن (19) أن بابياس يشير إلى المصدر Q في قوله بالنسبة لإنجيل متى: "كَتَبَ الأقوال باللغة العبرية وكل واحد فسَّرها على قدر استطاعته" (أُقتبس من يوسابيوس: تاريخ الكنيسة 3 : 39 : 16) ولكن بابياس استخدم نفس كلمة أقوال ليصف إنجيل مرقس بالكامل...
ليس هناك من المصادر القديمة يشبه المصدر Q رغم أن بعض الأناجـيل الغنوسية (خاصة إنجيل توما) يحوي لونًا من الاهتمام المساوي لجميع أقوال يسوع... فإن المصدر Q ليس بالفعل يشبه توما. فهو يشمل بعض القصص أيضًا. ولذا فإن هناك صعوبة في تحديد نوع الشكل الأدبي الذي يميز المصدر Q...
بعض علماء اللاهوت يؤكدون أن المغالاة في التأكيد على وجود Q يؤدي إلى تصوير المسيح كمعلم للحكمة والأخلاق... وبالرغم من كل هذا فإن الرأي الغالب يفضل ثنائية المصدر : Q ومرقس اللذان استخدمهما متى ولوقا كلٍ على حدة. هذا لأن فرضية Q تجيب على أسئلة أكثر من فرضية أن لوقا استخدم (إنجيل) متى. في هذه الحالة يكون Q هو إنجيل، وتكون فرضيته سببًا في حل مشكلات أكثر من خلق مشكلات" (549).
وجاء في "مقدمة الطبعة اليسوعية": " (3) فإن معظم النُقَّاد يقتنعون بمبدأ المصدرين. يقول أصحاب هذا الرأي أن لمتى ولوقا علاقة مباشرة بمرقس وبمصدر مشترك مستقل عن متى. فلكل إنجيل تقاليد خاصة به. ولكن مرقس وتلك الوثيقة هما المصدران الرئيسيان لمتى ولوقا... هذا الرأي يُفرض اليوم بدقة أوفر كثيرًا مما كان له عند نشأته... ولكن يحسن أن نذكر أن النقّاد في أيامنا لا يجرؤون على الجزم هل الوثيقة المشتركة بين متى ولوقا هيَ وثيقة خطية أو مصدر شفهي، ولا يجزمون هل كان نص مرقس الذي استعمله متى ولوقا النص الذي بين أيدينا أو نصًا آخر... ونضيف إلى ذلك أن فحص المراجع الأدبية ليس هو الفحص الوحيد وقد لا يكون الأهم لحسن تفهم الأناجيل الإزائية، فالمراجع الوثائقية والتقليد الشفهي وتأثير البيئة الأصلية واستعمال المؤلفين الأخرين لمختلف المواد هو من الأمور التي لا بد من الاستعانة بها على حد سواء.." (550).
إن كان هناك مصدر "Q" فعلًا، فنحن نقبله على فرض أنه إنجيل متى الأرامي، وهذا ما افترضه "ليفي" Levie، بينما اقترح "فاغاني" Vagany أن المصدر "Q" هو الترجمة اليونانية لإنجيل متى الأرامي (راجع الأب بيوس عفاص - قراءة مجددة للعهد الجديد ص 206-210، والأب فاضل سيداروس -تكوين الأناجيل ص 32).
ويقول "دكتور موريس تاوضروس": " وهنا في الواقع ما نقبله نحن أي أننا نأخذ بنظرية المصدرين السابقين مع افتراض أن المصدر "Q " هو النسخة الآرامية من الإنجيل للقديس متى، أي أن القديسين متى ولوقا قد نهلا المادة المشتركة بينهما من مصدرين:
1ــــ من الإنجيل للقديس مرقس.
2ـــ من الإنجيل للقديس متى (النسخة الآرامية)..
وعلى ذلك فالأناجيل التي كُتبت أولًا هيَ: النسخة الآرامية لبشارة القديس متى، ثم بشارة القديس مرقس، ثم بشارة القديس لوقا... وفي رأينا أن النسخة الآرامية لبشارة القديس متى هيَ المصدر "Q " الذي يتحدث عنه بعض المحدثين، وهو في الوقت نفسه يفسر التشابه بين القديسين متى ولوقا - ولعل القديس لوقا في إشارته إلى المؤلفات التي سبقت يشير إلى الإنجيل للقديس مرقس وإلى نسخة القديس متى الآرامية.." (551).
_____
(546) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 443.
(547) ترجمة محمد الجورا - الإنجيل المفقود - كتاب "ك" والأصول المسيحية ص 7، 8 .
(548) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 451.
(549) مدخل العهد الجديد ص 177 - 179.
(550) مقدمة الطبعة اليسوعية للعهد الجديد - طبعة دار المشرق ص 28، 29.
(551) المدخل إلى العهد الجديد ص 56 - 58.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/76.html
تقصير الرابط:
tak.la/3szm69h