س599: لماذا يُضرَب العبد الذي لا يعرف إرادة سيده (لو 12: 48)؟ وإذا كان في (لو 12: 52) أحصى العدد بخمسة أشخاص، فعندما فصَّل العدد في الآية التالية لماذا ذكر ستة أشخاص؟ وما هيَ قصتي الجليليين الذي خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم والثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام (لو 13: 1-4)؟
ج: 1- لماذا يُضرَب العبد الذي لا يعرف إرادة سيده (لو 12: 48)..؟ قال السيد المسيح: "وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا. وَلكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلمُ وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ يُضْرَبُ قَلِيلًا" (لو 12: 47، 48)، فالذي يجهل إرادة سيده يعاقب متى فعل ما يخالف هذه الإرادة، لأن الجهل بالقانون لا يعفي من العقوبة، ولماذا لم يسأل هذا العبد ويستقصي عن إرادة سيده. يقول "القديس كيرلس الكبير": "وكون تلك العقوبة المرة والحتمية تهدد كل من هم كسالى في هذا الواجب، هذا ما أظهره المُخلص في الحال بإضافة مثالين واحدًا بعد الآخر فقال: "لأن الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ فَيُضْرَبُ كَثِيرًا. وَلكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ يُضْرَبُ قَلِيلًا". والآن فإن الذنب لا جدال فيه في حالة من عرف إرادة سيده لكنه أهملها بعد ذلك، ولم يفعل ما كان يجب عليه أن يعمله، فإن هذا ازدراء واضح، لذلك يستحق ضربات كثيرة، لكن لأي سبب أُوقعت ضربات قليلة على من لا يعرف إرادة سيده ولم يفعلها! لأنه ربما لم يسأل أحد، كيف يمكن لمن لم يعرف إرادة سيده أن يكون مذنبًا؟ السبب، هو لأنه لم يعرفها رغم أنه كان في مقدوره أن يتعلمها. لكن إن كان الذي تُوقع عليه ضربات كثيرة بعدل وهو الذي عرف إرادة سيده واحتقرها؟ " فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ" (لو 12: 48). لذلك، فمن يعلمون دينونتهم كبيرة جدًا، وهذا أوضحه تلميذ المسيح، بقوله: "لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي عَالِمِينَ أَنَّنا نَأْخُذ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ" (يع 3: 1).." (305).
2- إذا كان في (لو 12: 52) أحصى العدد بخمسة أشخاص، فعندما فصَّل العدد في الآية التالية لماذا ذكر ستة أشخاص..؟ قال السيد المسيح: "يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ... وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ... وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا" (لو 12: 53)، وهنا نجد توافق تام بين القول (ع 52) والشرح (ع 53)، ففي كليهما ذكر خمسة أشخاص، مع اعتبار أن أم الابن والابنة، هما في نفس الوقت حماة زوجة الابن، فنحن هنا أمام خمس شخصيات، وهم:
1- الأب
2- الابن
3- الأم (وهيَ أيضًا حمى زوجة ابنها).
4- البنت
5- زوجة الابن.
وتفسير "ثلاثة ضد اثنين" فربما اعتنق الابن وزوجته وأخته المسيحية، فانقلب عليهم اثنين وهما الآب والأم. أو أن الأب والأم والابنة اعتنقوا المسيحية فانقلب عليهم الابن وزوجته.
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
3- ما هيَ قصتي الجليليين الذي خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم، والثمانية عشر الذين سقط عليهم برج سلوام (لو 13: 1-4)..؟
قصة الجليليين: أراد بيلاطس البنطي أن يمد شبكة مياه من الينابيع الكائنة جنوب أورشليم إلى داخل المدينة لتوفير المياه، ولا سيما أنه في فترات الاحتفالات بالأعياد يصل أعداد الوافدين إلى مئات الألوف، ويستهلكون كميات ضخمة من المياه في طقس تقديم الذبائح والاغتسالات، فأحضر بيلاطس مهندسًا من الإسكندرية وآخر من أنطاكية ليضعوا له التصميم اللازم لهذه الشبكة، ووقف عائقًا في تنفيذ هذه الخطة التمويل الضخم اللازم، فأراد بيلاطس أن يستمد التمويل من إيرادات الهيكل ولكن القيادات اليهودية رفضت وتصلَّفت، فطلب منهم قرضًا ويتم سداده عن طريق فرض ضريبة إضافية على سكان المدينة لمدة عام، فرفضوا هذا الاقتراح أيضًا، وكان أحد أحبار اليهود مُتفهمًا ومُتحمسًا لمشروع المياه فهجم عليه خمسة من اليهود المتطرفين ومزقوا جسده بالسكاكين، فماذا فعل بيلاطس..؟ تتبع بيلاطس أخبار ضريبة الهيكل التي تصل من يهود الشتات للهيكل، فوصلت ضريبة الهيكل القادمة من اليهود المُقيمين في مصر إلى الهيكل ولم يتمكن بيلاطس أن يضع يده عليها، ولكن عندما وصلت الضريبة القادمة من آسيا احتجزها بيلاطس في قيصرية وصادرها، وأمر "ماركيوس" أن يراقب الضريبة القادمة من الفرات، وأحسن ماركيوس التصرف إذ راقب هذه الضريبة وأدخلها إلى قلعة أنطونيا الجاثمة أمام الهيكل، وبذلك حصل بيلاطس على مبالغ ضخمة بما فيها أيضًا من حُلي ومجوهرات أرسلها يهود الشتات لتزيين الهيكل، وهنا ثارت ثورة اليهود وكان بيلاطس قد أعدّ العدة، إذ ضاعف الحراسة في قلعة أنطونيا، ودفع بنحو ألف جندي بثياب مدنية وسط الشعب الذي تجمع أمام القلعة، وخاطب بيلاطس الجمهور الثائر محاولًا أن يشرح لهم أن ما حصل عليه من أموال ستعود عليهم في شكل خدمات، وأن المياه النقية ستصل إلى مدينتهم المقدّسة، فلم يتفهموا الموقف، وصاروا يصرخون ويقذفون القلعة بالأحجار، وبيلاطس بأفظع الشتائم، فنفذ صبر بيلاطس وأمر بدق الطبول فهجم الجنود المتخفين في الزي المدني ويخفون سيوفهم في طيات ملابسهم على الجمهور فأحدثوا ربكة وزعر شديد وركضوا يحتمون بالهيكل بعد أن سقط منهم عدد كبير من القتلى، فأمر بيلاطس بالكف عنهم. وعندما جاء يهود الجليل جدَّدوا الثورة ضد بيلاطس، فأمر بيلاطس جنوده فأعملوا فيهم السيوف، وعندما ركض الجليليون يحتمون بالهيكل، فإذ بجنود بيلاطس يندفعون من قلعة أنطونيا عبر نفق إلى فناء الهيكل يذبحون الجليليين وذبائحهم معهم، فاختلطت دماء الجليليين بدماء ذبائحهم في فناء الهيكل، وبسبب هذا غضب هيرودس أنتيباس ملك الجليل وصار في خصومة مع بيلاطس البنطي، ولم يرجع السلام بينهما إلاَّ بعد أن أرسل بيلاطس يسوع وقت محاكمته لهيرودس ليحكم عليه باعتباره مواطنًا من الجليل.
وقد أعاد الجليليون هذا الحدث الأليم على مسامع السيد المسيح نظرًا لتأثرهم من هذا الحدث البشع، ولربما أرادوا الإيقاع به ولا سيما أنهم يعرفون شجاعته وأنه دائمًا ينطق بالحق، فلو أدان بيلاطس لاشتكوه لبيلاطس، ولو برَّر بيلاطس لثار الجليليون ضده، وربما توقع السائلون أن السيد المسيح سيربط بين شر هؤلاء الجليليين ومصيرهم المأسوي، ولا سيما أن اليهود كانوا يربطون بين الكوارث التي تحل بالإنسان وبين خطاياه، ولهذا عندما رأى التلاميذ الأعمى منذ ولادته، سألوا المعلم: "يَا مُعَلِّمُ مَنْ أَخْطَأ هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟ أَجَابَ يَسُوعُ لاَ هذا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ الله فِيهِ" (يو 9: 2، 3). لكن الرب يسوع لم يدن بيلاطس ولم يبرره، ولم يقل لهم أن هؤلاء الجليليين سُفكت دمائهم بسبب كثرة شرورهم، بل أوضح لهم أن هؤلاء الجليليين مثلهم مثل بقية الشعب، ولم يكن شرهم أزيد من شر الشعب: "أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟ كَلاَّ" (لو 13: 2، 3) وأوضح أن المخرج الوحيد هو التوبة لضمان الحياة الأبدية، ولذلك كرَّر عبارة: "إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ" (لو 13: 3، 5) فالتوبة هيَ التي تنقذ الإنسان من الهلاك الأبدي.
الثمانية عشر في سلوام: كانت الأبراج تُبنى على أسوار المدن، أو داخلها بغرض الدفاع عنها (قض 9: 50-52) وكانت تُبنى الأبراج غالبًا بشكل دائري من حجارة ضخمة ترتفع لدورين، يُستخدم الدور الأرضي كمخزن والدور العلوي للمراقبة والحراسة، وكان هؤلاء الرجال يؤدون عملهم في بناء برج ضخم مرتفع، مجرد أنهم أُجراء يكدون ويكدحون من أجل لقمة العيش، وبعد أن ارتفع البرج فإذ به ينهار وتسقط الأحجار الضخمة عليهم لتقتلهم، وقد عثر المنقبون عن الآثار قرب قرية سلوام في الجزء الجنوبي الشرقي من سور أورشليم على أثار سمكها نحو أربعة أقدام أي أكثر من متر (راجع القس أنجيليوس جرجس - يوميات مع كلمة الحياة - إنجيل لوقا ص295). وهؤلاء قتلى البرج لم يكونوا أشرارًا أكثر من بقية الشعب، مثلهم مثل الجليليين الذي خلط بيلاطس دمائهم بدماء ذبائحهم، وخرج منهما بنتيجة هامة وخطيرة هيَ أهمية وضرورة التوبة. والحقيقة أن التجارب قد تحل بالإنسان كنوع من التأديب مثل سبي مملكة يهوذا، أو كنوع من التذكية كما حدث مع يوسف الصديق وأيوب البار، وكل من الأشرار والأبرار يتعرضون للتجارب، فيقول "القس برصنوفيوس": "إن كنا أشرارًا بالأحزان نؤدب، وإن كنا أبرارًا بالأحزان نُختبَر" (306). فلا يظن أحد أن الذين تصيبهم الكوارث جميعهم أشرار، ولا أن الذين ينجون منها جميعهم أبرار، وقد واجه الشهداء تجارب وضيقات وعذابات وهم أبرار بسبب شهادتهم للرب يسوع.
_____
(305) دكتور نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص446، 447.
(306) أورده دياكون د. ميخائيل مكسي إسكندر - تفسير الإنجيل بحسب ما كتب القديس لوقا البشير، ص80.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/599.html
تقصير الرابط:
tak.la/qr998zb