St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

581- كيف أمسكت المرأة بقدمي يسوع حتى بللتهما بالدموع وقبلتهما وهيَ تقف خلفه (لو 7: 38) وليس أمامه؟ وإذا كان المسيح دخل بيت الفريسي أولًا قبل المرأة الخاطئة (لو 7: 36-38)، فكيف يقول السيد المسيح: "فَمُنْذُ دَخَلْتُ ( أنا ) لَمْ تَكُفَّ ( هي ) عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ" (لو 7: 45)؟ وإن كان الحب يغفر الخطايا (لو 7: 47) فما الداعي لقضية الصلب والفداء؟

 

س581: كيف أمسكت المرأة بقدمي يسوع حتى بللتهما بالدموع وقبلتهما وهيَ تقف خلفه (لو 7: 38) وليس أمامه؟ وإذا كان المسيح دخل بيت الفريسي أولًا قبل المرأة الخاطئة (لو 7: 36-38)، فكيف يقول السيد المسيح: "فَمُنْذُ دَخَلْتُ ( أنا ) لَمْ تَكُفَّ ( هي ) عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ" (لو 7: 45)؟ وإن كان الحب يغفر الخطايا (لو 7: 47) فما الداعي لقضية الصلب والفداء؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كيف أمسكت المرأة بقدمي يسوع حتى بللتهما بالدموع وقبلتهما وهيَ تقف خلفه (لو 7: 38) وليس أمامه..؟ كانت المائدة في ذلك الوقت منخفضة، وكان الضيوف يخلعون أحذيتهم ويتكئون حولها، كل منهم يستند على أريكة على ذراعه الأيسر، ويأكل بيمينه، وأرجله ممتدة للخلف، لذلك استطاعت هذه المرأة أن تقترب من السيد المسيح من الخلف وتمسك بقدميه، وكان النساء اليهوديات يُعلقنَّ قارورة طيب حول أعناقهن كنَّ قد حصلن عليها كمهر عن زواجهنَّ، ولا يتخلين عنها حتى أيام السبوت، والقارورة لها رقبة طويلة، فإذا أرادت السيدة أن تسكب منه القليل تستطيع هذا، أما إذا أرادت أن تفرغ القارورة بالكامل، كما كن يفعلن ذلك عند تكفين ميت عزيز لديهن، فكانت السيدة تكسر رقبة القارورة بسهولة وتُفرغ الطيب كله، وهذا ما فعلته هذه المرأة التائبة وهيَ تمسك بقدمي يسوع وتبللهما بدموعها وتقبلهما فتستمد منه نسمة الخلاص. ويقول "وليم باركلي": "كما قضت التقاليد أيضًا أن لا يجلس الضيف بل يستند على المائدة مضطجعًا على وسادة مُريحة متكئًا على الذراع الأيسر حتى يكون الأيمن حرًّا في تحركه. وتمتد القدمان إلى الخلف حيث تكون خالية من النعال أثناء تناول الطعام. ومن تأملنا لهذا الوضع نستطيع أن نفهم كيف تمكنت المرأة من الوقوف عند قدمي يسوع" (201).

وعوضًا أن تسكب هذه المرأة التائبة الطيب على رأس السيد المسيح كالمعتاد، فأنها سكبته على قدميه كنوع من الشعور بعدم الاستحقاق، وفاض الطيب مُمتزجًا بدموع التوبة على قدمي مُخلصنا الصالح وقد أفاضت المرأة مشاعرها، ومسحت قدميه بشعر رأسها، بالرغم من أن كشف المرأة اليهودية لشعرها يُعد نوعًا من عدم اللياقة وقلة الاحتشام، لكنها لم تهتم بما يقوله الناس عنها، ولكن لُب الموضوع أن مشاعر التوبة هذه وتلك الدموع التي امتزجت بالطيب وفاحت رائحته، حوَّلت الزانية إلى قديسة!! وعن قارورة الطيب يقول "بوب إتلي": "الكلمة المترجمة "قارورة" هنا هيَ كلمة الألباستر والتي هيَ حجر أصفر ضارب إلى البياض دُعي بهذا الاسم نسبة إلى بلدة في مصر (الألباسترون) التي اشتهرت به. كان العطر أو الطيب باهظ الثمن. وكانت النساء تحملن هذه كمهر حول أعناقهن مُرتبطًا بسلسلة" (202).

St-Takla.org Image: The Anointing of Jesus Christ at Bethany: Jesus is anointed by a sinful woman at the house of Simon the Pharisee: (Luke 7) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: تطييب السيد المسيح يسوع في بيت عنيا: امرأة خاطئة تدهن قدمي المسيح بالطيب وتمسحهما بشعر رأسها، في بيت سمعان الفريسي: (لوقا 7) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

St-Takla.org Image: The Anointing of Jesus Christ at Bethany: Jesus is anointed by a sinful woman at the house of Simon the Pharisee: (Luke 7) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تطييب السيد المسيح يسوع في بيت عنيا: امرأة خاطئة تدهن قدمي المسيح بالطيب وتمسحهما بشعر رأسها، في بيت سمعان الفريسي: (لوقا 7) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

ومما نلاحظه في حادثة هذه المرأة الخاطئة التائبة:

أ– أنها أظهرت جراءة في دخول بيت الفريسي الذي لا يطيق ولا يقبل الخطاة. اقتحمت المشهد ولم تخشى أن سمعان يطردها طرد الكلاب الضالة.

ب- أنها أظهرت انكسارًا واتضاعًا، وإن كانت عجزت عن مواجهة يسوع وجهًا لوجه فأنها جاءت من خلفه باكية بدموع غزيرة، تلك الدموع التي يقول عنها "القديس يوحنا الذهبي الفم": "كما غرق فرعون في مياه البحر الأحمر، يغرق الشيطان في دموع الباكين"(203).

جـ- أظهرت إكرامًا للسيد المسيح إذ انحنت وقبَلَّت قدميه وسكبت عليهما الطيب وفاضت دموعها عليها... تُرى هل كُشِف لهذه المرأة سر الخلاص، فأدركت أن هاتين القدمين ستسمران على عود الصليب؟!!.! لقد نظرت الكنيسة لهذا المنظر العجيب وأدركت العطية الإلهيَّة التي حازتها هذه المرأة، فوضعت هذا الإنجيل في الخدمة من صلاة نصف الليل: "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت مُنذ القديم للمرأة الخاطئة، واجعلني مُستحقًا أن أبل قدميك اللتين اعتقتاني من طريق الضلالة، وأُقدِّم لك طيبًا فائقًا، وأقتني لي عُمرًا نقيًا بالتوبة، لكي أسمع أنا ذلك الصوت المُمتلئ فرحًا: إن إيمانك خلصك".

د– نحن مدينون لهذه المرأة التي أظهرت مراحم اللَّه اللانهائية، فيقول "القديس كيرلس الكبير": "فالمرأة التي كانت مُذنبة بنجاسات كثيرة وتستحق اللوم بسبب أعمال مُشينة جدًا قد تبرَّرت، لكي يكون لنا نحن أيضًا ثقة أن المسيح سيرحمنا نحن أيضًا بالتأكيد، حينما يرانا مُسرعين إليه وساعين أن نهرب من شراك الشر. دعونا نقف أمامه، دعونا نسكب دموع التوبة، هيا بنا ندهنه بالطيب، لأن دموع الذي يتوب هيَ رائحة طيب للَّه – اذكروا الذي قال: "اِصْحُوا أَيُّهَا السَّكَارَى وَابْكُوا وَوَلْوِلُوا يَاجَمِيعَ شَارِبِي الْخَمْر" (يؤ 1: 5) لأن الشيطان يسكر القلب، ويثير العقل باللذات الشريرة، ويُحدِر الناس إلى نجاسات الشهوة... لا تنزعج حينما تفكر في عظم خطاياك السابقة، بل بالحري أعلم أن نعمة اللَّه التي تُبرّر الخاطئ وتفك الشرير هيَ أعظم (من خطاياك)" (204).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

2- إذا كان المسيح دخل بيت الفريسي أولًا قبل المرأة الخاطئة (لو 7: 36-38)، فكيف يقول السيد المسيح: "فَمُنْذُ دَخَلْتُ (أنا) لَمْ تَكُفَّ (هيَ) عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ" (لو 7: 45)..؟ جاء في "الترجمة اليسوعية": "أنتَ ما قبلتني قبلةً. وأما هيَ فلم تكُفَّ منذ دَخَلتْ عن تقبيل قدميَّ"، وجاء في الهامش: "في أكثر المخطوطات: "ومُذ دخلتُ" لكننا نتبع هنا بعض المخطوطات القديمة، لأن نصَّها أكثر انسجامًا مع سياق الكلام" (205). أما إذا أخذنا بالترجمة البيروتية والكثير من الترجمات، فأننا نجد أيضًا تفسيرًا مقبولًا لما يبدو في ظاهره تعارضًا، وهو أنه يبدو أن الوقت الذي مرَّ بين دخول السيد المسيح بيت الفريسي وبين دخول هذه المرأة كان قصيرًا، لأنها كانت تراقبه وتترقبه، فمجرد أن دخل البيت انزلقت في أثره لأن باب البيت يظل مفتوحًا كعادة الشرقيين أثناء الوليمة، ولا يرد جائع أو محتاج لأن كرم الضيافة يستوعب الكل، فهذه المرأة دخلت بدون دعوة بعد دخول السيد المسيح بوقت وجيز، فكأن هذا الوقت الوجيز الذي أمضته هذه المرأة في الترقب، وفي نيتها أنها تفعل ما فعلته، لذلك عظم السيد المسيح عمل هذه المرأة، واحتسب لصالحها الوقت الفارق بين دخوله ودخولها. واحتسبها أنها دخلت معه... لقد عظم من محبتها واحتسب لها ما فعلته قبل أن تفعله، ولا سيما أنها كانت قد بيتَّت النية على فعله. بل لو افترضنا أن الظروف منعتها من تقبيل قدمي المسيح، لاحتسب لها السيد المسيح هذا العمل وكأنها فعلته، وهذا ما تعلمه الكنيسة لأولادها في أوشية القرابين، إذ يصلي الأب الكاهن: "نذور عبيدك اقبلها إليك، أصحاب الكثير وأصحاب القليل، الخفيات والظاهرات، والذين يُريدون أن يقدموا لك وليس لهم، والذي قدموا لك اليوم هذه القرابين. أعطهم الباقيات عوضًا عن الفانيات، السمائيات عوض الأرضيات، الأبديات عوض الزمنيات. بيوتهم ومخازنهم املأها من كل الخيرات، أحطهم يا رب بقوة ملائكتك ورؤساء ملائكتك الأطهار... ".

 

3- إن كان الحب يغفر الخطايا (لو 7: 47)، فما الداعي لقضية الصلب والفداء..؟ قال السيد المسيح لسمعان: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا" (لو 7: 47) فإن كانت خطايا هذه المرأة كثيرة، لكن حبها الشديد للسيد المسيح مُخلص العالم أهَّلها لمغفرة خطاياها الكثيرة، وما أكثر الأدلة على حبها... دموع التوبة الغزيرة، والطيب الذكي، والشَعر، والمشاعر الفياضة، أيضًا المغفرة التي حصلت عليها هذه المرأة التائبة جعلها تحب السيد المسيح أكثر فأكثر، وهذا ما يؤكده الجزء التالي من نفس الآية: "وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا". كما جاءت الآية في "ترجمة كلمة الحياة": "لهذا السبب أقول لك: إن خطاياها الكثيرة قد غُفرت، لهذا أحبت كثيرًا. ولكن الذي يغفر له القليل يحب قليلًا" فالحب يرتبط بالمغفرة إذ يؤهل الإنسان للحصول على المغفرة، لأنه من لا يحب المسيح كيف ينال المغفرة منه، وأيضًا المغفرة تُولد الشعور بالحب تجاه من سدَّد الدين عني... الحب والمغفرة ثمرتان من شجرة واحدة، شجرة الإيمان العامل بالمحبة، وفرعان من نبع واحد، وهو نبع الإيمان. ويقول "القس ليون موريس": "مهما كانت الخطايا كثيرة، ومهما كانت شناعتها، إلاَّ أن نعمة الرب تستطيع أن تغفرها. ويجب أن نعي جيدًا مغزى الكلمات "لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا" فلا يعني قول يسوع أن المرأة قد استحققت مغفرة خطاياها بسبب أعمالها ولا حتى بسبب محبتها... فقوله معناه أن حبها كان دليلًا على أن خطاياها سبق وغُفرت لها" (206). وهذه المغفرة التي نالتها هذه المرأة يعجز الطب النفسي أن يهبها، فكل ما يفعله الطب النفسي تجاه الإنسان الخاطئ أنه يحاول طمس عقدة الذنب، أما عمل السيد المسيح فمختلف تمامًا، إذ يزيل الخطية وبلا شيء كل آثارها وكأنها لم تكن.

 

أما عن لزوم وأهمية وضرورة موت المسيح في قضية الخلاص والفداء أمر مفروغ منه، وكثيرًا ما ناقشناه من قبل. يكفي قول الكتاب: "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عب 9: 22) والمقصود بالدم ليس دم تيوس وعجول بل دم ابن اللَّه الوحيد: "الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا" (كو 1: 14).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(201) ترجمة القس مكرم نجيب - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص124، 125.

(202) لوقا المؤرخ: إنجيل لوقا، ص194.

(203) أورده د. ميخائيل مكسي إسكندر - تفسير الإنجيل بحسب ما كتبه القديس لوقا البشير، ص89.

(204) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص185.

(205) الكتاب المقدَّس - العهد الجديد - دار المشرق ط 1991م، ص216.

(206) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص152.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/581.html

تقصير الرابط:
tak.la/996gg3f