س270: هل يُعقَل أن يتهاون الإنسان في ممتلكاته للدرجة التي يتنازل فيها عن ثوبه (مت 5: 40)؟ وهل عوضًا عن مقاومة الظالمين المغتصبين نكافأهم بترك ثيابنا لهم؟ وهل عندما يهاجمنا لص علينا أن نستسلم ولا نستغيث حتى بالشرطة؟
ج: 1ــ في العهد القديم كان الإنسان الفقير يستخدم رداءه كغطاء ليلًا، فأفقر الناس كان يملك عدة ثياب ولكنه في الغالب لا يملك إلاَّ رداء واحدًا، ولهذا نبه الناموس لعدم رهن الرداء ليلًا: "إِنِ ارْتَهَنْتَ ثَوْبَ صَاحِبِكَ فَإِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ تَرُدُّهُ لَهُ. لأَنَّهُ وَحْدَهُ غِطَاؤُهُ. هُوَ ثَوْبُهُ لِجِلْدِهِ. فِي مَاذَا يَنَامُ" (خر 22: 26، 27)، ومع ذلك فإن السيد المسيح أراد من الإنسان أن يسير الرحلة إلى نهايتها، حتى أنه يوافق بإرادته ورضائه أن يتنازل عن رداءه الذي هو في حاجة شديدة إليه، فقال: "وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا" (مت 5: 40)، وعندما يطلب إنسان ثوب آخر بدون وجه حق فذاك شر عظيم، وعندما يتنازل الآخر عن الرداء أيضًا بإرادته فذاك خير جزيل، والخير أقوى من الشر ولهذا قال الكتاب: "إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رو 12: 18 - 21).
2ــ يرتدي الإنسان ثوبه وعليه الرداء، فمن يريد أن يأخذ الثوب فلابد أن ينتزع الرداء أولًا، وعندما قال السيد المسيح من يريد أن يأخذ ثوبك كان يقصد ثوب آخر غير الذي يرتديه الإنسان، ومن المعروف أن الثوب أرخص من الرداء، إذًا المقصود إن نازعك أحد فيما هو رخيص فهب له ما هو أغلى، وكأنك لا تريد شيئًا من مقتنيات هذا العالم الفاني. أنه تدريب على التجرُّد، هكذا فعل الأنبا بولا عندما نازعه أخوه في الميراث، فترك له الكل، بل ترك العالم وكل ما فيه وعاش في الجبال والقيافى فتأهل أن يكون أول السواح.
3ــ هل لو اغتصب أحد بعض أو كل ممتلكات إنسان آخر، فهل للأخر أن يقاضيه؟ بلا شك أن الإنسان المظلوم له كل الحق في رفع الأمر للقضاء، ولا يعتبر بهذا أنه يحطم هذه الوصية، فيجب أن نأخذ الوصية بالمعنى الروحي وليس الحرفي، وكل إنسان يتعامل مع الوصية بحسب قامته الروحية، مستعينًا بروح التمييز، فيعرف متى يتسامح ويمرّر موقف الظلم الذي تعرَّض له، حتى لا يمرّر حياته، ومتى يقاوم الشر.
ويقول "القديس أغسطينوس": "إن هذه الوصية ينبغي أن تُفهَم على أنها تهتم بتهيئة القلب داخليًا في كل ما نملك، فما قيل عن الثوب والرداء لا يُقصَد به المعنى المحدود لهما بل يُقصَد بهما كل ما تمتلكه في هذه الحياة...
يجب أن نلاحظ بعناية أن كل ثوب tunic هو رداء garment، وليس كل رداء ثوبًا. من ثمَّ كلمة " رداء " أعم من كلمة " ثوب " لذلك أظن أنه عندما قال الرب: "وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ "، كان يقصد أن من يرغب في أخذ الثوب ينبغي أن نترك له الملابس الأخرى" (638).
_____
(638) ترجمة القمص تادرس يعقوب - الموعظة على الجبل ص127، 128.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/270.html
تقصير الرابط:
tak.la/8v3rqxh